المقالات

بناء الديمقراطية أم بناء الدولة:حالة العراق مثالاً 


 

 د . جواد الهنداوي

                         

     يقترنُ مفهوم الديمقراطية بمفهوم الدولة ، كلاهما متلازمان ، الديمقراطية هي واحدة من محتويات وعاء الدولة . الديمقراطية ظاهرة تسبحُ في رحم الدولة ،وتتغذى منه ، و سلامة و صحة الديمقراطية هي من سلامة وصحة الدولة ، و غياب الديمقراطية يعني دكتاتورية و استبدادية الدولة ،كما انَّ سوء ممارسة الديمقراطية  او فوضويتها يكشفُ خللاً كبيراً في بناء وفي عمل مووسسات الدولة ،وفي نظامها السياسي .

سوء ممارسة الديمقراطية تعبير عن عجز الدولة ، ممُثلة في سلطاتها الدستورية ، عن بناء السلوك الجمعي الإيجابي .

 مسيرتنا السياسية في العراق ، وبعد عام ٢٠٠٣ ، تسمح لنا بالاستنتاج الآتي : " بناء الدولة اهمّ من بناء الديمقراطية و يجب أنْ يسبقها او يصاحبها " . الدخول في ساحة الديمقراطية بكل ملاعبها و موؤسسات الدولة و أجهزتها الأمنية مُنحلة و متهرأة هو دخول غير حذر ويعود بنتائج سلبية على الدولة وعلى الديمقراطية : يجعل الأولى ( واقصد الدولة ) عُرضة للاختراق من قوى و دول خارجية ، و عُرضة للفساد والنهب و التآكل ( وهذا ما حصل في العراق ) ، ويجعل الثانية ( و اقصد الديمقراطية ) ممُارسة فوضوية وفي خدمة حزب او فرد او طائفة او قومية ، و بذريعة الحرية و حقوق الإنسان و القانون الدولي .

بأسم الديمقراطية بدأت ظواهر اجتماعية ( سياسة ، تجمعات ، طائفية ، لوبيّات  )، تستخدم الدولة ،بدلاً من أن تكون في خدمة الدولة . ومما زادَ في امر او وضع الدولة سوءاً هو أن نظامنا السياسي ، والذي وَلدَ من رحمْ الدستور ، لم يكْ ملائماً و قادراً على بناء دولة ، وهذا ما أشرنا له وحذّرنا من العواقب عند البدء بكتابة الدستور ،لا بلْ قبل كتابة الدستور !

لماذا نظامنا السياسي ، بوضعه الحالي ،غير قادر على بناء دولة ؟

لانه ، وبأختصار شديد و ببساطة ، يوكِلْ أمر الدولة الى الأحزاب ،المتواجدة شرعياً في مجلس النواب ،و المتحكمة في اتخاذ القرارات . لأنَّ نظامنا السياسي ،و بوضعه الحالي ، انشأَ سلطة تنفيذية ضعيفة . وهذا ما يفسّرُ غياب الإعمار و الاستثمار و تشتت سلطة اتخاذ القرار . دون إهمال الأسباب الاخرى كالإرهاب والتدخل الخارجي السلبي .

دستورنا ، وبحكم ما منحه من سلطات واسعة جداً الى مجلس النواب ، وعلى حساب السلطة التنفيذية ،أضعفَ كثيراً الدولة ، من دون قصد .

مِنْ الحقائق التي أفرزتها احتجاجات و تظاهرات تشرين هو غياب او انحسار الثقة بين الشعب و النظام السياسي ،بين الشعب والقيادات السياسية ، وبطبيعة الحال ،تحاول القوى الخارجية و الإرهابية المتربصّة باستغلال الأحداث و توظيفها . الامر الذي ضاعف و عقّد عدد و نوع التحديات و المخاطر التي تواجهها الدولة ،لم يعُدْ الإرهاب و التدخل الخارجي و سوء الخدمات والبطالة في مواجهة الدولة ، و إنما أيضاً انحسار ثقة الناس و رضاها في عمل و مووسسات الدولة .

على الدولة الآن ،على القيادات السياسية ، على الشعب ، على المرجعية الرشيدة ،على الأصدقاء من الدول أنْ يهتموا و يفكروا في طرح قيادات قادرة في سلوكياتها و افكارها على بناء ثقة الناس بموؤسسات الدولة  ،بالأحزاب ، بالسياسة  ،بالمستقبل .

مِنْ الحقائق التي أفرزتها تظاهرات تشرين هو توظيف غير موفّق للمساحة الواسعة من الديمقراطية والحريات التي سنهّا الدستور الاتحادي العراقي ،  لا الأحزاب السياسية بمختلف اتجاهاتها و توجهاتها ، و لا طبقة واسعة من الجماهير  وظّفوا أيجابياً المساحة الواسعة من الحريات والديمقراطية التي منحها وضمنها الدستور .

ــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك