المقالات

دولة العتبات المقدسة


ثامر الحجامي

أن تكون هناك دولة؛ ليس بتوفر العناصر الأساسية لوجودها، الأرض والشعب والحكومة فحسب، فهذه العناصر يمكن أن توجد في قبيلة! ولكن أن تتوفر المقومات اللازمة لبقائها، خليط إجتماعي مستقر، ظروف أمنية طبيعية، أوضاع إقتصادية توفر حياة كريمة، وذلك لا يتحقق إلا بإدارة ناجحة تجعل الإنجاز في متناول اليد، وتوفر الظروف الملائمة على الإبداع. 

الحكومات العراقية المتعاقبة بميزانياتها الإنفجارية، ورؤوساء حكوماتها ووزارئها ببدلاتهم الرسمية وأربطتهم الأنيقة، والحكومات المحلية بمحافظيها ومجالس محافظاتها، بسياراتهم الفارهة ورواتبهم الكبيرة، مع كل ما متوفر من مؤسسات الدولة ومواردها البشرية، إفتقدت التخطيط الأستراتيجي والإدارة العلمية، لضمان بناء دولة على أسس صحيحة، تجعل من الشعب العراقي خليطا متجانسا لا تؤثر فيه النعرات الطائفية والقومية، ولا يكون الوضع الأمني كابوسا يؤرق الجميع، لا يعاني شبابه من البطاله وسوء الأوضاع الإقتصادية بسبب الفساد الإداري والمالي المستشري في مفاصل الدولة الرسمية! 

على النقيض من ذلك؛ هناك مؤسسة صغيرة، أصبحت تضاهي الدولة في عملها بل تفوقت عليها، بدون الروتين الإداري والترهل الوظيفي، بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية التي تعيق الإنجاز وتقتل الطموح، مستندة الى تخطيط علمي وضعته عقول تسعى للتميز والإبداع، وإدارة متميزة للإمكانات المادية والبشرية، تدير المؤسسات التابعة لها بحرفية ومهنية عالية، في كيفية صرف وإستثمار الأموال، وبناء مشاريع إقتصادية وخدمية على مستوى عال من الجودة، تراعي الحاجة الفعلية لغالبية شرائح المجتمع، وتقدم خدماتها على مستوى ما نشهده في الدول المتطورة، فصرنا نشاهد الإنجازات الكبيرة من دولة تختلف عن دولتنا. 

في القطاع الصحي؛ أنشأت العتبات المقدسة صرحا طبيا عملاقا متمثلا بمستشفى الكفيل، الذي يوازي المستشفيات الطبية العالمية وفيه أمهر الكوادر الصحية من مختلف الاختصاصات، قلل من تكاليف العلاج للمرضى الذين يذهبون الى الخارج بنسبة 50% دون تحمل عناء السفر، إضافة التي تقديمه خدمات العلاج المجانية للعوائل المتعففة والآلاف من جرحى الحشد الشعبي والقوات الأمنية، يضاف له مراكز طبية متطورة تقدم خدماتها مجانا الى المواطنين، مثل مستشفى زين العابدين الذي يجري العمليات الجراحية الكبرى بكوادر عراقية وأجنبية ماهرة، وقريبا منه مستشفى سفير الحسين، ومركز السيدة زينب لجراحة العيون والأسنان، وكذلك مستشفى خاتم الأنبياء للأمراض القلبية والأوعية الدموية، إضافة الى إنشاء معمل للصناعات الدوائية. 

أما في قطاع الزراعة؛ فقد نهضت العتبات المقدسة بتطوير القطاع الزراعي الذي عانى الإهمال المقصود من قبل الدولة، وأنشأت العديد من المشاريع الزراعية الكبرى، وزرعت آلاف الدوانم بمحاصيل الحنطة والشعير والمخاضير لسد الحاجة المحلية إليها، وحولت الصحراء الممتدة بين كربلاء والنجف الى بستان كبير، بعد أن زرعت عشرة آلاف نخلة من أجود التمور العراقية، وأنشأت بحيرات الأسماك ومزارع الأبقار والدواجن، ومعامل اللحوم والألبان، بعد أن عجزت الدولة عن القيام بهذه المشاريع والإكتفاء بالإستيراد من الخارج. 

في قطاع التربية تولت العتبات إقامة العديد من المدارس من الإبتدائية وصولا الى الجامعات، يكون التدريس فيها على أسس علمية رصينة، على أيدي أساتذة أكفاء، تجاوزت كثيرا في جودتها المدارس الحكومية البالية، أما في القطاع الخدمي فقد بنت العتبات المقدسة مدن الزائرين، تضاهي مدن العالم العصرية، تقدم خدماتها المجانية الى الزائرين من مأكل ومشرب ومبيت، وأنشأت مؤسسات خيرية لكفالة الأيتام وعوائل الشهداء والمحتاجين، وطورت المراقد المقدسة ووسعتها وفق طرق عمرانية متطورة لتسع حشود الزوار الوافدين، الذين وفرت لهم العتبات إسطول نقل بري، للتخفيف عنهم اثناء المناسبات الدينية بعد عجز واضح لمؤسسات الحكومة عن وضع الحلول، التي تسهل حركة الزائرين. 

على المستوى الثقافي والفكري، فقد تولت العتبات إقامة الكثير من الندوات والمهرجانات، التي تجمع بين أبناء البلد من مختلف الطوائف والقوميات، وإقامة معارض سنوية للكتب والمطبوعات، وإنشاء مؤسسات دينية وثقافية في العراق والعالم، وتكريم المبدعين والمتميزين من الكتاب والأدباء، فكانت محطة للقاء المفكرين من مختلف أنحاء العالم. 

 

حين ننظر الى الطرفين، وما يتوفر لهما من إمكانات مادية وبشرية، وبين ما تحقق من هذه وتلك، يجعلنا نطلب من الحكومة وكل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وأجهزتها الرقابية، ومنظوماتها التخطيطية وجيش المستشارين، وإجراءاتها الروتينية البالية، أن إتركونا لتحكمنا دولة العتبات المقدسة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك