المقالات

الثقة السياسية والسيكولوجية تترنّح في العراق


عدنان أبو زيد

 

ديمومة الأزمة في العراق، تستدعي استعراض أسباب فقدان “الثقة السياسية” بين النخبة والمحتجين، حيث التصعيد الإعلامي لاسيما الموجّه من الخارج، يوسّع الهوّة، ويعقّد حتى “الثقة السيكولوجية” بين المتظاهرين انفسهم ومع دولتهم، بسبب تراكمات المحنة التي بدت مفتوحة على كافة الاحتمالات.

“الثقة السياسية”، مفردة ليست جديدة، في ادبيات علوم السياسة، وقد اشارت لها الأمم المتحدة في مؤتمرها حول “بناء الثقة في الحكومة” في فيينا العام 2006، معتبرة انها نتاج “التوافق في الآراء بين أفراد المجتمع والنخب السياسية حول الأولويات في البرامج، ونمط الإدارة الحكومية، والتفاعل الإيجابي بين المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية”.

فيما يتعلّق بالعراق، فان المتصوّر ان بنية المجتمع العراقي، الدينية والاجتماعية، تتيح الوشائج المنسجمة بين النخب والمجتمع، ما يجعل من عملية بناء “الثقة السياسية” ممهّدة، لكن الذي يحدث هو النقيض، اليوم، لأسباب شتى، بينها،

أسلوب توزيع الثروة، ورأس المال الاجتماعي، وأسلوب مشاركة الموطن في السلطة، التي ترسخت منذ ٢٠٠٣ عبر  ديباجات المحاصصة السياسية والطائفية، فضلا عن الفساد، واضمحلال الدور المؤسسي للدولة، واستشعار الفرد بانها غير قادرة على استيعاب طموحاته.

لا يمكن تجاوز الازمة، الا من خلال استرداد “الثقة السياسية” أولا، بين جوانب العلاقة، كمدخل لاسترجاع “الثقة النفسية” و”الاجتماعية”، عبر إرساء منظومة جديدة من التجاوب الخلاق، بين الافراد ومؤسسات الدولة والأحزاب، وتدعيم ثقافة الثقة Trusting Culture.

يستطيع المواطن “الواثق” بالدولة، ان يتعامل حضاريا مع أي اختلاف، وحتى في الحالات التي يتظاهر، او يحتج فيها، فان اعتراضه سيكون إيجابيا، نحو البناء لا الانتقام من الدولة والواجهات السياسية بالتخريب والحرق، لان مثل هذا الفرد المتيقّن، يدرك جيدا ان دولته بنظامها الديمقراطي، يمكن ان توصله الى مركز القرار والسلطة، يوما ما، وان عليه- وفق ذلك-، ان يديم المؤسسات، ويجاري آليات المعارضة السلمية.

المواطن اليقيني، يتحمّس للتظاهر، قدْر اندفاعه الى التشارك في الجمعيات الخيرية، ونبذه الافرازات الطائفية والقومية، واحترامه الأقليات الاجتماعية والسياسية، وتفاعله بإيجابية مع كافة أنماط الفعاليات المجتمعية وتسامحه معها، حتى وان تباين معها في الأساليب والاهداف.

لكن كيف يمكن ذلك؟ المسالة ببساطة تعود الى “الثقة السياسية” حين يدرك الفرد، ان برامج الحكومة تلمس الحاجات المجتمعية، وتستجيب لها، وحين يؤمن الفرد بذلك، يتسامح معها حتى في حالة عدم قدرتها على تلبية بعض تلك الضرورات، لأنه يدرك جيدا انها تسعى الى ذلك، وانّ ظروفا مركّبة، حالت دون التنفيذ.

على العكس من ذلك، فحين ينتبه الفرد الى ان الحكومة منفصمة عن الواقع ولا تدرك التطلعات، فانه يعرض عن التأييد، بل ويحاول عدم الامتثال للقوانين والبرامج الحكومية، بعدما يصل الى حالة من التقييم السلبي للسياسات العامة، معتبرا ان الطبقة السياسية التي تمسك بالقرار، غير قادرة على توجيه المسارات الى الأهداف المرغوب فيها.

لا يتأتّى السخط الشعبي من انعدام الخدمات وتردي الواقع الصحي والاجتماعي، والبطالة، فحسب، فثمة ظروف قاهرة تتسبّب في ذلك مثل الحروب، ونقص الموارد، لكنه يولد أولا من ذلك الشعور الجماعي من ان الأحزاب والطبقة السياسية والاقتصادية غير قادرة على الإدارة او انها مشغولة في تعزيز مصالحها، وتتجاوز مشاعر البغضاء الى ابعد من ذلك فتصوّب أهدافها الى مؤسسات الحكم والنظام، ما يجعل من الشرعية السياسية، في حالة من الارتياب، تقطع الجسور بين النخبة الحاكمة والشعب، ويترنح الاصطفاء السياسي.

لا مفر من الحقيقة، في ان “الثقة السياسية” هي المبدأ في الاستقرار، والتي تؤسَّس على لبنات العلاقة بين الوعود والتنفيذ، باستجابة صاحب القرار لحاجات المواطنين قبل اصحاب الوظائف السياسية والحزبية الرفيعة.

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك