المقالات

القومية واعداء السلام


محمد صادق الهاشمي 

 

ماكانت معاجمنا وقواميسنا وكتبنا اللغوية، قد تعرفت على مصطلح القومية الا في القرن التاسع عشر وبداية العشرين، بينما  كانت تتفاعل في اوربا وامريكا، وقد ظهرت جلية عندهم بعد اشتعال الثورة الامريكية عام ١٧٥٠ والثورة  الفرنسية عام ١٧٨٩، وعندها اشتهرت وتالق سناها، وسرعان مااصبحت الدولة القومية الفرنسية والهولندية والبريطانية والايطالية هي الصروح الجديدة والبديلة لامبراطوريات سابقة كانت تدار من قبل اسرها وعروشها الحاكمة٠

ان الاوربين بعدما اصطلوا من الكنائس وباباواتها وكاردينالاتها واسقفها وما لاقوه منهم من ثقل في الضرائب واضطهاد في العقائد ومحاربة في لقمة العيش وانتزاع الثروات والتهابا في الصراع الطبقي والذبح بالمقاصل، ثاروا على هذا الوسط الديني المجرم وقضوا على مؤسساته وسلطاته واختاروا البديل القومي ٠

اتيح للقومية البقاء والنمو ومن خلال المنتج القومي من شعر ونثر قصصي وموسيقي وفنون تشكيلية وسينما، بالاضافة للصحافة والمؤرخين والدبلوماسين والسياسين وعلماء الاجتماع الذين كانوا على الفة تامة كما يزعمون بمصلحة المجتمع وتحسينه والتنويه بقدراته وتفوق عنصره وعرقه على الاخرين هذا العنصر الذي ينبغي ان يتسيد عليهم حسب زعمهم، ويكونوا له من التابعين٠

لذا ان اوربا هي اكثر القارات ذات النعرة القومية، وقد شهدت تبعا لذلك تنافسا وتحفيزا عارما،وخصوصا ابان غزوات نابليون بونابرت الى المانيا وايطاليا في عام ١٨٠٠، وما الحربين العالميتين والتي راح الملايين ضحايا لها الا من اجل عيونها الزرقاء وشعرها الاشقر٠

وماينبغي معرفته، ان اوربا هذه المولعة بالقومية  والمبشرة لها تتالف دولها من اقوام واجناس متباينة فانكلترا هي اصرة لقوميتين وشعبين هما انگلوا وساكسون وهما اصلا من الجرمانيين الذين غزوا شمال القارة الاوربية ، واما المملكة المتحدة فهي نتاج انگلترا بالاضافة الى الاسكتنلديين والويلزيين٠

وفرنسا هي حاصل شعوب تاريخية من الكلت والجرمان والرومان والايبيرين والفرنجة وغيرهم وهم من شكلوا تراثها وواقعها وراهنها٠

والمانيا مزيج من قبائل الالامانيون والفرنجة والخاتيون والسكسونيين والفريزيون والثورنغيون والجرمانيون٠

وهكذا بقية الدول الاوربية فانها يصدق عليها الوصف المتقدم، ومع هذا فانها صدرت لنا القومية، لكي  تمزق امتنا في اسيا وافريقيا والتي كانت تحت عباءة الامبراطورية العثمانية الخليفية بسكين سايكس پيكو من جهة، ولاعادة اليونان التي كانت تحت الحكم العثماني الى حظيرتها والتي بقيت شوكة صامدة في وجهها بسبب وجود الجنرال اتاتورك الذي ابلى البلاء الحسن في القتال ومن هنا جائت نجومية الرجل ليكون زعيما لتركيا بعد انهيار العصر العثماني٠

لقد تفاعل  علمانيو الشرق ومسيحيوهم وكل المنادين بضرورة الانفصال عن اسطنبول،  واخذوا يروجون للقومية وهم بذلك يدقون الاسافين في صلب هذه الامة ووحدتها ولحمتها ودينها، وقد شهدنا فشلها  وتبعثر سحرها، رغم سيل الكتابات والادلجة والتقيف لها وعلى مستوى ثلاث تجارب رئيسية كانت تتحرك على طول الساحة وعرضها، وهي الناصرية والبعثية والطورانية، فاما الاولى فقد عانى الشعب المصري من ثلاث حروب مدمرة مع الكيان الصهيوني اللقيط تحت زعامتها، واما الثانية فلم تفلح في نزع فتيل العداء والتازيم بين طرفيها وشقيها السوري والعراقي، واما الثالثة التي كانت تاتمربجمعية تركيا الفتاة والتي ارادت ان تجمع اليها اوزبكستان وطاجكستان وتركمستان واذربيجان  بحبالة الدولة العرقية، الا انها فشلت لوجود ارمينيا التي حالت دون ذلك فارتكبت بحقها المجازر التي مازالت تلطخ تاريخ الدولة التركية وتطيح بسمعتها وتمنعها من دخولها الفسطاط الاوربي التي طالما رنت اليه٠

والغريب ان اوربا التي بعثت الينا بقاذورات القومية رجعت الى رشدها، بعدما ذاقت ويلاتها وكوارثها وطاماتها، واذابت مجتمعاتها في اتحاد اوربي وهي تنوي ان تذيب الحدود والجدران بين جغرافيتها وتجعل من ارضها وطن واحد للجميع وهي ماضية في هذا التثقيف وغير مبالية بالشعبويين واليمينين والمتطرفين الذين تدق في رؤوسهم الخاوية طبول النازية والفاشستية والبونابارتية٠

لقد قالها رئيس المانيا مؤخرا وبعبارة صارمة ان القومية هي السم الايدلوجي  واما ايمانويل ماكرون فقد قال عنها انها خيانة للوطنية، ومع هذا فمازلنا نسمع طنين القوميين في بلداننا المصرين عليها رغم تاخرها في عقر دارها وهم يشبهون بذلك الشيوعيين الذين مازالوا يتغنون بها عندنا في حين انها راقدة بين جلاميد لحدها في البلدان التي كانت حاكمة عليها٠

قال تعالى في كتابه المجيد ( ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )٠

صدق الله العلي العظيم٠

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك