المقالات

محركات المشهد العراقي .. وتقاطع الاتجاهات !! •


عبدالزهرة محمد الهنداوي 

 

من الواضح جدا ، ان العراق اليوم يمر في أتون ازمة ليست سهلة ، وهي ليست الاولى بطبيعة الحال ، ذلك ، ان ازماتنا تتناسل وتتواصل في حركة جيلية ممتدة  ، فما ان نخرج من واحدة ، حتى ندخل في اخرى جديدة ، قد تفوق سابقتها  في الشدة وتختلف عنها في الاتجاه .. واذا اردنا ان نستعرض سلسلة الازمات التي تركت أثارها في واقعنا العراقي ، فسنحتاج الى مساحات واسعة من الورق واعداد كبيرة من الاقلام لتدوين التفاصيل ، ولكن حسبنا في ذلك ان للتاريخ قلم ولسان ، لن يهمل شاردة او واردة الا ودونها في اسفاره ، صغيرها وكبيرها ، بصرف النظر  عمّن يتولى عملية التدوين التاريخية هذه ، فقد يعمد المدونون الى رسم مسارات تختلف عن وجهات الأحداث  الحقيقية ، ولذلك ، فقد اختلفنا كثيرا  واعتركنا ، وتباعدنا بُعد المشرقين ، ولعل واحد من اهم اسباب استمرار رزوحنا تحت نير الازمات ، هو التدوين المزور لمجريات التاريخ  ، فحادثة واحدة تردنا بأشكال وروايات متقاطعة فيما بينها بنسبة ١٨٠ درجة ، لنبقى بين هذه الرواية وتلك الرواية ، متقاتلين متصارعين ، في حلبة صراع ، تشبه الى حد كبير حلبات مصارعة الثيران ، التي غالبا ما تنتهي بانهاك الاثنين وخوارهما ، مع فرحة عارمة لصاحب الثور الذي تمكن ثوره من دحر  ثور الطرف الاخر  !!!

المهم ، نعود الى ازمتنا الراهنة ذات الرؤوس والابعاد المتعددة ، وهي بلا شك لها جذور وامتدادات تعود الى طبقات زمنية سحيقة ، واذا اردنا ان نتجاوز  بعضا من تلك الطبقات ، فاننا نكتفي بطبقة ٢٠٠٣ ، اي مرحلة مابعد سقوط النظام السابق ، الذي كان عبارة عن ازمة مستمرة ، فبعد مرحلة التغيير الذي كان العراقيون ينتظرونه بصبر فارغ ، جرت مسارات الاحداث بنحو لايتماهى وحجم الحلم الكبير الذي كان يعيشه الناس يوم ذاك ، فكان التاسيس خاطئا ، لانه استند الى اسس غير صحيحة ، لذلك ولدت العملية السياسية وهي تعاني الكثير من التشوهات التأسيسية ، كان بالامكان معالجتها قبل استفحالها ، ولكن وجود محركات كثيرة ومختلفة الاتجاهات ، جعلت من مهمة المعالجة صعبة ، ان لم تكن مستحيلة .. فقد كان بالامكان تعديل  الدستور ، الذي كُتب في ظروف لم تكن مثالية ، لبدتها غيوم فقدان الثقة بين الاطراف التي اعدت هذا الدستور ، ولو جرى التعديل الدستوري الذي تضمنه المطلوب  ، لوقانا الكثير من الاشكالات والمشاكل التي نحترق باتونها اليوم ، وليت الامر اقتصر على الدستور وتعديلاته ، انما واجه البلد ، مشاكل متفاقمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها ، فكنّا امام جملة من المشاكل التي القت بظلال قاتمة على المشهد برمته ، لدينا مشاكل في الخدمات ، لدينا بطالة ، لدينا نسب فقر مرتفعة ، لدينا مشاكل في الصناعة والزراعة والسياحة والنقل والتجارة والصحة والتعليم والسكن ، لدينا عشوائيات ، لدينا مشاكل في التوظيف ، لدينا فساد ، وبالتأكيد ان مجتمعا يتعرض لكل هذه المشاكل ستُصاب منظومته القيمية بفايروس فقدان المناعة !!، ونتيجة لذلك فقد بدأنا نشهد ظهور مشاكل اخرى من نوع مختلف ، فلأول مرة ، نشاهد سلوكا شعبيا دمويا غير مسبوق ، ونشير هنا إلى ما حدث في ساحة الوثبة وسط بغداد العاصمة التي ينبغي ان تكون مدينة للسلام والوئام ، كما هو اسمها ..

تفاقم المشاكل هذا ، أوصل  الناس الى حالة من اليأس والاحباط  ، وانقطاع الامل بحدوث التغيير ، ولهذا جاء الحراك الشعبي الواسع متمظهرا ، بالتظاهرات الواسعة التي شهدتها بغداد وعدد من المحافظات ، في محاولة ، لايقاف التداعي واعادة ضبط بوصلة الحياة في العراقي بالاتجاه الصحيح ، فكان من نتاج هذا الحراك الشعبي الفاعل ، تحقيق خطوات مهمة على طريق التصحيح ، ومن اهم ماتحقق هو استقالة الحكومة ، وهذه سابقة تحدث لاول مرة في العراق ، ان تستقيل الحكومة نتيجة لضغط الشعب ، من دون دبابات ولا بيان رقم ١ ..

الا ، ان المشكلة ، وكما جرت عليه احوال العراق سابقا ولاحقا ، ان هناك عدد من المحركات الداخلية والخارجية بدأت تسعى لسحب الحراك الشعبي باتجاهات مختلفة ، حسب اتجاه تلك المحركات ، الامر الذي من شأنه ان يضعف  هذا الحراك ويجرده  من قوته التي استطاع من خلالها رسم  ملامح خريطة  جديدة للحياة في البلد .. وليس بخافٍ على احد ان المحركات التي نشير اليها ، قد تكون ثلاثة او اكثر ، ومنها ، محرك القوى السياسية بجميع مسمياتها ، داخل البرلمان وخارجه ، وهذه القوى دائمة الخلاف والاختلاف ، ثم يأتي المحرك الخارجي ، المتمثل بالصراعات بين القوى الاقليمية والدولية ، ومحاولة كل قوة من تلك القوى الاستحواذ على المساحة الاكبر من مساحة الصراع ، وقطعا ان قوة وضعف التأثير الخارجي يستند ويعتمد بالاساس على الوضع داخل البلد ، فلو كنّا كالبنيان المرصوص يشد بعضنا بعضاً ، لاغلقنا اي نافذة يمكن الدخول عبرها ..

وهنا يأتي دور المحرك الثالث ، وهو الاهم والاقوى تأثيرا ، واعني به الشعب الذي بامكانه ان يمسك الزمام ويغلق النوافذ ، ويقود المركبة بامان نحو بر الأمان ، وهذا الذي يجري الان ..

المهم ، اليوم ، ان يتوحد دوران المحركات الداخلية باتجاه واحد ، لكي تتضاعف قوة الدفع وتمضي قاطرة الوطن بقوة ، صوب محطة تحقيق الامال واصلاح الحال .. 

عدا ذلك ، فان اختلاف اتجاهات المحركات الداخلية يضعف قوة عزمها ، ويوفر المساحة المناسبة للمحركات الخارجية لتملأ المساحة بالكامل ، ومعنى هذا استمرار الأزمة، بمحركات خارجية تأخذنا بعيدا عن تصحيح مسارات الواقع ..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك