( بقلم : المحامي ماجد شناطي نعمة )
أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا إحكامها بإدانة المدانين في جرائم الأنفال ، واكتسبت تلك القرارات الدرجة القطعية وكان من الواجب أن يصار الى تنفيذ تلك الإحكام وفق القانون، ولكن وفي هذه الإثناء حدث خلاف حول تنفيذ تلك الإحكام، وتركز هذا الخلاف بين الرأي القائل بوجوب اقتران الأحكام بمصادقة مجلس الرئاسة ، وبين الرأي القائل بان الأحكام باتة ولا تحتاج الى المصادقة ، وتطور هذا النقاش حتى وصل الى المحكمة الاتحادية العليا ، التي أصدرت قرارها في هذا الشأن ، ذلك القرار الذي لم ينهي الجدل الدائر حول الموضوع إذ فهمه كل طرف على أساس انه مؤيد لرأيه في مواجهة الطرف الأخر، ونحن وقبل أن نؤيد رأي على حساب أخر فإننا سنقوم بعرض حجج الرأيين وقرار المحكمة وصولا للرأي القانوني السليم بعيدا عن التفاسير التي تنطلق من هنا وهناك والتي تنطوي على فهم غير دقيق لنصوص يفترض أنها واضحة ولا غموض فيها وقبل الدخول في الموضوع سنستعرض النصوص القانونية التي تعالج الموضوع محل النقاش مع شرح بسيط لكل نص :البند الأول : النصوص القانونية :
أولا : النصوص الدستورية ذات العلاقة : لقد تضمن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4012 في 28 كانون الأول 2005 على نصوص دستورية ذات علاقة بموضوع بحثنا وتتمثل بما يلي :
1- نصت المادة 13 من الدستور على (أولا :ـ يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزماً في إنحائه كافة، وبدون استثناء. ثانياً :ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نصٍ يرد في دساتير الأقاليم، او أي نصٍ قانونيٍ آخر يتعارض معه .) فهذه المادة تقرر مبدأ هاما هو أن النص الدستوري يعلو على كل نص قانوني أخر بمعنى ان النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوما بالدستور ولا يجوز الخروج عنه أو تجاوزه ،ويعتبر مبدأ السمو للدستور من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري حتى في حالة عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية .
2- نصت المادة 19الفقرة أولا من الدستور على أن ( القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون ) وكذلك نصت المادة 47 على (تتكون السلطات الاتحادية، من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات) وكذلك نصت المادة 87 على (السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون) ونصت المادة 88 على( القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لآية سلطة التدخل في القضاء آو في شؤون العدالة).فهذه المواد تقرر مبادئ هامه تتعلق باستقلال القضاء في عمله وفقا لمبدى الفصل بين السلطات اذ لامجال لتدخل أي سلطة في عمل القضاء عند ممارسته لمهام عمله وكل ما كانت هذه المبادئ فاعله ومطبقة على ارض الواقع العملي فأننا نكون أمام دولة تحترم القانون وتسير في طريق بناء دولة القانون واحترام الدستور وبخلافه يحدث العكس .
3- نصت المادة 73 من الدستور بفقراتها من أولا إلى عاشرا على اختصاصات رئيس الجمهورية ( مجلس الرئاسة ) والذي يهمنا هنا الفقرتان أولا وثامنا إذ نصتا على : ( يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية:أولا :ـ إصدار العفو الخاص بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري. ثامناً :ـ المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة.فهذه المادة تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدستور ، علما انه ووفقا لنص المادة 138 من الدستور الفقرة أولا فانه (:ـ يحل تعبير (مجلس الرئاسة) محل تعبير (رئيس الجمهورية) أينما ورد في هذا الدستور، ويعاد العمل بالأحكام الخاصة برئيس الجمهورية، بعد دورةٍ واحدةٍ لاحقةٍ لنفاذ هذا الدستور).ووفقا للفقرة سادسا من المادة أعلاه فان مجلس الرئاسة يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية، المنصوص عليها في هذا الدستور.
4- نصت المادة 92 من الدستور على ان الجهة الوحيدة والمختصة في تفسير الدستور هي المحكمة الاتحادية العليا اذ أكدت على( أولا : المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً.ثانياً :ـ تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.) مع التأكيد هنا أن المحكمة الاتحادية العليا قد صدر الأمر بتشكيلها قبل نفاذ الدستور الحالي اذ أصدر مجلس الوزراء – بعد موافقة مجلس الرئاسة – وحسب صلاحياته التشريعية الأمر المرقم (30) لسنة 2005 في 24/2/2005 (قانون المحكمة الاتحادية العليا) وقد نصت المادة (1) منه على (تنشأ محكمة تسمى المحكمة الاتحادية العليا ،ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون). وحدد في المادة (4) منه مهام المحكمة، وبعد صدور الدستور ونفاذه أورد بعض المتغيرات على تشكيل المحكمة عما كانت عليه في قانونها رقم (30) لسنة 2005 حيث ادخل إلى جانب القضاة خبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء في القانون وترك أمر تحديدهم للقانون الذي لم يصدر لحد ألان وفقا للنصوص الواردة في الدستور، كما أضاف الدستور اختصاصات جديدة للمحكمة فأصبحت اختصاصاتها كما هو وارد في المادتين ( 52).ثانياً والمادة (93) والذي يهمنا في بحثنا الفقرة أولا وثانيا من المادة 93 إذ نصت المادة على :( تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي :أولا:- الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة .ثانياً:- تفسير نصوص الدستور ). وأكدت المادة94على ان (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة ) . فالدستور ولكي يضمن حسن تطبيق احكامة ووضعها موضع التطبيق، اقر تشكيل المحكمة الاتحادية ، ولأهمية الأعباء الملقاة على عاتقها وخطورة المواقف التي تعالجها وهي تلتمس الطريق في بناء دولة القانون، فقد جعلها الجهة الوحيدة والمختصة بتفسير النص الدستوري ورقابة مطابقة النصوص القانونية للدستور وفقا لمبدأ علو الدستور وسموه .
5- نصت المـــــــــادة130 (من الدستور على مبدأ هام قررته بقولها :(تبقى التشريعات النافذة معمولاً بها، ما لم تُلغ أو تعدل، وفقاً لأحكام هذا الدستور) فهذا النص يعتبر من النصوص الهامة فى الدستور والذي أكد على بقاء التشريعات السابقة نافذ ومعمولا بها ومحل اعتبار .
6- نصت المادة 134على مبدأ هام تمثل بالنص على :(تستمر المحكمة الجنائية العراقية العليا بأعمالها بوصفها هيئةً قضائية مستقلة، بالنظر في جرائم النظام الدكتاتوري البائد ورموزه، ولمجلس النواب إلغاؤها بقانونٍ، بعد أكمال أعمالها ) .فهذا النص الدستوري أكد على استمرار المحكمة الجنائية العليا بمهام عملها وفق القانون الذي ينظم أعمالها ، والملاحظ هنا انه كان من الممكن الاكتفاء بنص المادة 130 من الدستور التي أكدت على استمرار نفاذ القوانين السابقة ، ولكن المشرع الدستوري أراد على مايبدو أن يؤكد أهمية هذه المحكمة بنص خاص بها .
ثانيا: النصوص القانونية الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا ذات العلاقة :
بناء على قرار من الجمعية الوطنية وطبقاً للمادة الثالثة والثلاثون الفقرتين (أـ ب ) والمادة السابعة الثلاثون من قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية. وبموجب قرار من مجلس الرئاسة بجلسته المنعقدة بتأريخ 9/10/2005 فقد صدر القانون رقم (10) لسنة 2005 قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا وذلك قبل نفاذ الدستور الحالي وقد استمر عمل هذه المحكمة حسب نص المادة 130 و134 من الدستور وتتلخص النصوص القانونية الواردة في قانون المحكمة والتي تدخل في مدار بحثنا بمايلي :1- نصت المادة (1) من قانون المحكمة على:
أولا : تؤسس محكمة تسمى (المحكمة الجنائية العراقية العليا) وتعرف فيما بعد بـ (المحكمة) وتتمتع بالاستقلال التام.
ثانياً : تسري ولاية المحكمة على كل شخص طبيعي سواء أكان عراقياً أم غير عراقي مقيم في العراق متهم بارتكاب أحدى الجرائم المنصوص عليها في المواد (11، 12، 13، 14) من هذا القانون والمرتكبة من تاريخ 17/7/1968 ولغاية 1/5/2003 في جمهورية العراق أو أي مكان آخر .. وتشمل الجرائم الآتية :( أ ) جريمة الإبادة الجماعية(ب) الجرائم ضد الإنسانية(ج) جرائم الحرب(د ) انتهاكات القوانين العراقية المنصوص عليها في المادة (14) من هذا القانون.
2- نصت المادة (27) من قانون المحكمة على مبدأ هام بتعلق بالأحكام الصادرة من قانون المحكمة اذ أكدت على :
أولا: تنفذ الإحكام الصادرة من المحكمة وفقاً للقانون.
ثانياً : لايجوز لأية جهة كانت بما في ذلك رئيس الجمهورية إعفاء او تخفيف العقوبات الصادرة من هذه المحكمة وتكون العقوبة واجبة التنفيذ بمرور (30) ثلاثين يوماً من تاريخ اكتساب الحكم أو القرار درجة البتات).
ثالثا : النصوص الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل ذات العلاقة :
1- عالج قانون أصول المحاكمات الجزائية موضوع تنفيذ عقوبة الإعدام في المواد من ( 285- 293) وقد كانت هذه المواد معطلة بموجب مذكرة سلطة الائتلاف المؤقتة رقم ( 3 الصادرة في 17 أب 2003 القسم 4 الفقرة ن) ثم تمت أعادة العمل بعقوبة الإعدام بموجب أمر إعادة العمل بعقوبة الإعدام المرقم 3لسنة 2004 الصادر بموجب قرار من مجلس الوزراء وموافقة مجلس الرئاسة وفقا لأحكام قانون أدارة الدولة الانتقالية وأحكام القسم الثاني من ملحق القانون وقد نصت الفقرة سادسا من الأمر على ( استثناء من حكم الفقرة (ب) من المادة( 285 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم( 23) لسنة 1971 ، تنفذ عقوبة الإعدام بعد موافقة رئيس الوزراء ومصادقة مجلس الرئاسة ) ،ثم صدر قانون تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 13 الصادر في 18 نيسان" من العام الحالي الذي أعاد العمل بالمواد من( 285الى المادة 293 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمتعلقة بتنفيذ عقوبة الإعدام .
البند الثاني:حجج الطرفين:اولا:حجج القائلين بوجوب مصادقة مجلس الرئاسة :اعتمد القائلين بوجوب مصادقة مجلس الرئاسة على أحكام الإعدام على نص المادة 73 ثامنا من الدستور التي أوجبت المصادقة على أحكام الإعدام الصادرة من ا لمحاكم المختصة من قبل مجلس الرئاسة وكذلك نص المادة 285 الفقرة ب التي نصت على أن تنفذ عقوبة الإعدام بعد مصادقة مجلس الرئاسة مما يعني وجوب مراعاة هذه الأحكام عند تنفيذ تلك العقوبة .
ثانيا: حجج القائلين بعدم الحاجة الى المصادقة :اعتمد القائلين بعدم الحاجة الى المصادقة على تلك الأحكام على نص المادة 27 ثانيا من قانون المحكمة الجنائية الذي نص على ( لايجوز لأية جهة كانت بما في ذلك رئيس الجمهورية إعفاء او تخفيف العقوبات الصادرة من هذه المحكمة وتكون العقوبة واجبة التنفيذ بمرور (30) ثلاثين يوماً من تاريخ اكتساب الحكم أو القرار درجة البتات). ونص المادة 73 الفقرة أولا من الدستور التي اشترطت لغرض إصدار العفو الخاص من مجلس الرئاسة موافقة رئيس مجلس الوزراء ، مع ملاحظة ان هذا الأمر( أي العفو) يستثنى منه ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري. وبالتالي لايجوز شمول المحكومين بتلك الجرائم بالعفو و أن الأحكام لاتحتاج الى مصادقة من أي جهة .
البند الثالث : قرار المحكمة الاتحادية العليا :حيث أن المحكمة الاتحادية العليا وبنص الدستور هي الجهة الوحيدة المختصة بتفسير نصوص الدستور فقد عرض الامر عليها من قبل السيد نائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي فأصدرت المحكمة قرارها المرقم: 21/اتحادية /2007 في : 26/9/2007 الذي ندرج نصه ادناه :(طلب السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهـورية ( رئيس الجمهورية وكالة) بكتابه المرقـم (م . ن/2/1/10/1702) المؤرخ في 24/9/2007 من المحكمة الاتحادية العليا تفسير نص الفقرة ( ثامناً) من المادة (73) من دستور جمهورية العراق وهل أن عبارة المحاكم المختصة الواردة فيها تسري على المحكمة الجنائية العراقية العليا أم لا وبناءاً عليه وضعت المحكمة الاتحادية العليا الطلب موضع التدقيق والمداولة في جلستها المنعقدة بتأريخ 26/9/2007 وتوصلت الى القرار الاتي : حيث ان المادة (73 ) من دستور جمهورية العراق عددت صلاحيات رئيس الجمهورية ـ الذي حل محله ( مجلس الرئاسة ) ولحين انتهاء الدورة الأولى لمجلس النواب اللاحقة لنفاذ دستور جمهورية العراق استناداً الى أحكام المادة ( 138) منه ـ وحيث آن من هذه الصلاحيات ما أوردته الفقرة (ثامناً ) من المادة (73) من الدستور وهي (المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة .) وحيث ان عبارة ( المحاكم المختصة ) الواردة في الفقرة ( ثامناً ) مـن المادة ( 73) من الدستور وردت مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه فأنها تشمل المحكمة الجنائية العراقية العليا مع وجوب مراعاة الأحكام الواردة في قانونها رقم (10) لسنة 2005 النافذ بموجب أحكام المادة (130) من الدستور ). انتهى قرار المحكمة.
البند الرابع: مناقشة قرار المحكمة:من خلال الاطلاع على القرار الصادر من المحكمة نلاحظ ان بعض الجهات أشارت الى انه يوجب صدور موافقة مجلس الرئاسة على أحكام الإعدام حتى يمكن تنفيذها وفقا لما فهمه من القرار فقد صدر عن مكتب السيد نائب رئيس الجمهورية بيانا جاء فيه (ان المكتب الإعلامي لنائب رئيس الجمهورية الدكتور طارق الهاشمي استغرب عدم تقديم طلبا لإصدار مرسوم جمهوري لتنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين في قضية الأنفال . وقال المكتب الإعلامي ، بانه إجابة على الاستيضاحات والتساؤلات الكثيرة التي وصلت للمكتب الإعلامي للأستاذ طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية حول الأحكام الصادرة ضد المدانين في قضية الأنفال فقد أجاب عن تلك التساؤلات قائلاً:" إسقاط الحكم لا بد أن يقترن بعفو يصدره مجلس الرئاسة بتوصية من رئيس الوزراء، إلى جانب ذلك فانه من حق مجلس الرئاسة عدم إصدار مرسوم جمهوري وبالتالي تعليق تنفيذ حكم الإعدام ..وأوضح البيان ان الهاشمي أكد على اتصاله بالسفارة الأمريكية وإبلاغهم بموقف مجلس الرئاسة ونصحهم بعدم تسليم المدانين لأن ذلك يشكل خرقا في الدستور، وقال الهاشمي "إذا حدث ذلك فسأخرج للعلن وأقول بصراحة إن الأمريكان تآمروا مع الحكومة لخرق الدستور وتنفيذ أحكام الإعدام دون مرسوم جمهوري. لكن الحمد لله توقفت في اللحظة الأخيرة إجراءات التسليم وتم تزويد كل الفرقاء المعنيين بالوثائق والأدلة التي تؤكد دستورية وشرعية موقفي وتقر بعدم التسليم إلا وفق مرسوم جمهوري يصدر مسبقاً"). فالملاحظ هنا ان السيد النائب بنى فهمه للقرار على أساس وجوب صدور مرسوم جمهوري من مجلس الرئاسة لتنفيذ عقوبة الإعدام . من جانب أخر وعلى لسان السيد منير حداد ،( رئيس الهيئة التمييزية في المحكمة الجنائية العليا والناطق الرسمي باسم المحكمة قال وحول رد المحكمة الاتحادية حول الاستفسار الخاص بتنفيذ أحكام الإعدام بحق المتهمين في قضية الأنفال بأنه مبهم ومتناقض لأن " الاستفسار كان حول مدى ضرورة صدور مرسوم جمهوري لتنفيذ أحكام الإعدام بحق المتهمين في قضية الأنفال". و أن " رد المحكمة الاتحادية جاء ليؤكد وجوب مصادقة مجلس رئاسة الجمهورية على قرار الإعدام وصدور مرسوم جمهوري قبل تنفيذ الحكم من جهة ، مع الأخذ بنظر الاعتبار قانون المحكمة الجنائية العليا."ووصف الرد بأنه " تناقض واضح حيث أن قانون المحكمة الجنائية العليا واضح ويقضي في الفقرة 27 بأنه لايحق لأي جهة مهما كانت العفو أو تخفيف الأحكام الصادرة بحق المدانين بعد المصادقة عليها، وأن أحكام الإعدام تصبح واجبة التنفيذ بعد 30 يوما من صدور قرار التمييز".وأوضح حداد أن" أحكام الإعدام قد نفذت بحق المتهمين في قضية الدجيل دون العودة الى مجلس الرئاسة ودون صدور مرسوم جمهوري ودون تدخل من مجلس الرئاسة". وحول صدور قرار في شهر نيسان الماضي يقضي بوجوب صدور مرسوم جمهوري لتنفيذ أي حكم للإعدام وان صدور هذا القرار جاء بعد تنفيذ أحكام الإعدام في قضية الدجيل، أشار حداد إلى أن "هذا القانون يسري على المحاكم الجنائية الاعتيادية ولا يسري على المحكمة الجنائية العليا التي لها قانون منفصل عن قانون أصول المحاكمات الجزائية التي يسري عليها القرار المذكور" )
ومن ملاحظة التفسيرات أعلاه لقرار المحكمة الاتحادية ومن خلال العرض الذي تم تقديمه للنصوص القانونية فإننا وتحريا للدقة القانونية ومن خلال قراءة النصوص بعقلية قانونية بعيدا عن الفهم السياسي نورد مايلي :
1- من خلال الرجوع الى الأسباب الموجبة لصدور قانون المحكمة الجنائية المختصة نجد أن الغاية من إيجادها كان وحسب الأسباب الموجبة للقانون هو (لأجل أظهار الجرائم التي ارتكبت في العراق منذ 17/7/1968 لغاية 1/5/2003 ضد الشعب العراقي وشعوب المنطقة, وما تمخضت عنه من مجازر وحشية, ولغرض وضع القواعد والعقوبات التي تدين مرتكبي هذه الجرائم في محاكمة عادلة عن جرائمهم في شن الحروب والإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ولغرض تشكيل محكمة وطنية جنائية عراقية عليا من قضاة عراقيين يتمتعون بكفاءة وخبرة عالية ونزاهة, تختص بمحاكمة هؤلاء المجرمين. ومن اجل أظهار الحقيقة وما سببه مرتكبو تلك الجرائم من عنت وظلم, وحماية لحقوق العديد من العراقيين ورفع الحيف عنهم وإبراز عدالة السماء كما ارادها الله سبحانه وتعالى) .فالغاية من المحكمة أذن هي غاية كبيرة وان ما تتعامل معه المحكمة الجنائية يختلف عن أي محكمة أخرى .
2- تتجلى هذه الأهمية أيضا من خلال حرص الدستور على تأكيد أهمية هذه المحكمة وقانونها أذا لم يكتفي المشرع الدستوري بنص المادة 130 من الدستور التي نصت على نفاذ كافة التشريعات السابقة ، بل أكد وبموجب أحكام المادة 134 على : (تستمر المحكمة الجنائية العراقية العليا بأعمالها بوصفها هيئةً قضائية مستقلة، بالنظر في جرائم النظام الدكتاتوري البائد ورموزه، ولمجلس النواب إلغاؤها بقانونٍ، بعد أكمال أعمالها ) فهذا التأكيد من الدستور يؤكد على أهمية هذه المحكمة وما يصدر عنها من أحكام .
3- أن النص أعلاه (المادة 134) هو نص دستوري وحيث أن النص الدستوري يعلو على أي نص اخراستنادا لنص المادة 13 من الدستور لذا فان قانون هذه المحكمة ذو صبغة دستورية وهذا ما اشار له قرار المحكمة الاتحادية الذي أكد على وجوب مراعاة أحكامها وفقا لنص المادة 130 وان وجوب المراعاة يعني وجوب التقيد بما ورد في أحكام المحكمة وحيث أن من أحكام المحكمة النص القانوني الوارد في المادة 27 الفقرة ثانيا التي نصت على انه (لايجوز لأية جهة كانت بما في ذلك رئيس الجمهورية إعفاء أو تخفيف العقوبات الصادرة من هذه المحكمة وتكون العقوبة واجبة التنفيذ بمرور (30) ثلاثين يوماً من تاريخ اكتساب الحكم أو القرار درجة البتات).لذا فلا مورد للاجتهاد أو التفسير هنا بوجوب صدور الموافقة من مجلس الرئاسة لان قرار المحكمة اشار الى وجوب المراعاة لقانون المحكمة ولم يشر الى وجوب الإهمال وعدم الاعتداد.
4- لعل قائل يقول أن قرار المحكمة الاتحادية اشار أيضا الى أن المحكمة الجنائية من المحاكم المختصة المشمولة بوجوب تصديق أحكامها بالإعدام من قبل مجلس الرئاسة وفقا لنص المادة 73 الفقرة ثامنا ، فنقول أن من بديهيات القراءة القانونية السليمة للنص القانوني والقرار القضائي هو وجوب قراءته كوحدة واحدة متكاملة وليس القراءة الجزئية التي تقطع أوصال النص فتأخذ بجزء وتترك جزء ، لذا فان قرار المحكمة يفهم على هذا الأساس، وكنا نتمنى من قرار المحكمة أن يكون أكثر وضوحا ولا يدع مجالا للنقاش والشك لينتقل الحديث من تفسير النص الدستوري الى تفسير نص المحكمة الاتحادية لان القرار جاء أيضا ليحمل بوادر التفسير المتعددة للحكم .
5- أننا ومن خلال فهمنا المتواضع لنصوص الدستور وقرار المحكمة الاتحادية نرى أن قرار المحكمة جاء ليؤكد قاعدة عامة تتضمن وجوب مصادقة أحكام الإعدام الصادرة من المحاكم المختصة من قبل مجلس الرئاسة ، وذلك كنص عام ولكن هذا النص العام يرد عليه نص خاص يقيده هو نص المادة 27 ثانيا من قانون المحكمة الجنائية ذلك القانون الذي أوجبت المحكمة الاتحادية وجوب مراعاته يعزز ذلك ويدعمه ماورد في نص المادة 73 الفقرة أولا من الدستور التي نصت على أن ( يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية:أولا :ـ إصدار العفو الخاص بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص، والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري) فهذه الفقرة من المادة هي نص دستوري يجب أعماله وعدم إهماله لان أعمال الكلام أولى من إهماله، خصوصا أذا كان النص دستوريا، فالقول بان أحكام الإعدام تتوقف على قرار المصادقة بحيث لاتنفذ عند عدم المصادقة عليها ، يعني أن هذه الفقرة تعتبر لغوا وحشوا ولايمكن تطبيقها إذ بمجرد عدم تصديق مجلس الرئاسة سيتم إيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام حتى في الجرائم ذات الطبيعة الدولية وجرائم الفساد المالي والإداري والجرائم ذات الحق الخاص، الأمر الذي يعني تعطيل نص المادة 73 الفقرة أولا ، كما انه يمثل خرقا واضحا لاستقلال القضاء وهو يمارس العمل القضائي في إحقاق الحق بحق المدانين بالجرائم التي عالجها نص قانون المحكمة الجنائية المختصة مع ملاحظة أن إيقاف تنفيذ الحكم المكتسب الدرجة القطعية من قبل شخص واحد مهما كانت مكانته يمثل امرأ يخل باستقلالية القضاء ويعطل تنفيذ الأحكام وقد يدفع البعض الى اللجوء الى تطبيق العدالة خارج المؤسسة القضائية وعلى طريقته الخاصة كما أنها تمثل استهانة بمشاعر ذوي الضحايا وحقهم الخاص في معاقبة الجناة ، يعزز ذلك ويدعمه القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا ردا على الطلب المقدم من السيد رئيس الجمهورية جلال الطالبني الذي طلب بموجب طلبه من المحكمة الإجابة على استيضاح موضوعه (أحكام المحكمة الجنائية العراقية العليا ) وقد استعرضت المذكرة الأحكام المتعلقة بتنفيذ عقوبة الإعدام في ضوء أحكام المواد (285 ـ 293 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي أعيد العمل بها بالقانون رقم 30 لسنة 2007 وفي ضوء أحكام المادتين (13/ ثانياً ) (73/ ثامناً ) من دستور جمهورية العراق وقد رفق بالمذكرة مشورة مجلس شورى الدولة الصادرة بالعدد 60 /2007 في 30/8/2007 وقد رجت المذكرة أبداء الرأي لمجلس الرئاسة بالنقاط آلاتية :1ـ هل يجوز للسلطة التنفيذية تنفيذ عقوبة الإعدام دون صدور مرسوم جمهوري من مجلس الرئاسة بالإجماع استناداً لنص المادة (138 /رابعا ً ) من الدستور. وما هو الموقف القانوني من ذلك .2ـ ماهي التبعات القانونية التي تترتب على المدانين في حالة عدم صدور مـرسوم جمهوري بالتنفيذ من مجلس الرئاسة .3ـ ماهو الموقف القانوني من نص المادة (27/ثانياً ) مـن قانون المحكمة خصوصاً بعد صدور الدستور وما ورد في المادة (13/ ثانياً ) التي تنص على (... يعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نص أخر يتعارض معه) خصوصاً وان نص المادة (27/ثانياً) تتعارض مع نص المادة (73/ثامناً) من الدستور التي أوجبت صدور مرسوم جمهوري بالتنفيذ للأحكام التي تصدرها المحاكم المختصة.4ـ هـل أن ما ورد فـي المادة (27/ ثانياً ) بـوجب تنـفيذ الحكم بمرور ( 30) يوماً، يقضي أن يتم التنفيذ خلال (30) يوماً أو يوجب التنفيذ بعد انقضاء(30) يوماً بمعنى هل إن عبارة مرور تعني (خلال )أو( بعد ) .وتأسيساً على ما تقدم وضعت المحكمة الاتحادية العليا الطلب الوارد في المذكرة أعلاه موضع التدقيق والمداولة وتوصلت ومن خلال قرارها بالعدد : 19/اتحادية/2007 في : 16/9/ 2007 الى مايلي :أولا ـ أن الجواب على طلب الرأي الوارد حول النقاط (1) و(2) و(4) المذكورة في أعلاه يقع خارج اختصاص المحكمة الاتحادية العليا المنصوص عليه في المادة (93) من دستور جمهورية العراق والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم(30) لسنة 2005. ثانياً ـ بموجب إحكام المادة (93/3) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 يمتنع على المحكمة الاتحادية العليا بيان الرأي في النقطة (3) المذكورة فـي أعلاه لان موضوعها يشكل دعوى قد تقدم الى المحكمة مستقبلاً ) . والذي يهمنا في هذا القرار هو الفقرة أولا منه حول جواز صدور عقوبة الإعدام من السلطة التنفيذية دون الحصول على موافقة مجلس الرئاسة ، وإجابة المحكمة التي أكدت أن هذا الأمر يقع خارج نطاق عمل المحكمة، مما يعني أن لاعلاقة له بالدستور لان عمل المحكمة يتعلق بتفسير النصوص الدستورية الامر الذي يعني ان تطبيق عقوبة الإعدام دون الحصول على موافقة مجلس الرئاسة لايمثل خرقا للدستور وذلك في الإحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية العليا لان الاستيضاح كان عن تلك الإحكام لأنه لو كان الأمر كذلك ، لأشارت له المحكمة ، فعدم إشارتها لذلك بل والقول بخروج الأمر عن صلاحياتها لكونه لايتعلق بتفسير الدستور، يؤكد ويعزز وجهة النظر القائلة بعدم الحاجة الى تصديق مجلس الرئاسة للأحكام الصادرة بالإعدام من المحكمة الجنائية العليا.
نخلص من هذا كله : ان قرار المحكمة الاتحادية21/اتحادية في 26/9/2007 جاء ليؤسس لقاعدة عامة مفادها أن كل أحكام الإعدام يجب مصادقتها من مجلس الرئاسة ولكن مع مراعاة أحكام قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا وحيث أن المراعاة تعني أعمال النص لااهماله وحيث أن نص المادة 27 ثانيا من قانون المحكمة الجنائية اشار الى عدم جواز تخفيف العقوبة عن المدانين حتى من قبل رئيس الجمهورية وان الأحكام الصادرة عن المحكمة باتة لذا فان الفهم السليم هو أعمال نص المادة 27 الفقرة ثانيا من قانون المحكمة الجنائية العليا وذلك لعدم الحاجة الى المصادقة على تلك الأحكام من أي جهة ، وان هذا الفهم يتطابق مع نص الفقرة الأولى من المادة 73 من الدستور والمواد الدستورية الأخرى التي تحدثت عن استقلال القضاء وعدم جواز نقض احكامة وان هذا الامر تعزز من خلال قرار المحكمة الاتحادية 19/اتحادية/2007الذي يفهم منه ان تنفيذ قرارات الإعدام الصادرة من المحكمة الجنائية العليا من قبل السلطة التنفيذية دون الحصول على تصديق مجلس الرئاسة يقع خارج نطاق صلاحيات المحكمة الامر الذي يعني أن ذلك لايشكل مخالفة دستورية لأنه لوكأن الامر كذلك لتدخلت المحكمة الاتحادية في هذا الامر .
المحامي : ماجد شناطي نعمة
https://telegram.me/buratha