إنتحار الديمقراطيّة !!

عادل القاضي

عندما تزداد نسبة الأميّة - بكل أشكالها وليسى الكتابيّة فقط، وتغلب على نسبة الثقافة والتعليم، و يُصبح مجرد القراءة والكتابة (حتى ولو كانت مليئة بالأخطاء اللغويّة والنحويّة والإملائيّة- مؤشرا تعليميّا وشهادة ثقافيّة، تصبح المدارس والمعاهد التعليّمية (دكاكين) لترويج البضائع الفاسدة ..

وعندما تزوّر الشهادات العليا لا في (سوق مريدي) وحدها ، بل حتى في أروقة الجامعات ، حيث تمنح شهادات الماجستير والدكتوراه أحيانا للمحسوبين والمنسوبين والذين يدفعون مستحقات الهدايا والولائم للجنة المناقشة، وتصبح علاقة طالب الدكتوراه بالمشرف سببا في حصوله على درجة الشرف والامتياز،هذا إذا لم يكتبها هو له ، تغدو الجامعة جامعا للزيف والمزيفين ..

وعندما يُعرض الصوت الانتخابي كسلعة تباع وتشترى في سوق المزايدات .. فإننا نكون في (مأتم انتخابي) وليس في عرس انتخابي... وعندما يصل ابن الابتدائيّة أو المتوسطة الى قبّة البرلمان ممثلا للشعب ( وهو في نظري أرفع منصب في دولة ديمقراطيّة) لايكون حينها ممثلا فاشلا ، بل كومبارس يهرّج مع المهرّجين ..

وعندما لا يجد خريج الفلسفة والآداب والرياضيات والميكانيك والجغرافيا ، وظيفة حكوميّة ، فيلتحق مضطرا بالأجهزة الأمنيّة فإنه سيكون (كارثة أمنيّة) هذا إذا لم يتحوّل ( الحامي) الى (حرامي) !

وعندما تحلّ (الكبسلة) محل (التوعية) لا يستدير الرأس (١٨٠) ولا (٣٦٠) درجة لظرف فيه أوراق نقدية ،بل يباع الوطن كله بما فيه وبمن فيه ، ذلك أن (غيبوبة) المواطن الاختياريّة ، لاتنفع معها خراطيم الاطفائيات كلّها !

وعندما تسود القشريّة الدينيّة، والخرافة الدينيّة، والتسطيح الديني، و السفاهة الدينيّة، والغلوّ المذهبي والتطرّف الديني ، لا يكون الدين شرطا أساسا لنهضة الأمة، بل من أخطر معاول هدمها !

وعندما تُقبل المتبرجة والمستعرضة لمفاتنها سكرتيرة لمكتب مسؤول كبير ،حتى ولو لم تمتلك أبسط مقومات الإدارة والحسّ الأمنيّ ، فإن اختراق مكتب الوزير والمدير لا يعود مشكلة صعبة .

وعندما تلبس القيم غيرَ ثيابها ، وتتسمّى بغير أسمائها ، فتبدو فضفاضة جدا ، أو ضيّقة جدا ، فإنها تتحول الى (أضحوكة) للناظرين، وفرصة للتندر والاستخفاف والاستهجان بمن (يتحلّى) بها فضلا عمّن ( يتلبّس) بها ..

وعندما .. وعندما .. وعندما .. وعندما ... وعندما ...

حينها لا يبدو الطعن بالسكاكين والسحل بالشوارع والتعليق على أعمدة الكهرباء ، وفي الساحات العامّة ، مشهدا ساديا ، بل منظرا يستثير لعاب (السيلفيات) ليحصد أكبر عدد ممكن من ( اللايكات)، وعندها لا تشتكي الديمقراطية من اضطراب عصبي ، بل سنجدها منتحرة الى جانب الأخلاقية التي ماتت قبلها بالتسمم ، وقد لا نجد من يلبس الحداد على الوطن المتروك مرميا على (سديته) حتى من غير أن تكلّف (السيلفيات) نفسها بالتقاط صور له مثيرة للعجب أو للإعجاب !!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha