( بقلم : حسن الهاشمي )
إن فلسفة المدرسة الحسينية، ما هي في الحقيقة إلا استمرار لمدرسة الأنبياء، لأن جوهر رسالة الأنبياء هو انتشال الإنسان من حالته البهيمية إلى حالته الآدمية، وهكذا كانت رسالة عاشوراء... فالنبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وآله، فجاءت المدرسة الحسينية بمثابة البديل الدائم لمصدر الوحي والإلهام النبوي.
فالأنبياء كانوا يلتقون الوحي من ربهم، ويطلب منهم القيام والنهضة، ومع انقطاع الوحي، كان لابد من مصدر آخر ملهم للنهضات والثورات البشرية، وهكذا كانت المدرسة الحسينية هي الملهمة الدائمة لرجال التاريخ العظام، ورجال الإصلاح، الذين تتطلبهم الحاجات البشرية.
يقول (هربرت سبنسر) الفيلسوف البريطاني ( 27 ابريل 1820 - 8 ديسمبر 1903 ): إن أرقى ما يأمل الوصول إليه الرجال الصالحون، هو المشاركة في صناعة الإنسان الآدمي، أي الإشراك في خلق جيل صالح، بينما مدرسة الإمام الحسين عليه السلام ليست فقط مدرسة تنبذ المذنبين ولا يمكن لها أن تكون من صانعيهم، بل إنها لا تكتفي بكونها تسعى لخلق جيل صالح، فهي مدرسة لتخريج المصلحين على مر الدهور.
وإن إحياء الذكرى في كل عام، إنما يستهدف من وراءه تخليدا لتلك المدرسة النبوية، بل تخليدا لمدارس الأنبياء جميعا من آدم حتى الخاتم، فإنها مدارس الوحي الإلهي لسانها واحد وهدفها واحد وهي تقف على خط طولي واحد، جسدها سيد الشهداء بنهضته الخالدة وكان بحق وريثهم في مكارم الأخلاق وكل ما من شأنه أن يحفظ كرامة الإنسان وآدميته وعلو مقامه في الدنيا والآخرة...
حزمة من القيم والأخلاق جسدها الإمام الحسين عليه السلام في نهضته الخالدة تحاول دائما وعلى طول الخط وعلى مدى الدهر أن تضخ البشرية معاني الكرامة والعدالة والمواقف النبيلة الموزعة على سني الإمام طيلة حياته، وهو حاول بجهاده ومقارعته للظلم والطغيان أن يوزعها على التاريخ البشري لينهل منه الأحرار آليات الحياة الحرة الكريمة، هذا ما حدى بالحكام الظالمين قديما وحديثا من محاربة فكر الحسين عليه السلام من خلال محاربتهم للشعائر الحسينية وكل ما يمت بصلة بهذا الفكر النير. وليس بعيدا عن هذه المديات ما يقوم به الوهابيون والإرهابيون من تلميع صورة سيدهم يزيد وإظهاره الخليفة الذي تمرد عليه الإمام الحسين وأنه قتل بسيف جده، هذه الترهات هدفها طمر الأفكار الحسينية وإحياء الإنحراف اليزيدي الذي يسير على نهجه جميع الحكام المستبدين الذين لا يروق لهم فكرا يحارب شهواتهم وملذاتهم وساديتهم، ولا يروق لهم فكرا يحاسبهم في مبدأية (في حلاله حساب وفي حرامه عقاب وفي الشبهات عتاب) كما أقرها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نهج البلاغة، هذه المبدأية الرسالية وإن كان الجزاء فيها يجري في الآخرة، بيد إنها تشذب سلوك من تقمصها وتنعكس على تصرفاته في الدنيا، وإنها هي التي تحد من مجونهم وتصرفم بالبلاد والعباد وفقا للمصالح الشخصية والمزاج بعيدا عن الرقابة الشرعية والقانونية، وهذا ما لا يروق لهم فقرروا محاربة فكر الحسين عليه السلام الذي فيه كرامة الشعوب، وكذلك محاربة كل من يحمل ذلك الفكر الخلاق...
فكانت مفخخاتهم تترى لتفجر الذين يحملون ذلك الفكر الوقاد بعدما عجزوا عن مجابهة الفكر نفسه، هذه هي الخسة والدناءة والغدر الذي عرف به يزيد وأتباعه ولا يزال الوهابيون والبعثيون والظلاميون ومن لف لفهم من دعاة العهر السياسي والدجل والنفاق والمراوغة يحذون حذو أسيادهم خلفاء الجور والنفاق، للوصول إلى مآربهم الدنيئة في التسلط على رقاب الشعوب المغلوب على أمرها، ولا يكون خلاصها إلا بالحسين عليه السلام ومناقبيات الثورة التي فجرها ضد كل الطغاة في كل زمان ومكان.
https://telegram.me/buratha