المقالات

سيلفيات الوثبة..!


حمزة مصطفى

 

حين تشاهد السليفيات  الملتقطة بالقرب من جثة طفل الوثبة الشهيد ذي الـ 15 عاما الأسبوع الماضي في بغداد,لا تملك الإ أن تقف حائرا حيال مشهد مروع قد لايقل ترويعا ودهشة عن الجريمة نفسها. لاتزول الدهشة حتى حين  تتذكر بأنك قرأت يوما كتابا إسمه "سايكلوجيا الجماهير" لكاتب فرنسي إسمه غوستاف لوبون كتبه في القرن التاسع عشر. أي قبل أكثر من 150 عاما. بعيدا عن لوبون وتشخيصه لما أسماه  العقل الجمعي, فإن الوثبة ـ الساحة التي هي مكان الجريمة التي لاتزال خيوطها غامضة بكل درجات الوضوح وغامضة بكل مستويات الغموض هي جزء من تاريخ العراق الحديث. بل تنتمي الى الجانب المشرق من  هذا التاريخ حين إنتفض العراقيون ضد الإستعمار البريطاني على إثر توقيع معاهدة بورتسموث   عام 1948.

أسقط  العراقيون تلك الإتفاقية ومعها حكومة صالح  جبر. ومع أن جبر لم يؤلف سوى حكومة واحدة في تاريخ العراق وليس 14 حكومة مثل نوري السعيد أو جميل المدفعي الذي الف 8 حكومات لكن تلك المعاهدة وسقوط حكومته جعله واحدا من أشهر رؤساء الوزراء في تاريخ العهد الملكي. تظاهرات العراقيين التي أسقطت الوثبة خلدها محمد مهدي الجواهري شاعر  العرب الأكبر في قصيدته التي مازلنا نرددها الى اليوم "أتعلم أم أنت لاتعلم.. بأن جراح الضحايا فم؟".

ذلك تاريخ صار قديما لكن ليس بالقياس الى تلك الأحداث التي لاتسقط بالتقادم من حيث أهميتها, لكن بالقياس الى ماحصل الأسبوع الماضي في ساحة الوثبة في قلب بغداد. لا أريد إستعراض مجريات الحادثة التي أدت في النهاية الى سحل الطفل ذي الـ 15 عاما وتعليق جثته بعد التمثيل بها على سارية عمود بعد التقاط مجموعة من السليفيات الضاحكة المتشفية الى جانبها. كيف يمكن أن نحلل هذه الظاهرة؟ هل هي جزء من العقل الجمعي الذي تناوله بعمق غوستاف لوبون بحيث غالبية ماينتج من سلوك بمن  في ذلك الأشد إنحرافا الى عقلية القطيع؟ أم هي جزء من  السلوك الإجتماعي الذي أطنب في تحليله صاحبنا عالم الإجتماع العراقي الراحل علي الوردي؟

هل ينطبق على جريمة الوثبة بكل مجرياتها وتقاطعاتها كل توصيفات وأفكار لوبون والوردي ماعدا السيلفي حيث لم يكن قد إخترع في زمنهما الهاتف النقال مع أن الفارق الزمني بينهما نحو 100 عام وربما أزيد قليلا؟ هل المشكلة في السيلفي المتشفي المبتسم الذي التقطه من كان بالقرب من الجثة المقطعة أم في الجريمة بحد ذاتها؟ سوف أخرج عن  النص لأقول أن سيلفيات الوثبة كانت أسوأ وأخطر وأكثر أجراما  وقسوة وإنحطاطا من الجريمة ذاتها. لماذا؟ لأن الجرائم ترتكب دائما وأبدا. التاريخ بدأ بجريمة قتل الأخ (قابيل وهابيل). لكن هل الأخطر هي جريمة القتل حتى من منظور قابيل وهو ينظر الى الغراب الذي كان (يواري سوءة أخيه) فندم على مافعل لأنه لم يتمكن من دفن  آثار جريمته, أم لو كان الغراب  قد التقط "سيلفي مع الجثة". السيلفي أخطر بكثير من أول جريمة في التاريخ حتى آخر أبشع جريمة وقعت في الوثبة. لأن السيلفي مالم يتم تدارك تبعاته الإجتماعية والسلوكية يؤسس لمرحلة من إستسهال القتل ربما أسهل من تناول .. حبة كريستال.

ـــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك