المقالات

من أشد الضرورات إلحاحا

1568 2018-11-30

 

حميد الموسوي

 

الحقيقة التي يجب أن يعيها الجميع، وأن يسلم بها القاصي والداني، وأن يثقف عليها الحاضر والبادي هي أن عهد التهميش والاقصاء وامتهان الآخر قد ولى الى غير رجعة. ومن يحاول الغاء بقية مكونات الطيف العراقي واحتكار القرار فهو غارق في وهم الحكم الفردي الشمولي الذي لم يعد له مكان في العراق. وأن حكومة الوحدة الوطنية ليست شعارات فضفاضة ولا لافتات براقة للتسويق والاستهلاك المحلي بل هي حكومة تستوعب كل اطياف ومكونات الشعب العراقي الصابر دون استثناء أو تمييز. ومن هنا -وتأسيسا على هذه الحقيقة- نصّر على إشراك الجميع في الحوارات والمباحثات للحيلولة دون الانفراد بطرح الآراء والأفكار مهما كانت بساطتها بحيث يعرف المشاركون أن مقترحاتهم محل تقدير وترحيب وأن قبولها ورفضها متعلق بمدى ملائمتها للوضع الجديد، وبالمقدار النفعي الذي يصب في خدمة المجتمع وبناء العراق الجديد، كما أن رفضها بسبب أو لآخر لا يعني تهميش أو إقصاء مقترحيها. لا بل يتجاوز الأمر ذلك ويتعداه عند مناقشة القرارات الهامة والتي على تماس مباشر بالحياة اليومية للمواطن الى إشراك مؤسسات المجتمع المدني ليتسنى للرأي العام الاطلاع على الأهداف المرجوة من ذلك القرار قبل أن تفاجئ الجماهير بمفرداته المعلنة.

إن مرحلة الشد والجذب في تشكيل الحكومة الدائمة وما صاحب مسارها من تلكؤ وعثرات ستمر شأنها شأن سابقاتها من الشدائد والأزمات والمخاضات العسرة والمؤلمة ولا ضير فصعب العلا في الصعب، والسهل في السهل وهل تكون الحياة عظيمة بغير ألم عظيم؟.

ففترة السنوات الأربعة المقبلة تتطلب من الحكومة بكل مفاصلها تفعيلا جادا لدور القوى الوطنية المجتمعية لتكمل دور الحكومة في مرحلة البناء واعطاء الجماهير زمام المبادرة في تشخيص الانحرافات التي ترافق الممارسات الاقتصادية والانشطة الادارية والخدمية لأجهزة الحكومة. حيث أن وجود الجمعيات الانسانية، والمنظمات الشبابية، والنسوية، والنقابات المهنية والحرفية يساعد بشكل واضح في بلورة الحالة الديمقراطية إذ تساهم هذه القوى -المنفصلة عن الحكومة من جهة والمرتبطة بها عن طريق التمثيل البرلماني- تساهم بالحد من سلطات الحكومة بالقدر الذي يبرز الحالة الديمقراطية كممارسة عملية ميدانية. ومثلما يحتاج النشاط الجماعي الى الاشتراك الفعلي في العملية السياسية فإنه يحتاج بالمقابل الى متابعة مستمرة لسلوكه ومراقبة التفاعلات التي تحدث بين أعضائه لتذليل الصعوبات قبل أن تتفاقم وتحجيمها. كما إن مسالة إصدار القرارات منوطة بالدراسة الوافية للظرف المرافق والموافق أو المعارض للنتائج المتوخاة من إصداره فالقرار الناجح مرهون باختيار اللحظة المناسبة والظرف الملائم والاستعداد الكافي وإلا فسيكون متخبطا وفاشلا بالنتيجة.

وقد يؤدي تنفيذه الى مضاعفات ونتائج عكسية تضطر المعنيين الى إلغائه، وهذا الاجراء بحد ذاته يسبب حرجا وضعفا لمصادر ذلك القرار.

إن العمل الجماعي يتميز عن المحدودية الرسمية وقيودها بالانفتاح على التجارب العالمية والاستفادة منها بوضع آليات عمل ديناميكية متطورة تتماشى جنبا الى جنب مع الطفرات التي تخطوها أنظمة العالم المتمدن يوما بعد آخر وهذه النقطة بالذات توفر مرونة كافية في الاختيار والاداء وانسجام العمل.

لعل من أبرز مقومات نجاح الحكومة المقبلة التخطيط القائم على تراكم الخبرات، والاستعانة بالمختصين من خارج الإدارة لاسناد وتصويب عمل الملاكات الداخلية، على أن تكون هذه الخطوة مسبوقة بتحديد الأهداف وتقديم الأهم منها وفق متطلبات المرحلة والظرف الراهن. فخطوات بهذا التنسيق والتطلع البعيد للمستقبل من شأنها الابتعاد عن القرارات الفردية والحلول المتسرعة وهذا بحد ذاته يشجع كافة الأطراف على الدخول في العملية ويحث على الاستمرار في الحوارات التي تفضي الى ايجاد حلول لكل المشاكل المستعصية من خلال عرض البدائل من كل الأطراف المساهمة ليقع الاختيار على أفضلها مع مواكبة تقييمية مستمرة لنوع ومستوى الاداء في تنفيذ مضامين القرار.

لاشك أن التواصل بين السياسيين في داخل المؤسسة الحكومية من جهة وبينهم وبين مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى يجب أن ينصب على الموضوعات مثار الجدل متجاوزا الأشخاص وأن يكون مسألة فكرية تعترض وجود جسور مشتركة ومصلحة وطنية عليا فوق كل اعتبار وتبني كل ما من شأنه التمهيد للوصول الى الحلول المطلوبة، ونظرا لوجود الترابط والتداخل الكبيرين بين مهام القطاعات المختلفة والوزارات التي تتشكل منها السلطة التنفيذية صار من اللازم والحتمي أن تدعم الوزارات مؤسسات المجتمع المدني المرتبطة بها ثم يمتد التعاون ليشمل الوزارات الأخرى ولو على سبيل الاستشارة وابداء الرأي.

من المؤكد أن الآراء ستتعدد، وتختلف وتتصارع. وربما ستتفق في نهاية المطاف إذ لا بد أن تصل تلك الحوارات الى طرح ناجح يشمل جميع متبنيات الجهات المشتركة في الحوار خاصة وأن الكل يسعى الى تحسين ظروف العراق الأمنية والاقتصادية والسياسية والخدمية والاجتماعية.

عليه بات من أشد الضرورات إلحاحا تظافر جهود كافة الأحزاب والحركات الوطنية والهيئات والمؤسسات الاجتماعية، في صياغة برنامج وطني للبلاد يوضع امام الحكومة المقبلة ويساعدها في تنفيذ مشاريع اعمار العراق. على أن يحيط هذا البرنامج بكل ما يتمناه المواطن العراقي من استتباب الأمن والطمأنينة وتوفير فرص العمل واعادة الخدمات واصلاح الخراب الشامل الذي طال جميع مرافق الحياة في العراق فأمام هذا الكم الهائل من الضرورات، وإزاء هذا التراكم المهول من الأزمات والمخلفات تقف أي حكومة ومهما كانت قوتها عاجزة ما لم تكن مدعومة ببرنامج وطني شامل ومشاركة مخلصة من جميع مكونات هذا الشعب الصابر وحركاته السياسية ومؤسساته المدنية بحيث تنصهر آراؤها وأفكارها وطروحاتها متجانسة في سبيكة فريدة التكوين عالية المواصفات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك