كانت درجة حرارتي مرتفعه والجو قارص وكل شي بارد سوى قلوب الفاقدات وكنت ارى دخانآ من بعيد لنار متقدة في غروب شمس شباط المتقلبة..
أقتربت واذا برجل شارف على الستين من عمره وبيده شماغ يخيط به لأنه كان مثقوبآ من احدى جهاته ..فسح لي الرجل مكانآ واجلسني قربه وقال لي (هله يرويحتي شني عمي بردان خل اصبلك جاي وعندي خبزة مكسبة )كانت يد الرجل ترتجف وحزامه اكبر من خصره النحيل وتبدو عليه سيماء الصالحين والفاقدين ...!!
اشتد ظلام مدينة تكريت وزاد بردها والرجل العجوز يخيط بيشماغه حتى رن هاتفه فرد بهدوء(هلا جدو حسوني حبيبي انت شلونك ..اختك شلونها ..جدتك ..ولد عمك ..ثم ضحك مع المتصل ويبدو من صوته انه كان طفلا ..كنا نسمع صوت هاونات فجاء الينا بعض الجنود وطلبوا منا الدخول للمواضع ودخلنا والعجوز يكمل مكالمته مع حفيده الصغير الذي يكلمه مثل الرجال ..اغلق الهاتف وهو يقول لي (صارلي عشر ايام هنا وهذا حفيدي يسال عني ...)
ثم رن هاتفه مرة اخرى وكان صوت طفلة ميزته في هدوة ليل تكريت فرد الرجل (فطوم روح جدها العزيزة انت شلونك ان شاء الله زينه ..كتبتي ..اشتريتي جنطه ..اقلام )..
واستغرق مع الصغيرة بحديث طويل جدا حتى انني تحيرت لطاقة هذا الرجل على حديث الصغار..
بدأ الفضول يتسلل الي مثل البرد عن حكاية الرجل ذو اليشماغ المثقوب..
دنوت منه وقبل ان ابدا الحديث قال لي انت صحفي مو ..فقلت له ..لا ..لكني احب الصحافة ..
اسمي احمد لعيبي من بغداد..
اخرج الرجل من جيبه كيسا فيه تتن ولف سيكارة لا اعرف ان اصف شكلها الحقيقي فهي تشبه الطوربيد البحري ...!!واوقدها ثم قال لي..
(عمك يا بعد عمك تزوج على كبر وبعد عشر سنوات انتظار صار عدنا توأم اولاد اثنين كبرتهم وعلمتهم ودخلتهم مدارس واني ابيع لبلبي..
الاول تخرج من كلية التربية واتزوج وصار عنده حسوني اللي خابرني اول واحد حفيدي والثاني خلص معهد واتزوج وصارتله فطومه اللي خابرتني ثاني مرة ..
الاول كان عنده كلياته مو زينه واتبرع اخوه بوحدة من كلياته ونجحت العملية ..
صارت الفتوى وهجمت داعش راح اللي اتبرع بكليته واستشهد ورة اسبوع ابو حسوني ووراه بشهرين التحق ابو فطومة اللي نجحت عملية الكلى مالته وبقى يقاتل ستة اشهر ووراها استشهد ....وورة ما استشهد ابو فطومة اجه عمك هناك يقاتل ..
عمي احمد تدري الشي الوحيد اللي أذاني شنو بالامر كله ..فطومة هم عدها عجز بالكلى عمت عيني على ابوها...
اني اجيت اهنا مو حتى احارب بس وداعتك حتى لو بس اصرخ واصيح لان يبني الوضع مو مال نلف روسنا ونظم وليداتنا ..صح البعض ضم وليداته والبعض شردهم بس عمك ما يسويها ..
وصح كلب عمك مثل جمرية المغرب المورثة بس ضميري مرتاح ...
اخرج الرجل من جيبه صورة لشابين وسيمين يبدو انهما ولديه الشهيدين وقبلها وشمها ثم وضعها على رأسه ومسح بها عيونه ويشماغه ودسها في جيبه..!!
ثم قال لي عمك باجر مجاز رايح للديوانية وان شاء الله اشوفك بخير..
وضع يده بيدي وهي ترتعش وقال لي بصوت مخنوق...اجذب عليك ما اروح للديوانية ..
اروح اشوف وليداتي بالنجف اشم كبورهم اول مرة وانوب اروح للديوانية...!
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha