المقالات

يوم الشهيد .. يوم الخلود والفكرة


أكرم السياب

 

إن فكرة الشهادة بحد ذاتها مؤلمة. ولكن من أي جانب؟ فيحنما يفارقك القريب ليحل في الجانب الآخر من الحياة المستمرة، وتبتعد الرؤية من عينيك لشخص كريم، حبيب حميم، صديق قريب . هذا هو الألم بعينه والحسرة ذاتها على فقدان أي شخص بعدما تنفصلان في عوالم مختلفة؛ عالم الموت وعالم الحياة.

لكن لمن ستبقى الأفضلية؟ أي منكما سيُمنح جوزا سفرٍ متنقل بين العوالم؟ من يستطيع أن يسافر من عالم دني لعالم عالٍ وبالعكس؟ إن هذه الفكرة و (الخصوصية) التي نتحدث عنها هي ليست من هرطقات فلسفية وألاعيب لغوية لا، وإنما هي (ميزة السرمدية) التي تُمنح لشخص دون غيره.

ميزةٌ يستحقها من صابر وصبر، وآمن بإن النفس ملك للجميع! لا لنفسه. فتخيل معي؛ هذا الإستعداد السايكلوجي المنضبط والمصاحب بالإصرار أن يكون للإنسان قدرة على حزم أمتعته نحو لقاء الله سبحانه. . لذا يقول الشيخ المفيد في "أوائل المقالات" ص 114( إن الشهادة منزلة يستحقها من صبر على نصرة دين الله تعالى صبرا قاده إلى سفك دمه وخروج نفسه دون الوهن منه في طاعته تعالى، وهي التي يكون صاحبها يوم القيامة من شهداء الله وأمنائه وممن ارتفع قدره عند الله وعظم محل).

لم تكن فكرة الشهادة والشهيد صورة عبطية، أو توهمية يصنعها الأنسان لتبرير عمله المنخرط تحت مسمى (الموت)، الشهادة والشهيد هي ديمومة أزلية للفكرة. أي فكرة تستحق أن تدوم تأتي الشهادة لتزيد من عمرها. لا يمكن للفكرة ان تحيى سنيناً طويلةً دون شهيد. فهذا الحسين بن علي (ع) ألف عام ونيف وهو ما زال فكرة يجول في مخيال الأحرار ويطارد كل ظالم.

لولا الشهادة والشهيد في كربلاء، لما كان للإحرار قبلةً يقصدونها ولها جعل الله أفئدة تهوي أليه. لقد ربط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الشهادة بأنها: الجهاد باب من ابواب الجنة. ولعل الجنة هنا هي ليستمن باب  الإستحقاق والمكافأة فقط وانما دلالة رمزية على فكرة الخلود. فباب الجنة خالدة لا فناء لها، والشهيد لا فناء لفكرته التي ضحى من أجلها. ومنها ينطلق نحو تشييد أسس الحضارة.

الفكرة تحيى مادام هنالك جسد يتضرج في الدماء. أي فكرة نضالية؛ كانت أو جهادية، مليةٌ أو نحليةٌ، سماوية أو بشرية. أي شيء يتطلب الخلود كان لشهيدها الدور الأكبر في ديمومتها وبناء قواعدها الشعبية.

"كلمة الحق في حضرة السلطان الجائر أو [الظالم]". هي أيضا فكرة سرمدية كان الشهداء هم من أسسوها ورسموا طريقها الطويل. شهداء العراق عبر الأزمنة كانوا وقوداً للفكرة التي ضحوا من أجلها، فالسجون والمقابر الجماعية والأجساد الطرية التي ذابت في الدهاليز المظلمة، هي من قدمت سيناريو انهيار الطغاة. وعلموا المجتمع البشري قاعدة [ الفداءُ من أجلِ البقاء].

شهداء العراق الذين سقطوا غدراً على يد الأرهاب علمونا فكرة الحياة وسط الأزمات، الحياة رغم الموت، الجمال مقابل القبح، الظهور والثقة أمام الخفية والتهرب من المواجهة.

شهداء الجيش والمتطوعين، الذين هبوا لتحرير البلاد من الأرهاب علمونا إن الإستعداد لبذل النفس إتجاه الوطن؛ هي فكرة لابد أن تستمر ليستمر الوطن.

أن يوم الشهيد هو يوم  الخلود، هم الخالدون في العوالم الدنيا والعليا، فولاهم لما بقيت الفكرة، ولولا تأثيرهم لما بقيت الشعوب تعيش الفكرة وتنضال من أجلها.

ــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك