( بقلم : سماحة الشيخ جلال الدين الصغير )
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيد الأنام حبيب إله العالمين محمد وعلى الهداة الميامين من أهل بيته الطيبين الطاهرين.
منذ باكورة وعيي للقضية المهدوية أسرتني شخصية العبد الصالح ((اليماني))، وتحديدا فقد بهرتني قضية أن يطلق أئمة أهل البيت ع على رايته وصف ((أهدى الرايات)) بمعية حضور رايات أساسية وحاسمة في معركة الهدى كراية ((الخراساني)) وراية ((الحسني)).
إن هذا التمييز بين رايته والرايات الهادية الأخرى فيه دلالة بالغة الخطورة لا يمكن للمرء المؤمن أن يستغني عن التمعن فيها، لاسيما وأن زمنه يوصف من قبل رواياتهم (ع) بأنه زمن الفتن الشديدة والتي سيطاح معها بدين الكثيرين وبإيمان العديدين، وستتجاذبهم تيارات سوء العاقبة وأمواجها يميناً ويساراً لتطيح ليلاً بمن كنا في الصباح نحسبه مؤمناً، وستتقاذفهم لججها لتذهب صباحاً بمن كان يعدّ ليلاً من المؤمنين، ولذلك فإن مثل هذا الوصف الذي وصف فيه هذا العبد الصالح يغدو مغرياً ومثيراً بشكل كبير لمن يهمه أين سيكون موقعه يوم غد!!
وسط هذا الإغراء الكبير وجدت نفسي متشبثا بقصة هذا العبد الصالح، فطفقت مع الأيام أبحث عن مواصفاته، وقلبت لذلك عشرات المجلدات وأنا أحاول أن أتقفى أثر هذه الشخصية العظيمة، فعاد بحثي المضني بعدد هو الأقل من نوعه من الروايات، بشكل لا ينسجم مع ضخامة هذه الشخصية وفق ما ذكرته روايات أهل البيت ع، وبأفكار متناقضة طرحتها العديد من الكتب التي تناولت هذه الشخصية الحاسمة، في الوقت الذي لم يخل الكثير من هذه الكتب بأفكار جاءت مختلة مع طبيعة ما طرحه أهل البيت (صلوات الله عليهم) عنه.
ومن الواضح جداً إن هذا العدد القليل من الروايات التي وردت بحقه رغم سمو وصفه فيها، يتعمد إبقاء هذه الشخصية بمحيط من الغموض المتعمد لأسباب عدة سنفصل الحديث عنها لاحقا، ولكن هذا الغموض الذي لا نلحظه مسلطاً على بقية الشخصيات الهادية، ربما يبين في نفس الوقت القدر الكبير من الأهمية الذي أولته نفس هذه الروايات لمنهج هذه الشخصية، فلولا خطورة هذا المنهج والذي بموجبه تحول إلى أهدى الرايات، لما تم إحاطة مهندس هذا المنهج وراعيه بكل هذا الغموض!
إلا إن ما يجعل المرء يتأسف إن هذا الاهتمام الذي سنلحظه في روايات أهل البيت ع بهذه الشخصية الأساسية من شخصيات عصري التمهيد والظهور، لم يقابل من قبل الكثير من الكتّاب والمحللين إلا بإجحاف وظلم كبيرين، فما بين كذّاب مفتر أدعى لنفسه هذا المقام، وراح يروّج عن نفسه إنه هو اليماني كما نلحظ ذلك في عدة من الدجّالين المعاصرين كدجال البصرة الذي حاول أن يوهم الغرّ والجهلة بأنه هو اليماني، وبين من حاول أن يسقط تحليلاته الذاتية على أهوائه ومشاعره تجاه فلان أو فلان فراح يصفهم بأن هذا أو ذاك هو اليماني!!
إن هذا المنهج فيه من الخطورة ما يفزع أهل التحقيق، فاليماني من الشرائط الحتمية التي سيتزامن خروجها مع أشهر قليلة من ظهور الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) وبالتالي فالتشخيص بأن فلانا أو فلانا هو اليماني يستدعي الاستعداد لما يترتب عليه من بعد ذلك، ولو لم يحصل فإن الأمر سيشكل خطراً كبيراً على إيمان الناس ومعتقداتهم، فهب أن زيدا قلنا بأنه هو اليماني فإن المترتب عليه هو الانتظار لأشهر قليلة لكي يظهر الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وهذا ما يعني؛ إما وضع الناس أمام ظلال كبير في إمكانية اعتقادهم بمهدي دجال كما حصل في قضية الدجال ((قاضي السماء))، وإما أن نضعهم أمام وصف أهدى الرايات واستحقاقاته الإيمانية، فالطاعة هنا واجبة، أو ما يشبه الواجب في كون الراية هي الأهدى، عندئذ كيف سيكون الأمر لو أطاع الناس من لا حق لهم بطاعته؟ ومن سيتحمل مسؤولية ذلك؟ هذا ناهيك عن إن تشجيع العوام على مثل هذا المنهج فيه من المفاسد ما لا يخفى على ذي لب، ولو قدّر لأهل البيت ع أن أحاطوا هذه الشخصية بكل هذا الغموض، فهل يا ترى يحق لأحد ـ أي كان ـ أن يكشف النقاب عنها حتى لو علم علماً يقينياً بهويتها!! أن هذه الشخصية هي فعلا اليماني الذي تحدثت عنه روايات أهل البيت ع. فتأمل.
وكنت ولسنوات مصراً على عدم الكتابة عن شخصيات الظهور رغم إلحاح العديد من طلبتي الأعزاء والعديد من الأصدقاء، إلا إن كتاباً وقع في يدي لأحد الأفاضل دفعني ـ بعد تردد ـ لكي أمسك القلم لأخط هذه السطور لما وجدت فيه من منهج للتعامل مع هذه القضية الحيوية بطريقة قد تؤسس لوعي لا يخدم قضية الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين له الفدا) خصوصاً وإن الكتاب صدر عن جهة يعوّل عليها ـ إن شاء الله ـ بالإسهام بتوعية أصيلة لقضية شائكة وخطرة كقضية الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ولا أدعي لنفسي العصمة فيما كتبت، ولكنها محاولة للتقيد بما تحدّث عنه أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومحاولة وضع هذه الأحاديث في إطارها المنسجم مع ما أراده صاحب النص (عليه السلام)، فإن وفقت في ذلك فالفضل والمنّة لهم (بأبي وأمي)، وإن شططت والعياذ بالله فمن نفسي، وأملي أن يغفر لي القارئ الكريم أي سهو أو زلل فحسبي أني أردت الإصلاح والاستقامة وفق ما أُمرت، وآخر دعوانا أن الحمد لله أولا وآخرا، وصلواته وسلامه على رسوله وآله الطاهرين أبداً.
https://telegram.me/buratha