المقالات

حينما ذُبح الفيلييين بسيوف الوطنية..!


طيب العراقي

 

تضم معظم دول العالم، مكونات مجتمعية متعددة، متنوعة بأصولها أو ثقافتها أو ديانتها، ونادراً ما نجد في دولةما؛ مجتمعاً أحادي الدين واللغة، ولا يؤدي وجود مكونات دينية أوعرقية أو مذهبية بالضرورة، إلى قيام معضلات سياسية أو أجتمعية، وإلى بداية حرب أهلية.

هناك مكونات نشطة سياسياً وأجتماعيا؛ وأخرى مستكينة، وأخرى تسعى إلى الإبقاء على الشعور المكوناتي، وعلى شخصيتها الذاتية، وأخرى أكثر استعداداً لمستوى عال من الاندماج الاجتماعي- السياسي، وذلك بفعل عوامل ذاتية وعوامل إقتصادية.

الفيليون في العراق من النوع الأخير، الذي تغلبت لديهم المشاعر الوطنية؛ على الشعور المكوناتي، مع أن وضعهم هذا جوبه بجحود مجتمعي كبير، وبظلم من السلطات الحاكمة طيلة قرن من الزمان مضى، إبتداءا من تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1920 ولغاية يومنا هذا.

في العراق؛ ترافق االتفاعل التاريخي بين المجموعات المكوناتية، مع انهيار الدولة العثمانية ونظام الملل الذي أحدثته، والتدخل المتواصل للقوى الإستعمارية، ونشأة الدول القطرية، التي نشأت وهي لا تعرف الديمقراطية، واستمرت الدولة تعمل بقوانين الطوارئ وبلا دساتير محترمة، وكانت النتيجة هي تدهور الأوضاع الإقتصادية، وتراجع مؤشرات التنمية البشرية.

أدت هذه التراكمات في الواقع، إلى إهمال العوامل المسبّبة لعدم الاستقرار، وساهم في تفاقم مشكلة المكونات في العراق، ومنها مشكلة المكون الفيلي، غياب الديمقراطية والمجتمع المدني وأستهتار السلطات بحقوق الإنسان.

أدى ذلك الى إيجاد حالة من التوتر، في العلاقات بين الدولة الشمولية الظالمة والمكونات المجتمعية، وكان نصيب المكون الفيلي هو الأكبر، نظرا لموقع الفيليين في المكانة الأقتصادية العراقية، ولأنفتاحهم وتأثيرهم في باقي المكونات العراقية، ولأنتمائهم لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو مذهب ترى فيه السلطات العنصرية الطائفية الحاكمة عدوا لها.

لقد كان الحديث عن حقوق المكونات؛ طيلة حكم البعث والأنظمة التي سبقته، من أكثر المحظورات السياسية والثقافية تحريماً، وأنتشرت شعارات الأمة العربية الواحدة، التي ترى في جميع العراقيين بعثيين وإن لم ينتموا، كواحدة من أشهر المبرّرات المستخدمة، لاستمرار الممارسات القمعية فيها، وهي مصادرة واضحة ومباشرة للحقوق القومية للآخرين.

كما جرى تسطيح للعقل الجمعي العراقي، حينما صورت السلطات الحاكمة، أن عوامل الاستقرار في المجتمع العراقي؛ الملئ بفسيفساء من الاثنيات والأقليات، مرهونة بهيمنة هوية وطنية إندماجية، وكأن هناك تضاد بين أن يكون العراقي وطنيا، وبين أن يكون من قومية أو عرق ما، وهكذا أفرغت الوطنية من محتواها النبيل، لتتحول الى سيف مسلط على رقاب العراقيين جميعا.

لقد كان نصيب الفيليين هو الأكبر؛ من ذباحات نصل هذا السيف الوطني، فجردوا من حقوق المواطنة ومن عراقيتهم، ولم يضع أصحاب الشعارات الوطنية؛ شعاراتهم موضع التنفيذ فيما يتعلق بالفيليين، بل جرى تنفيذ تلك الشعارات بشكل مقلوب، وباتت مفردة الوطنية تعني العنصرية!

العراق اليوم وبعد ستة عشر عاما؛ بحاجة الى كسر سيف العنصرية، وبحاجة التي توصيف جديد للوطنية، يعيد للوطنية معناها النبيل، ويعيد للفيليين وهم العراقيين الوطنيين الأكثر أصالة، حقوقهم التي سلبها منهم أدعياء الوطنية، وبحاجة ماسة لإيجاد حلول خلاقة لمشاكل الفيليين الأساسية، وهي حلول يجب أن تسعى لأرضائهم والإقتصاص من جلاديهم.

لم يعد من المقبول اليوم، استمرار حالة انتهاك حقوق الإنسان الفيلي، ومطلوب إنصاف الفيليين على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الفيلييون أنفسهم مدعوين اليوم؛ لبناء كينونتهم التي خربتها الأنظمة الظالمة، والأمر يحتاج الى جهد كبير ومنظم، وإلا فإن أسم "فيلي" سيختفي الى الأبد في غضون عشر سنوات، وهذا ما أراده البعث..!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك