( بقلم : سماحة الشيخ جلال الدين الصغير )
القسم الثالث: الأحاديث الشخصية.وفي هذا القسم سنلمس إن الروايات الشريفة ركّزت الحديث عن الهوية الشخصية لليماني، ولا نقصد بالشخصية هنا مواصفات هويته الذاتية ومن أي عشيرة هو، وإنما تحدثت الروايات عن اليماني كنهج وخط، وهذا القسم هو الأهم من بين الأقسام الأخرى للكشف عن هوية اليماني، لأنه يركّز على الجانب القيمي والموضوعي لليماني، فبينما عمل القسمين الأول والثاني على تقليص خيارات أدعياء السوء، نجد إن هذا القسم وإن كان سيتصدى لنفس المهمة إلا إنه سيتجاوز ذلك ليركّز على تبيان الخط العقائدي والعلاقة المتبادلة بين اليماني وبين الإمام (روحي فداه) من جهة، وبين اليماني وشيعة الإمام (صلوات الله عليه) من جهة أخرى، ورغم قلّة الحديث هنا إلا إننا ـ ولحسن الحظ ـ نظفر بحصيلة غنية عن ذلك.
فقد روى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده لابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (ع) قال: لما خرج طالب الحق،(2) قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): ترجو أن يكون هذا اليماني؟ قال: لا، اليماني يتوالى علياً، وهذا يبرأ منه.(3)
وهنا يبرز الإمام الصادق (عليه السلام) الهوية العقائدية لليماني، فهو يتوالى علياً (صلوات الله عليه).
وفي رواية طويلة للإمام الباقر (صلوات الله عليه) تقدم سندها قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتّبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإن رايته راية هدى، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. (4)
وهذه من أهم الروايات التي أفصحت عن محتوى منهج اليماني، وحددت طبيعة المسؤولية تجاهه بما لم تحدده مع أية راية هادية أخرى.
وفي رواية صحيحة ذكرها الشيخين الطوسي والمفيد عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني، لأنه يدعو إلى الحق.(5)
وفي خاتمة الرواية التي نقلناها عن الشيخ المجلسي في ما نقله عن كتاب سرور أهل الإيمان عن أمير المؤمنين (ع) في الحديث الذي يظهر فيه إقبال خيل اليماني والخراساني إلى الكوفة بعد المذبحة التي يرتكبها السفياني الملعون فيها يقول: إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان شعث غبر جرد، أصلاب نواطي وأقداح، إذا نظرت أحدهم برجله باطنه فيقول: لا خير في مجلسنا بعد يومنا هذا، اللهم فإنا التائبون، وهم الأبدال الذين وصفهم الله في كتابه العزيز: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. (6)
وفي مجموع هذه الروايات نلاحظ التالي في مشخصات اليماني:
أولاً: هويته العقائدية منصبة على ولاية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه).
ثانياً: من بين كل الرايات التي ترفع باسم الهدى كراية الحسني والخراساني وشعيب بن صالح قبل الالتحاق بالإمام (روحي فداه) فإن راية اليماني هي الأهدى.
ثالثاً: إن سر أهدى الرايات لأنه لا يملك دعوة خاصة دنيوية به، وإنما يسعى باتجاه الدعوة للإمام (صلوات الله عليه)، ويبدو أن الدعوة للإمام (عليه السلام) هي همه الأوحد.
رابعاً: وجوب نصرته وعدم حلية الالتواء عليه ومعاندته، لأنه يدعو إلى الحق، ومن فعل خلاف ذلك فهو من أهل النار.
خامساً: لديه خزين ضخم من الغضب لحق شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولهذا لا يرى خيراً في القعود بمجلس ما لم يأخذ بثأر المظلومين من أهل الكوفة.
سادساً: لديه تحالف عسكري كامل مع الخراساني على ما يبدو، والدليل ما في وصف الرواية الأخيرة.
سابعاً: شجاعته الكبيرة واستعداده الكامل لمجابهة طغيان السفياني ومواجهته ومقاتلته، وحرصه على الدفاع عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق، ولهذا تراه يوقّت خروجه بإقبال السفياني باتجاه العراق.
ثامناً: لديه من المشهورية والشأنية الأمنية والعسكرية بحيث يجعله أحد الأقطاب العسكرية الثلاثة التي تبرز في الساحة العراقية القادرة على تشكيل منظومة دفاعية، بعد انهيار القوة العسكرية في قرقيسيا على الحدود العراقية السورية.
ومن الواضح إن هذه الخطوط بعضها يرتبط بجوهر منهاج اليماني في التحرك، وبعضها يرتبط بمعطيات هذا التحرك ونتائجه، وسنعود للحديث المفصل عن كل ذلك في الأسطر القادمة إن شاء الله.
يتبع ان شاء الله
الهوامش:ــــــــــــــــــ1) ناقشنا مصداقية الرواية في بحث: هوية اليماني وستأتيك في الأسطر القادمة إن شاء الله.2) من رؤوس الخوارج3) أمالي الطوسي: 661 ح1375.4) غيبة النعماني: 264 ب14 ح13.5) غيبة الطوسي: 446ـ447 ح443، والإرشاد 2: 375.6) بحار الأنوار 52: 274. ولا تخلو بعض العبارات من تصحيف.
https://telegram.me/buratha