( بقلم : سماحة الشيخ جلال الدين الصغير )
اليماني في حديث أهل البيت عليهم السلامكما أشرت آنفاً فإن حديث أهل البيت (صلوات الله عليهم) عن اليماني اتسم بقلّته، ولكن هذه القلّة في الحديث لم تمنع من كشف جانب من منهج اليماني وطبيعة خطه، وسنحاول هنا أن نستوضح جانباً من ذلك، حيث سنجد إن الحديث عن اليماني في حديثهم (عليهم السلام) يمكن تقسيمه إلى أقسام ثلاثة، وهذه الأقسام هي:القسم الأول: الأحاديث الزمانيةركّز هذا القسم على تشخيص زمن محدد لليماني، وتم رد كل زمن آخر غير هذا الزمن، وأن خروجه يكون قبل الإمام (روحي فداه)، وهذا القسم من الحديث استخدم لرد مدّعي المهدوية من جهة، فلابد أن يتقدم اليماني قبل الظهور بحيث يكون دالاًّ عليه، لاسيما وأن اليماني هو من الشرائط الحتمية لظهور الإمام حسب وصف الروايات،(1) ومن جهة لرد مدّعي اليمانية ـ إن صح التعبير ـ، إذ إن اليماني يخرج في وقت محدد قدر له أن يكون في شهر ربيع الثاني، قبل ظهور الإمام بتسعة أشهر كما سيأتي بناء على الروايات التي تؤرخ الظهور بالعاشر من المحرم، ففي حديث للإمام الرضا (عليه السلام) وهو يرد إدعاء احدهم بأنه هو القائم(2) قال كما يروي النعماني عن محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن علي بن عاصم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني(3) وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا، هذا؟(4) وفي حديث ابن عقدة، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه؛ ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.(5) وفي رواية صحيحة أوردها الشيخ الطوسي عن الفضل بن شاذان، عن [محمد بن أبي عمير]، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة؛ السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد..أهـ.(6) وكذا ما أورده النعماني، عن علي بن أحمد، عن عبيد الله بن موسى، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: اليماني والسفياني كفرسي رهان.(7) يشير الحديث هنا إلى أن زمن اليماني سيكون متزامناً تحديداً مع زمن الخراساني والسفياني بشكل دقيق، وباعتبار إن السفياني الملعون والإمام المهدي (روحي فداه) في سنة واحدة كما هو صريح حديث محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: السفياني والقائم في سنة واحدة،(8) فيكون اليماني والإمام المهدي (صلوات الله عليه) في سنة واحدة أيضاً.ونرى هنا أيضاً إن الأحاديث أشارت بشكل عام إلى خروج اليماني في هذا الزمن، مما يعني أن خروجه براية الحرب محددة في هذا الزمن، ولكن هذا لا يمنع من وجوده في الزمن الأسبق لذلك على مستوى الشهرة أو الوجاهة أو الشأنية في عالم السياسة أو في عالم المنتظرين، وإن كان الراجح أن يكون الرجل من أصحاب الشأنية السياسية والأمنية الطاغية في محيطه، بحيث يقرن بالأسماء المتبقية، وسيأتي الحديث عن ذلك لاحقاً.القسم الثاني: الأحاديث المكانيةوفي هذا القسم من الأحاديث أشارت الروايات إلى مكان عمل اليماني والساحة التي يخرج لأجلها، وما يجب الإشارة إليه هنا هو أني لم أجد في هذه الأحاديث أية إشارة من قريب أو من بعيد يمكن أن تفيد في تشخيص مكان لساحة عمل اليماني قبل ظهور الإمام المهدي (روحي فداه) غير العراق، مع تأكيدنا على ما توصلنا إليه في فصل (هوية اليماني) من أن الروايات الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) لم تتطرق أبداً إلى كونه يخرج من اليمن، أو أن له علاقة بالساحة الحضارية والاجتماعية في اليمن، وكل ما موجود في هذا الصدد إنما هو روايات أهل العامة وكتبهم.وهذا القسم كسالفه يحاول أن يقلّص الخيارات على الأدعياء، فكما رأينا في القسم الأول كيف يتم تحديد زمن اليماني؛ لكي يقطع الطريق أمام أدعياء المهدوية واليمانية على حد سواء، هنا أيضاً يتم التحدث عن مكان محدد توخياً لنفس الأسباب السالفة.وفي هذه الروايات سنلاحظ أن بعضها يتحدث عن حركة أو إقبال أو سير لليماني باتجاه ساحة معارك السفياني تحديداً دون أن تحدد للوهلة الأولى مكان هذه الساحة ففي رواية علي بن أحمد البنديجي، عن عبيد الله بن موسى العلوي، عن محمد بن موسى، عن أحمد بن أبي أحمد الوراق، عن يعقوب بن السراج قال: قلت لأبي عبد الله: متى فرج الشيعة؟ قال: إذا اختلف بنو العباس... إلى أن قال: وظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني خرج صاحب هذا الأمر.(9) وفي رواية طويلة يرويها العلامة المجلسي عن كتاب سرور أهل الإيمان عن السيد علي بن عبد الحميد بإسناد يرفعه إلى الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فبعد أن يتحدث عن مذابح السفياني في الزوراء (وهي بغداد) والكوفة قال: فبينما هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنهما فرسي رهان، شعث غبر جرد..الخ.(10) وروى الكليني عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال: إذا اختلف... إلى أن قال: وخلعت العرب أعنتها،(11) ورفع كل ذي صيصية صيصيته،(12) وظهر الشامي(13) وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر.. (14)وفي دلائل الإمامة روى الشيخ الطبري باسناده إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار، عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أنه قال في حديث طويل: يا ابن مهزيار ـ ومد يده ـ: ألا أنبئك الخبر؛ إنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني،(15) وبويع السفياني يأذن لولي الله.(16) وفي رواية عامية للشيخ الطوسي(17) في كتاب الغيبة بإسناده إلى عمار بن ياسر(18) وهي تشير إلى معركة قرقيسيا ونتائجها قال: ويسبق عبد الله، عبد الله، حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر، ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة [إلى] السفياني، فيسبق [فيتبع] اليماني فيقتل [قيساً بأريحا] ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (صلى الله عليه وآله)... الخ.(19) وهنا نلحظ أن الأحاديث الشريفة استخدمت كلمة السير والإقبال لليماني، وهذه مرتبطة بالمكان، وفي بعضها تصريح بأن الإقبال يكون للكوفة، وفي بعضها لا يتكلم الخبر إلا عن حركة اليماني دون أن يشير إلى المكان، والرواية الوحيدة التي تشير إلى مكان لليماني خارج الكوفة ـ على ما يبدو ـ هو الرواية الأخيرة والتي تشير ـ على فرض صحتها ـ ولكن من الواضح إن موقعية اليماني فيها هو داخل العراق.ومن الملاحظ أن الروايات الشريفة أشارت في مجموعة القسم الأول السابقة إلى أن اليماني والسفياني والخراساني يستبقان كفرسي رهان، وهذا السباق إنما يكون مختصاً بالساحة العراقية دون غيرها، فحركة الثلاثة حينما تقترن بوقت واحد كما في الروايات السابقة، إنما تكون مكانياً متلازمة مع حركة السفياني، فاليماني والخراساني إنما يخرجان لرد كيد السفياني، والسفياني في الحدود الزمانية والمكانية لهذا التلازم إنما يقصد العراق تحديداً بعد انتصاره في قرقيسيا، ولهذا فإن حديث الروايات ضمن هذا المقطع إنما تحدد العراق كساحة لحركة اليماني بعد ظهور السفياني وقبل ظهور الإمام (صلوات الله عليه)، وهي فترة تحدد بتسعة أشهر كما هو صريح العديد من الروايات(20) ، ومن الواضح إن معركة الخراساني واليماني ضد السفياني في العراق لا تنتهي إلا بعد دخول الإمام المنتظر (روحي فداه) إلى العراق، إذن فالحديث هنا سينحصر في العراق.أما من أين يقبل؟ ومن أين ينطلق سيره؟ فالروايات تسكت عن ذلك، ولا تتحدث عنه، وسنحاول أن نكتشف ذلك في حديث لاحق.يبقى أن نشير إلى رواية مضطربة وغريبة عن سياقات أحداث روايات اهل البيت (عليهم السلام) ذكرت في مخطوطة تنسب للفضل بن شاذان تحت اسم مختصر إثبات الرجعة(21) وقد ذكرت جملة من التحركات لليماني خارج العراق وفي اليمن تحديداً، وسنناقشها بالتفصيل إن شاء الله في الأسطر القادمة، وسنعرف بأن الرواية لا يمكن الاستناد إليها لأنها مضطربة جدا في متنها، وغريبة بشكل يمكن معه الاطمئنان إلى عدم صحة نسبتها إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)يتبعالهوامش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــ1 غيبة النعماني: 262 ب14 ح11.2 لعله محمد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا أو غيره.3 لعله تصحيف كلمة الخراساني.4 غيبة النعماني: 262 ب14 ح12.5 غيبة النعماني: 255ـ256.6 غيبة الشيخ الطوسي: 446ـ447 ح443، والشيخ المفيد في الإرشاد 2: 375.7 غيبة النعماني: 305 ب18 ح15.8 غيبة النعماني: 267 ح36.9 غيبة النعماني: 270 ح42.10 بحار الأنوار 52: 274 ح167.11 أعنة الخيل: لجامها الذي يمسك بها.12 صياصي البقر: قرونها، والصياصي: الحصون.13 الشامي وفقا لبقية الرواية هو السفياني.14 الكافي 8: 225 ح285.15 هنا تصحيف ظاهر، والصحيح: اليماني كما في المحجة فيما نزل في القائم الحجة (ع). انظر مكيال المكارم فيما نزل في الإمام القائم 1: 271.16 دلائل الإمامة: 542 ح522.17 الرواية ليست من حديث أهل البيت (عليهم السلام) وإسنادها عامي، ولكن ورودها في كتاب غيبة الشيخ الطوسي جعلني أتوقف عندها.18 وهي نفس رواية نعيم بن حماد في كتاب لفتن، ولعل لفظها في الفتن أصح مما في غيبة الطوسي انظر كتاب الفتن 183، وما بين المعقوفتين منه.19 غيبة الطوسي: 464 ح479 وكتاب الفتن: 183 وما بين المعقوفتين منه.20 غيبة الشيخ الطوسي: 462 ح477، وغيبة النعماني: 316 ب18 ح1421 ناقشنا مصداقية الرواية في بحث: هوية اليماني وستأتيك في الأسطر القادمة إن شاء الله.اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha