( بقلم : سماحة الشيخ جلال الدين الصغير )
هوية اليماني
هل اليماني من اليمن؟قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء على القارئ الكريم، ولكنه سؤال حيوي ترتبط به أمور عدة، ومن الواجب الإجابة عليه بدقة لاسيما وان عددا من الباحثين تناولوه بتسليم كبير دون تدقيق فوقعوا وأوقعوا قراءهم بأوهام عديدة، بل تسببت تلك الأوهام بتمرير روايات دخيلة دون تمحيص ودونما تدقيق.وأحد مناشئ هذا الواجب طبيعة البيئة العقائدية التي تحكم الساحة اليمنية والتي تمكن من إيجاد جيش له هذه القوة والمنعة بالشكل الذي يتمكن من مقارعة جيش السفياني الذي وصف بأوصاف متعددة تشير إلى القوة والضخامة، مما يجعل هذا الجيش مستندا لبيئة اجتماعية ضخمة تمكن من إنتاج مثل هذا الجيش، لاسيما وان وصف هذا الجيش لم يوصف بأوصاف عادية على المستوى العقائدي.وأيضا فإن هذا السؤال يرتبط بموضوع ما إذا كانت الساحة اليمنية تصلح لكي تكون ساحة ممهدة لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ وأي تمهيد أعلى وأكثر حساسية من أن تكون فيها أهدى الرايات؟!
لذلك لابد من التروي كثيراً في الإجابة على هذا السؤال، خصوصاً أن من أجاب عليه اعتمد غالباً على ما يوحي اسم اليماني من اقترانه باليمن كموطن جغرافي وكحاضن عقائدي، ولذلك لم يتوقف عند الروايات توقف المحقق والمدقق، ونحن إذ نحاول أن نفتش عن إجابة دقيقة لابد من أن ننتبه أولاً إلى أن اليمن ظلت ومنذ عهد بعيد ولا زالت حاضنة للعقيدة الزيدية، وهذه العقيدة اتجهت مع مرور الزمن لتقترب أكثر من العقيدة السلفية أو لتبتعد بشكل عام عن العقيدة الإمامية، مما يجعلنا أمام تناقض كبير ـ وفق ما أشرنا إليه سابقاً من احتياجات جيش اليماني إلى الحاضن العقائدي والاجتماعي ـ بين أن تكون راية أهل البيت ع هي راية الإمامية (أعلى الله شأنهم)، وبين أن لا تخرج أهدى الرايات من الساحة الاجتماعية الأساسية للإمامية وإنما تخرج من ساحة اجتماعية في عمومها الغالب تهيمن عقيدة أخرى لا تخفي حنقها من الإمامية بل ولا تخفي عملها الدؤوب للوقوف أمامها والتصدي لها.
وفي تصوري إن الأمر كان ليكون سهلاً لو تم التعامل مع الأمر وفق مقتضيات روايات أهل البيت (عليهم السلام)، لكن قبول بعض الباحثين والرواة لإيحاءات لقب هذا العبد الصالح أوقعهم في هذا المطب.يمنية اليماني في الروايات
وفي العموم فإن الروايات الصحيحة والموثوقة والمعتبرة(1) لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى كون الرجل من اليمن، بل إن منشأ الوهم الذي جعل البعض ينسب الرجل إلى اليمن هو إما روايات عامية أو روايات ضعيفة سندا ومضطربة متنا، أو روايات لا نستطيع الاعتماد عليها لمجهولية مصدرها، وسنناقش كل ما ورد في كتبنا من روايات وأخبار حتى نصل إلى ما يقربنا من اليقين في هذا المجال.
أولا: واحدة من الروايات التي تعرضت لهذا الموضوع هي ما رواه علي بن محمد الليثي الواسطي وهو من علماء القرن السادس في كتابه عيون الحكم والمواعظ فقد روى بإرسال قال: خمسة من علامات القائم ع: اليماني من اليمن والسفياني والمنادي ينادي بالسماء وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية.(2)
والرجل نقل الرواية عن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) على ما يبدو، وتحديداً من كتابه الخصال وكمال الدين،(3) وما رواه الشيخ الصدوق وأبوه (قدس سره) من قبله(4) ومن نقل عنهما(5) لم يذكروا قوله (من اليمن) إطلاقا، مما يجعل ما في كتاب عيون الحكم والمواعظ شارحا ولا دخل له برواية أهل البيت (ع)، وقد يكون الشرح من المؤلف أو من الناسخ، وعلى أي حال فإن الإشارة إلى اليمن لا دخل لها بحديث أهل البيت (ع)، وكلام العلماء يرد إليهم حتى يقدّموا بينة من العلم، فلا تغفل!
ثانياً وثالثاً: ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش رواية رواها عن محمد بن محمد بن عصام،(6) عن الشيخ الكليني(7) ، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني، عن علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحناط، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد (صلى الله عليه وعليهم)، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم إلى أن قال: وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام وخروج اليماني (من اليمن) ومنادياً ينادي من السماء.. إلخ. (8)
وبنفس السند في رواية أخرى قال الإمام الباقر (صلوات الله عليه): القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر إلى أن قال: واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا وأُتقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين الركن والمقام.. الخ. (9)
والنقاش في الرواية يدور تارة على أصل السند، ونلاحظ هنا أولا إن الروايتين في سندهما بهيئته هذه يشيران إلى إنهما من روايات الكافي، إلا إن الملاحظ أن لا وجود لهما أصلا في نسخة الكافي بصيغتيهما،(10) وهذا ليس بقادح فيهما من حيث الأصل، لاحتمال أمرين: أحدهما إن الشيخ الصدوق نقل من كتاب للكليني غير كتاب الكافي هذه الرواية، وهذا محتمل باعتبار ضياع بعض كتب الشيخ الكليني، واحتمال أن يكون الشيخ الصدوق قد اطلع على هذا الكتاب قبل ضياعه، ولكن من يلحظ كتاب الكافي وطريقة الشيخ في الحديث وطبيعة ما قدّمه للكتاب، يعرف إن الكافي كتبه الشيخ الكليني بهدف الإفتاء وعلى طريقة زمانه، وبالتالي فقد كتب فيه ما اعتقد انه صحيح يجوز العمل بمقتضاه، وهذا ما أشار رضوان الله تعالى عليه إليه في مقدمة كتابه(11) ، وقد يعني ذلك إن ما أودعه في غير الكافي ربما لم يرق في وثاقته لما رقى إليه الكافي في نظر الشيخ الكليني، ولهذا أهمل ذكر هذه الرواية في كتابه الكافي لعدم ثقته بها أو اطمئنانه بها، ويقوي ذلك إن اسناد الرواية فيه أكثر من مجهول, فانتبه!.
والثاني: أن يكون الشيخ الصدوق (قدس سره) قد توهم عمن نقل روايتيه هاتين، وهذا ممكن بحد ذاته وإن كان مستبعداً عن مثل الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه)، إلا إن ما يثير الشك إن أي أحد غير الشيخ الصدوق سواء من عاصره أو مشايخه أو ممن نقل عنهم من كتب الأصحاب لم ينقل هاتين الروايتين، سواء بهذا السند أو بغيره، ولهذا فهو متفرد بهما، وعلى أي حال فإن صح هذا الأمر فإنه نقل الخبر من مصدر مجهول وإن كان للشيخ الكليني أو غيره.
وثانياً: نلاحظ إن السند مشكوك فيهما بسبب عدم وضوح من نقل عنه الشيخ الصدوق أساساً، فكما علمت مما تقدم فإن السند هو من أسانيد كتاب الكافي، ولا وجود لهما في الكافي أساساً، وفوق ذلك ففي الرواية أكثر من مجهول، ولا أقل من جهة إسماعيل بن علي القزويني، أما علي بن إسماعيل فإن كان الميثمي فحاله معروف؛ وإلا فهو مجهول أيضاً، والطريق إلى عاصم بن حميد بهذه الشاكلة غير معروف، ولهذا لا يمكن التعويل على الخبر بهذه الهيئة.
وتارة نلحظ ما في متن الرواية الأولى وخلاصته إن ما كتبه الشيخ الصدوق في هامش الرواية لا علاقة له بأصل الرواية، فمن الواضح إن الحديث فيما سبقه لا علاقة له بهذه القطعة،(12) ولهذا فإن الهامش؛ إما أن يكون قد حصل قطع في الرواية بحيث أن ما في المقدمة بعيد عن الهامش، ولكن من دون أن يشير إلى ذلك الراوي أو الشيخ الصدوق أثناء نقله للرواية،(13) إما أن يكون من خبر ثاني لم يبلغنا سنده، وبالتالي فهو ضعيف بالإرسال، وإما هو شرح من عنده أو استطراد منه وقد وقع في هذا الموضع لسبب أو آخر وبالنتيجة لا تعويل عليه، ومن الملاحظ أن هذا الاستطراد مشابه للسرد الذي عمد إليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في كتاب الإرشاد. (14)
نعم الرواية بحذف كلمة (من اليمن) وردت بعدة طرق وبألفاظ عدة متقاربة في العموم، وقد وردت بعضها بأسانيد صحيحة أو موثوقة، ولهذا ما يمكننا تأكيده أن هذه الكلمة الموجودة بالأساس في نسخة من نسخ كمال الدين وليس في جميعها وهي من إضافة النسّاخ أو من عملوا على تحقيق الكتاب، ولهذا نلاحظ إن جميع من نقلوا الخبر عن كتاب الشيخ الصدوق (رحمه الله)لم ينقلوا هذه الكلمة بتاتاً،(15) مما يجعل الإضافة حديثة عن عهد الشيخ الصدوق (رحمه الله)، مما يجعلها بالنتيجة خارج إطار الاعتماد والقبول.
رابعاً: ما رواه الشيخ النعماني في غيبته قال: علي بن الحسين، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن عبيد بن زرارة قال: ذكر عند أبي عبد اله (عليه السلام) السفياني فقال: أني يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء.(16)
وهذه الرواية التي تفرد بها الشيخ النعماني (رحمة الله عليه)، وبالرغم من انه يرويها عن الشيخ الصدوق، إلا إن الشيخ الصدوق لم يروها في كتبه إطلاقاً، وبالرغم من احتمال بعضهم بأنها صحيحة السند،(17) إلا إن واقع الحال يشير إلى أنها ضعيفة جدا من حيث التدقيق السندي فمحمد بن حسان الرازي لم تثبت وثاقته بل يشمّ من كلام الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه) ضعفه إذ يقول: محمد بن حسان الرازي: يعرف وينكر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً(18) .
ولكن الضعف بين جداً في محمد بن علي الكوفي وهو أبو سمينة وفيه قال النجاشي: ضعيف جداً، فاسد الاعتقاد، لا يعتمد في شيء، وكان ورد قم ـ وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ـ ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدة، ثم تشهر بالغلو، فجفي ، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم.(19)
والرواية في واقعها لا تشير إلى اليماني لو صحت، غاية ما تشير إليه أن ثمة رجل سيظهر قبل خروج السفياني يتسبب بكسر عين السفياني، وقد حمل بعض الباحثين هذا الكلام على إن هذا الرجل هو اليماني، وهو تحميل للرواية لما لا تحتمل، خاصة وإنها تتحدث عن خروج كاسر العين قبل خروج السفياني، بينما تتفق الروايات الصحيحة على إن خروجهما متزامن كما سيمر بنا في روايات اليماني،
وبالنتيجة لا دلالة فيها على إنه اليماني، وإنما تشير لرجل سيتسبب بكسر عين السفياني قبل خروج السفياني، وكسر العين إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، والروايات تشخص وجود خلل في عين السفياني قبل خروجه، وبمعزل إن كان هذا الخلل مادياً أو معنوياً، فإن هذا الرجل ربما هو من سيتسبب بهذا الخلل في شخصية السفياني، وبالنتيجة لا يدل على إنه اليماني، كما لا دلالة فيه على هوية هذا الرجل العقائدية، فقد يكون هذا الحدث منفك عن الوضع العقائدي الذي سيتولى السفياني مسؤوليته، ولهذا فلا مجال لعد الرواية في هذا الإطار.
خامساً: ما نسب للفضل بن شاذان (رحمه الله) في مخطوطة: مختصر إثبات الرجعة بروايته عن محمد بن أبي عمير (رض)، قال: حدثنا جميل بن دراج، قال: حدثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: استعيذوا بالله من شر السفياني.. إلى أن قال: أول من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس يخرج من بلاد الجزيرة له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينما هم كذلك يخرج السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان.. إلى أن يقول: وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة.
فأول من يقاتل السفياني القحطاني فينهزم ويرجع إلى اليمن ويقتله اليماني، ثم يفر الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني.
ثم يبعث السفياني جيوشاً... إلى أن يقول: ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شره، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى فيقطعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة وينتظر ظهور قائمنا (عليه السلام) حتى يتوفى! فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا.(20)
ونلاحظ إن هذا الخبر يتحدث عن يمنية اليماني ولا يكتفي بذلك وإنما يحدد ملكاً له هناك، ويتحدث عن ابنه، والغريب أنه مساق بسند صحيح، ولن نناقش في سنده فهو كما هو واضح من الأسانيد الجيدة، رغم وجود النقاش حول صحة نسبة هذه النسخة للفضل بن شاذان، والمحققة منشورة عن نسخة للحر العاملي (عليه رحمة الله) كتبت بخط يده على ما أشار إليه المحقق، ولكن يلحظ أن الشيخ المجلسي الذي اجتهد كثيراً في جمع المصادر الشيعية في كتابه بحار الأنوار، لم يعثر على الكتاب ولم يشر لأحاديثه مع شدة جهده من أجل أن يحوي كتابه على كل أخبار أهل البيت ع، ولكن رغم التقارب الزمني والاجتماعي ما بين العلمين إلا أننا لا نجد أن الأمر كان طبيعياً، فكليهما متقاربين وضمن بيئة واحدة، وقد أتعب الشيخ المجلسي نفسه من أجل تحصيل المصادر الشيعية، فلماذا لم يأت على ذكر هذا الكتاب، وبالرغم من أن هذا ممكنا من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية تحتاج إلى تدقيق كبير.كما ونلاحظ إن هذا الحديث قد تفرد به الفضل بن شاذان، ولم يذكر في أي مصدر بهذا الإسناد، وهذا مستغرب بشدة أيضاً، لأن العلماء لا يمكن أن يفوتهم حديث لمثل زرارة أو جميل بن دراج أو ابن أبي عمير (رضوان الله تعالى عليهم) وهم من أعلام الرواة وموثوقيهم، ولعل الإشكال ستعلوه الكثير من علامات الاستفهام حينما نجد بعضاً من الخبر في مصادر أهل السنة دون غيرهم تنقله عن كعب الأحبار (أحد مبتدعي الأحاديث اليمانية والمتهم بها)، (21)
ولكن مهما يكن حال السند، فإن ملاحظات كثيرة تدور حول محتواه ومتنه، فالمتن متناقض أولا مع روايات أهل البيت ع في أكثر من موضع، وثانياً: فيه اضطراب وتهافت كبيرين، فالخبر يشير أولاً إلى أن اليماني هو الذي يقتل السفياني، وهو مخالف لصريح الروايات بأن قتل السفياني سيكون على يد الإمام (روحي وأرواح العالمين له الفدا)، وقد يكون سفياني آخر غير السفياني الموعود، وهو محتمل في نفسه، ولكن سياق الخبر لا يوحي بأن المقصود غير السفياني الموعود.
والثاني إن الخبر يشير إلى أن اليماني لا يدرك الإمام (عليه السلام)، بل وابنه أيضاً، وهذا خلاف الروايات أيضاً، لأنه يخرج قبل فترة وجيزة جدا من ظهور الإمام (عليه السلام) كما هو صريح الروايات.
والثالث: يتحدث عن ملك اليماني في اليمن وخلافة ابنه بعده قبل ظهور الإمام (عليه السلام) ومع إن الروايات لا تتحدث عن ملك اليماني، ولكنه تشير إلى إن ساحة تمهيده المباشر تكون في العراق تحديداً.ولهذا لا يمكن التعويل على هذا الخبر.
سادساً: ما ذكره الشيخ المجلسي في البحار عن الحافظ البرسي في كتابه مشارق أنوار اليقين في رواية عن كعب بن الحارث قال: ثم يخرج ملك من صنعاء اليمن ابيض كالقطن، حسين أو حسن، فيذهب بخروجه غمر الفتن، فهناك يظهر مباركاً زكياً وهادياً مهدياً وسيداً علوياً.(22)
ونظير ذلك ما رواه ابن المنادي في الملاحم عن كاهن سماه بسطيح قال: ثم يظهر رجل من اليمن أبيض كالشطن،(23) يخرج من صنعاء وعدن، يسمى حسينا أو حسن، يذهب الله على رأسه الفتن.(24)
ومن الواضح إن الخبر لا علاقة له بأهل البيت (عليهم السلام) بل هو حديث الكهنة كما عرفه صاحب المشارق وكما عرفه صاحب الملاحم، ولعل المقصود بكعب بن الحارث هو كعب الأحبار رغم إن اسم كعب الأحبار هو كعب بن ماتع الحميري، وعموما لا تعويل عليه مطلقاً فإن كان كعب بن الحارث شخصاً آخر غير كعب الأحبار فهو حديث كاهن مجهول، وإن كان المتحدث هو كعب الأحبار فهو كذاب معروف، والحال نفسه في الراوي الآخر، فهو في أحسن الحال كاهن سجّاع لا تعويل على قوله، هذا على الرغم من إن محتوى الخبر لا يشير إلى أن من يتم الحديث عنه هو نفس اليماني، إذ يحتمل أن يكون الحديث عن شخص آخر.
سابعاً: وفي روايات العامة المنتشرة في كتب الشيعة ما رواه نعيم بن حماد المروزي في كتاب الفتن ما رواه عن سعيد أبو عثمان، عن جابر، عن أبي جعفر قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام فتكون بينهم ملحمة عظيمة ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون فيقاتلهما جميعا فيظهر عليهما جميعا ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده وله فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه.(25)
والخبر رغم انه ينتهي لأهل البيت (ع) إلا إن الطريق لا يوثق به، كما إنه يتناقض ظاهراً مع رواياتهم (صلوات الله عليهم) لا أقل في طبيعة معركة السفياني مع اليماني، ويتفرد في تلقيب أو تسمية اليماني بالمنصور، وكذا في القول بأنه يأتي من صنعاء، ناهيك عن وصف عين السفياني.
فالسفياني يتخلص من الأبقع وجنده في حركته الأولى قبل أن يسير إلى العراق ضمن صراعه في معركة الرايات الثلاثة (الأبقع والأصهب) في الشام ـ كما هو إجماع الروايات ـ وهي المعركة التي تحسم أوضاع بلاد الشام لصالح السفياني، وخروجه المقترن بخروج اليماني بمعية الخراساني ـ كما تؤكد الروايات ـ إنما يكون بعد انتهاء معركته الثانية في قرقيسيا، وظاهر بعض الروايات يشير إلى أن اليماني يقاتل الجيش السفياني بشكل مباشر بعد مذبحة الكوفة التي يتسبب بها السفياني الملعون.ولا تشير أية رواية لليماني بأن اسمه منصور أو لقبه أو صفته اللهم إلا هذه الرواية، وهي مما يتفرد به ابن حماد.
كما إن السفياني هنا الذي يوصف بالأخوص ـ أي صاحب العين الغائرة والصغيرة الضيقة ـ(26) يختلف عن الوصف الذي تشير إليه روايات أهل البيت ع.
تذييل: ومما يثير العجب في هذا المقام ما اتجه إليه أحد الأفاضل الأعزة حينما حاول أن يتخلص من رواية مخالفة لما تواتر عليه حديث أهل البيت ع في شأن خروج الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من مكة المكرمة، وتصريح هذه الرواية بأن الإمام المهدي (صلوات الله عليه) يخرج من قرية في اليمن يقال لها: كرعة!! فقال: وجاء في بعض الروايات عن المهدي (ع) أنه يخرج من اليمن من قرية يقال لها: كرعة، ولا يبعد أن يكون المقصود به اليماني الذي يبدأ أمره من هذه القرية.(27)
واستقرب في موضع آخر ذلك فقال معقباً على الرواية: فالأقرب فيه عندنا أن وزيره اليماني الذي يظهر قبله ببضعة أشهر يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة ثم من صنعاء كما تذكر بعض الروايات.(28)
والحقيقة خلاف ذلك، فالرواية التي رواها الشيخ أبو القاسم الخزاز في كتابه كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر (ع)(29) ضمن حديث طويل، أو ما رواه الشيخ الإربلي في كشف الغمة عن عبد الله بن عمر،(30) وأخذها من بعدهما من أخذه من مؤلفينا تنطوي على ثلاثة مفارقات، فهي أولاً عامية، وهذا المقطع مشار إليه في عدة من مصادر العامة،(31) وسندها على الأقل مجهول إن لم نقل بقدحه، والثالثة: إنها تتحدث بشكل محدد عن الإمام المهدي (عج) دون أي إشارة لأي شخصية أخرى، فتحميلها على اليماني غير وارد أصلاً، هذا كله ناهيك عن مخالفتها الصريحة لما جاء بروايات صحيحة ومتواترة لدى الطرفين من أن الإمام (صلوات الله عليه) إنما يخرج من مكة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ على خلاف تصنيف هذه الروايات في علم الحديث.2ـ عيون الحكم والمواعظ: 244 علي بن محمد الليثي الواسطي.؛ دار الحديث قم.3ـ الخصال: 303 ب5 ح82، وكمال الدين وتمام النعمة: 649 ب57 ح1 بفارق طفيف في بعض نسخه.4ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة: 129 ح131 وفيه: خروج اليماني.5ـ انظر ما نقله عنهما الطبرسي في كتابه إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 279. وكذا الشيخ المجلسي في البحار في مواضع عدة منها ج52: 203 وفيهما ما في سابقهما: خروج اليماني.6ـ وهو الصحيح وفي الأصل ابن عاصم، وهو شيخ الصدوق وهو طريقه لكتاب الكليني، وقد ترضى عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه.4: 5347ـ لم نجد الرواية في الكافي الشريف.8ـ كمال الدين وتمام النعمة: 327ـ328 ب32 ح7.9ـ كمال الدين وتمام النعمة: 331 ب32 ح16.10ـ فالحديث يرويه الشيخ الصدوق عن تلميذ الشيخ الكليني وراوي كتابه الكافي، وعن الشيخ الكليني من بعده، ومن الواضح إن الرواية بهذا الطريق هي طريق الشيخ الصدوق للشيخ الكليني، كما نص عليه في مشيخة من لا يحضره الفقيه 4: 534.11ـ الكافي 1: 8ـ9.12ـ وجميع من نقل الخبر الأول لم يتعرض لهذه الحاشية ابدا13ـ ويقويه إن النص موجود بنفس السند ولكن برواية مختلفة عن مقدمة هذه الرواية، وهو ما سنشير إليه في محله.14ـ الإرشاد 2: 368.15ـ انظر: الشيخ الإربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 33، والشيخ الطبرسي في إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 233، والشيخ المجلسي في البحار 51:: 218، والشيخ بهاء الدين النجفي في منتخب الأنوار المضيئة: 308، بل حتى ممن هو قريب العهد كالشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 1: 196 والميرزا محمد تقي الأصفهاني في مكيال المكارم 1: 71..16ـ غيبة النعماني: 277 ب14 ح60.17ـ عصر الظهور: 148 للشيخ علي الكوراني.18ـ رجال النجاشي: 338 رقم903.19ـ رجال النجاشي: 332 رقم894.20ـ مختصر اثبات الرجعة وهو منسوب للفضل بن شاذان، وهو منشور عن نسخة للحر العاملي في مجلة تراثنا العدد 15 ص215 ح16 وبتحقيق السيد باسم الموسوي.21ـ نقله في عقد الدرر عن محمد بن عبيد الكسائي في قصص الأنبياء، انظر عقد الدرر في أخبار المنتظر: 115 ليوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي.22ـ بحار الأنوار 51: 163 عن مشارق أنوار اليقين للحافظ البرسي.23ـ الشطن: الحبل، ولعله أراد انه طويل ضعيف.24ـ الملاحم: 53 ح10ـ1 للحافظ أحمد بن جعفر المعروف بابن المنادي البغدادي (ت 336هـ)؛ تحقيق: عبد الكريم العقيلي.25ـ كتاب الفتن: 174 لنعيم بن حماد المروزي؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت 1993. تحقيق الدكتور سهيل زكار.26ـ تاج العروس 9: 277 للزبيدي؛ تحقيق علي شيري؛ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ لبنان.27ـ عصر الظهور: 244.28ـ معجم أحاديث الإمام المهدي (عج) 1: 296.29ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 150.30ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 269.31ـ الكامل في ضعفاء الرجال 5: 295 لابن عدي، في ترجمة عبد الوهاب بن الضحاك، وميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 2: 680 رقم 5316 في ترجمة عبد الوهاب بن همام الصنعاني.
https://telegram.me/buratha