المقالات

مرحلة هستيريا الجماهير


محمد جواد الميالي

 

السلام السياسي هو أساس بناء المجتمعات المتطورة، العراق للأسف لم يعرف معنى السلام السياسي ولا حتى المجتمعي، منذ أنتهاء حقبة الإحتلال البريطاني.

الملكية إنتهت بإنقلاب عسكري تبعه إغتيال لعبد الكريم قاسم،  لم ننتظر طويلاً حتى جاء بعدهم الدكتاتور صدام.. هذا التنقل يؤثر على النسيج الفكري للمجتمع العراقي، الذي عاش فراغاً معرفياً من حقبة الملك فيصل لحين تولي صدام السلطة، عندها أستقر على مبدأ الدكتاتورية الطاغية، التي أخذت أكلها في عقول الشعب.

ثلاثون عاماً كافية لتجعل أنظمة البعث تجد طريقها سالكا في عقول الأغلبية، ومن يتوقع أن سقوط الطاغية قد قضى على بودقة البعث،  فهو واهم، لأن البعث مازال ينبض في عقول البعض.

التجربة الديمقراطية بعد 2003 هي تجربة عرجاء، لأن نظام القتل والأستبداد الذي زرعه البعث مازال حياً في العراق، لذلك واجهنا طائفية حركتها أجندات خارجية،  لكن الحقيقة أن المنفذين هم أبناء الوطن.. شبه الإستقرار الذي تحقق بعد حكومة 2010،  قد فرضه القانون رغم ضعفه، لكنه حقق بعض من السلام المجتمعي.

كذلك كان دور المرجعية كبير في هذا السلام، ولا ننسى أزدهار التعليم في العراق، وكثرة الجامعات فيها، كل هذا كان قريب من أن يقضي على صبغة العنف في أدمغة البعض، لكن مخططات الحروب كانت تسير من تحت أقدام الساسة..

الحرب ضد داعش من جهة،  وتفاقم الفساد في دهاليز المؤسسات الحكومية من جهة أخرى، قد سبب إنهيارالإقتصاد العراقي، وعندما ينهار الإقتصاد تنهار معه الأخلاق.. وهذا هو ما أستغلته الأيادي الخارجية،  التي بدأت بتسقيط مرتكزات الدولة، فبدأت بنعت قوى الحشد بالذيول، ومن يتبع المرجعية فهو رجعي! عندها أصبح شعارنا نعم لتجهيل الأجيال بغلق المؤسسات التعليمية..

كل هذا جعلنا ندخل تحت غطاء العقل الجمعي، والذي يدخل فيه يصبح مسير لا مخير، حيث الكل يذوب في اللاوعي العنصري، ويصبح لهذا الجمع وعياً عنفياً تحركه خيوط خارج القطيع، وأمثلتها ماحدث في الناصرية، من تجمهر العديد من العراقيين! لقتل والتمثيل بجثة أحد قيادي الحشد، مع هتافات الفرح وأهازيج الإنتصار؟!

كذلك ماحدث في ساحة الوثبة،  عندما سحلوا جثة الطفل ذو السبعة عشر ربيعاً، بعد أن أوغلوا بصدره الطعنات، ثم علقوه على عمود الإنارة، لكن ما يستغرب هو موقف الجمهور الذي كان يشاهد ويصور ما يحدث لهذا الذبيح!!

كل هذا القتل تم على أيدي عراقية،  ولا يمكن القول أن هناك مندسين، فالتجمهر حول المقتول كان بالمئات! فهل كلهم مندسين؟ بالطبع لا.. لأن الذي يحدث هو بفعل هستيريا الجماهير، التي تبين حقيقة القطيع داخل العقل الجمعي، وتطلق العنان للعنف، ليأخذ الحيز الكامل في قيادة الرعية.

ما يحدث اليوم من عدم تقبل الآراء وإقصاء الأخر، هو تمزق للنسيج المجتمعي، وأنحلال للوحدة الوطنية، التي تسير بنا نحو دائرة اللئام، وتذهب بالأعراف والقوانين، ويتبخر فيها الخير، ويتحول كل شيء إلى غابة.. تنعدم فيها الأخلاق

يستطيع الأنسان أن يتعايش في أي مجتمع فيه بعض النقص الغذائي، الإقتصادي الترفيهي.. لكن تصبح الحياة شبه مستحيلة، في ظل أنعدام الوعي والقيم الأخلاقية.

ـــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك