المقالات

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ السَّادِسةُ (٧)


نــــــــــــزار حيدر                                                        

                      

   أَشدُّ الأَسلحةِ فتكاً بالأُمم والمُجتمعات هو سلاحُ التَّضليل الذي يودي بعقلِ المرءِ ويحفظ لَهُ جسدهُ فقط.

   وبالتَّضليلِ يستخفُّ الطَّاغوت بعقولِ النَّاسِ فيُحكِم سيطرتهُ عليهِم بطاعتهِم لَهُ كما يصِفُ القُرآن الكريم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.

   وكما هو معروفٌ فإِنَّ الإِنسان الجسد بلا عقلٍ يُفكِّر ويتفكَّر قيمتهُ أَقل من دابَّةٍ كما يصفهُ القرآن الكريم {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} على الأَقلِّ فإِنَّ الأَنعام تهتدي بالفطرةِ التي فطرها الله تعالى عليها، أَمَّا الإِنسانُ فاذا جمَّد عقلهُ أَو ضلَّلهُ وغشَّهُ فلن ينفعهُ شيءٌ ليهتدي.

   والتَّضليلُ كذلكَ هو أَحد أَخطر الأَسلحة التي يوظِّفها الطَّاغوت لتشويهِ حقائق الأَشياء وخاصَّةً الحركات الإِصلاحيَّة والمصلحُون، وهو الأَمرُ الذي تعرَّضت لَهُ عاشوراء منذُ لحظة وقوعِها وإِلى الْيَوْم، إِذ لازالَ في الأُمَّة مَن يظنُّ أَنَّها خلافٌ عائليُّ أَو صراعٌ على السُّلطة والنُّفوذ أَو ما أَشبه.

   لقد بذلَ الأَمويُّون جهوداً كبيرةً جداً لتشويهِ صورة عاشوراء وكلَّ ما يتعلَّق بها، فلقد استهدفَ الإِعلام الأَموي الحُسين السِّبط (ع) وأَهداف كربلاء.

   حتَّى الكوفة التي كانت حاضنةَ النَّهضة الحُسينيَّة ورائدة الإِنتماء العلوي المُخلص شوَّهَ صورتها الإِعلام الأَموي، وللأَسف فلقد انطلى التَّضليل على الكثيرِ مِن النَّاسِ إِلى الْيَوْم، فتراهُم يتداولُون أَقوالاً بحقِّ الكوفةِ وأَهلها هي بالأَصل قالها طُغاة أَمويُّون قتَلة، إِلَّا أَنَّهم ينسبونَها إِلى أَميرِ المُؤمنينَ (ع) مثلاً زوراً وبُهتاناً.

   وفِي المُقابل، لا أَحدَ يتذكَّر فيتداول أَقوالَ أَئمَّة أَهل البيت (ع) والتي عبَّروا فيها عن مَكانةِ الكُوفةِ وأَهلها عندهم، كقولِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) يُخاطبُ فِيهِ الخُلَّص من أَصحابهِ في الكُوفةِ {أَنْتُمُ الاَنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ، وَالاِخُوَانُ في الدِّينِ، وَالْجُنَنُ يَوْمَ الْبَأْسِ، وَالْبِطَانَةُ دُونَ النَّاسِ، بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ، وَأَرْجُو طَاعَةَ الْمُقْبِلِ، فَأَعِينُوني بِمُنَاصَحَة خَلِيَّة مِنَ الْغِشِّ، سَلِيمَة مِنَ الرَّيْبِ، فَوَ اللهِ إِنِّي لاََوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ!}.

   وكانَ (ع) يَقُولُ في الكُوفةِ {إِنَّ مكَّةَ حرمُ إِبراهيم (ع) والمدينةَ حرمُ رسول الله (ص) والكوفةَ حرمِي} ويقولُ {الكوفةُ كنزُ الإِيمان وجُمجمةُ الإِسلامِ وسيفُ الله ورمحهُ يضعهُ حيثُ يشاء، والذي نفسي بيدهِ لينصرَنَّ الله جلّ وعزّ بأَهلِها في شرقِ الأَرْضِ وغربِها كما انتصرَ بالحِجازِ}.

   ولشدَّة ما تعرَّضت، وتتعرض لَهُ، الكوفة للظُّلم والقَهر والتَّزوير والتَّضليل بسببِ ولائِها لأَميرِ المُؤمنينَ (ع) كانَ يَقُولُ {ما أَشدَّ بلايا الكُوفة، لا تسبُّوا أَهلَ الكُوفةِ فوالله إِنَّ فيهِم لمَصابيحُ الهُدى وأَوتادُ ذكرٍ، والله ليدقَّنَّ الله بهِم جَناحَ كُفرٍ لا ينجَبرَ أَبداً}.

   وعن محمَّد الحلبي عن أَبي عبدِ الله (ع) أَنَّهُ قال {إِنَّ الله عرضَ ولايتَنا على أَهْلِ الأَمصار فلَم يقبلها إِلَّا أَهل الكُوفة}.

   وعن عبدِ الله بن الوَليد قال؛ دخلنا على أَبي عبد الله(ع) فسلَّمنا عليهِ وجلسنا بينَ يدَيهِ، فسأَلنا؛ مَن أَنتم؟ فقُلنا؛ من أَهْلِ الكُوفةِ، فقالَ (ع) {أَما إِنَّهُ ليس بلدٌ من البلدانِ أَكثر مُحِبّاً لنا من أَهْلِ الكُوفةِ، إِنَّ الله هداكُم لأَمرٍ جهِلهُ النَّاس، أَحببتمُونا وأَبغضنا النَّاس، وصدَّقتمُونا وكذَّبنا النَّاس، واتَّبعتمُونا وخالَفنا النَّاس، فجعلَ الله مَحياكُم مَحيانا ومماتكُم مماتنا}.

   لذلكَ ينبغي أَن نكونَ على حذرٍ شديدٍ عندما نتحدَّث عن عاشوراء وما يتعلَّق بها وإِلَّا فسنظلم أُناساً كثيرُون بل سنظلم أَنفسنا لأَنَّنا سنخلط على أَنفسِنا الأُمور فيضيعُ، رُبما، الحقُّ عندما نشيعُ الباطل من حيثُ لا نُريد {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ}.

   ينبغي أَن نتعاملَ مع كلِّ روايةٍ تاريخيَّةٍ فيها أَدنى شُبهةٍ عن عاشوراء وكربلاء والحُسين الشَّهيد السِّبط (ع) في إِطارِ مفهوم الآية الكريمةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وهي الآيةِ التي حذَّر فيها المُشرِّع من مغبَّة الظُّلم بسببِ التَّضليل والجهل بالنَّقل والتَّناقُل.

   إِنَّ الأَصلَ في عاشوراء قدسيَّتها ومكانتها الخاصَّة عند الله تعالى وعندَ رسولهِ الكريم وأَهلِ بيتهِ (ع).

   إِنَّ التثبُّت يجنِّبنا النَّدم، كما أَنَّ التروِّي قبل أَن ننطِق بالمعلومةِ أَو ننشرَها يجنِّبنا كذلك النَّدم.

   لقد كان الأَمويُّون أَشدَّ الحُكَّام حذراً من معرفةِ النَّاسِ الحقائق حتى أَنَّهم عمدُوا إِلى عزلِ جيوشهِم التي يقاتلُون بها أَهل العراق وأَميرَ المُؤمنينَ (ع) خوفاً من أَن يختلطُوا بهم فيتأَثَّروا بهم إِذا عرفُوا الحقائق.

   ولقد وصفَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ذَلِكَ بقولهِ {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.

   كما أَنَّ الطَّاغية المتجبِّر والي الخليفة الأَموي عبد المَلك بن مَروان على العراق، الحجَّاج بن يوسُف الثَّقفي، بنى مدينة [واسط] لأَهل الشَّام الذين قاتلَ فيهم أَهل الكوفة على وجهِ التَّحديد لكي لا يختلطُوا مع الكوفيِّين ويتأَثَّرون بهم على الرَّغمِ من أَنَّ الشاميِّين هُم المُنتصرُون في الحربِ وأَنَّ الكوفيِّين هُم المهزُومينَ فيها، وهيَ من المُفارقات العجيبة، إِذ أَنَّ من طبيعةِ الأَشياء هو أَنَّ الجيش المهزُوم هو الذي يتأَثَّر بالجيشِ المُنتصر وليس العكس، وهذا إِن دلَّ على شَيْءٍ فإِنَّما يدلُّ على قوَّة الحُجَّة والمنطق الذي يتميَّز بهِ شيعةُ أَمير المُؤمنينَ (ع) ، مُنتصرِينَ كانُوا أَم مُنكسرِين!.   

   ٥ أَيلول ٢٠١٩

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك