المقالات

تأملات في واقعنا المعاش (٣) مقالة لسماحة السيد صادق محمد باقر الحكيم

1830 2018-12-12

تأملات في واقعنا المعاش (٢)

 

 

 

وكذلك هناك ركيزة أو قاعدة أخرى، وهي حسن الخلق ومداراة الناس، وكذلك تعني في العلاقات الأساس والقاعدة الأخلاقية لمنهج الانفتاح في العلاقات، حيث لا يمكن أن يتحقق الانفتاح والتوسع في العلاقات إلا على أساس وجود القاعدة الأخلاقية في التعامل مع الآخرين؛ ولابد أن نفهم هنا أن المضمون الأخلاقي للعلاقات الاجتماعية في النظرية الاسلامية هو عبارة عن الحب والود، فهي ليست مجرد علاقة شكلية فارغة أو آلية ذات مصالح ومنافع متبادلة، بل هي علاقة عاطفية شعورية، لان العلاقات الاجتماعية لا تتكامل من خلال المصالح الشخصية أو العامة فحسب، وإنما تتكامل وتستحكم من خلال الحب والولاء والود بين أطرافها؛ ولا شك أن حسن الخلق والتودد والمجاملة ومداراة الناس تُعدُّ تعبيراً عن هذا الحب، حيث تكون الخطوة الاولى المهمة في هذا الطريق، وتزيل الحواجز والمؤثرات السلبية التي تمنع وجود هذا الحب، والتعبير عنه عندما تتكامل مقوماته وعناصره الأخرى التي سوف نشير إليها.

ولذا عندما نراجع احاديث الرسول وأهل البيت صلوات الله عليهم اجمعين، نجد ما يؤكد هذا المضمون وآثاره، فقد ذكر صاحب الوسائل الحر العاملي عن الكليني بسند صحيح، عن أبي جعفر عليه السلام (ابي عبد الله عليه السلام هكذا في المصدر) قال: ((إنّ أعرابياً من بني تميم أتى النبي صلى الله عليه واله فقال له: أوصني، فكان ممّا أوصاه: تحبب إلى الناس يحبّوك)). وكذلك نرى ان صاحب الوسائل قد خصص بابين في احكام العِشرة على حسن الخلق ومداراة الناس، وقد أورد فيهما أحاديث عديدة، تؤكد حقيقة ما ذكرناه أيضا، بحيث تربط تكامل الإيمان بالتودد، وذلك لأنه ورد أيضا ما يشير إلى أن الإيمان الحقيقي هو الحب، وأن الدين هو الحب.

وهنا نورد بعض النصوص (المعتبرة) التي تؤكد هذه الحقائق:

عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: ((إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً))، وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال: ((إنّ الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد))، وكذلك عن الصادق عليه السلام قال: ((إن حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم))، وعنه عليه السلام قال: ((أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقا))، وعنه عليه السلام قال: ((إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح))، وعنه عليه السلام قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض))، وعنه عليه السلام قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش..)) الحديث.. وعن سفيان بن عيينة قال: ((قلت للزهري: لقيت علي بن الحسين عليه السلام؟ قال: نعم لقيته، وما لقيت أحداً أفضل منه، وما علمت له صديقاً في السر ولا عدواً في العلانية، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لأني لم أرَ أحداً وإن كان يحبه إلّا وهو لشدة معرفته بفضله يحسده، ولا رأيت أحداً وإن كان يبغضه إلّا وهو لشدة مداراته له يداريه))، وعن فضيل بن يسار قال: (( سألت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال: وهل الإيمان إلّا الحب والبغض، ثم تأول هذه الآية: {..حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}))، وعن صفوان الجمال، عن أبي عبيدة زياد الحذّاء، عن ابي جعفر عليه السلام (في الحديث) أنّه قال له: ((يا زياد ويحك وهل الدّين إلّا الحبّ؟ ألا ترى إلى قوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ..}، أولا ترى قول الله لمحمد صلى الله عليه واله وسلم: {..حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ..}، وقال: {..يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ..}، فقال: الدِّين هو الحبّ، والحبّ هو الدِّين))، وان كنا نشاهد في هذه الروايات، أن المراد فيها من الحب هو حب الله تعالى، فلا شك أن حبّ المؤمنين في الله هو شعبة من شعب حب الله، كما ورد في النصوص. ومن ذلك ما رواه سلام بن المستنير، عن ابي جعفر (الباقر) عليه السلام قال: ((ودّ المؤمن [للمؤمن، خ] في الله من أعظم شعب الإيمان ألا ومن أحبّ في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله)). كما روي عن ابي عبد الله عليه السلام قوله: ((من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع في الله)).

ومن الله نستمد العون والتوفيق

الفقير والمحب في الله

صادق محمد باقر الحكيم

 

الحلقة السابقة :  تأملات في واقعنا المعاش (٢) 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك