المقالات

الدينار.. صاعد .. نازل

1551 2018-09-25

ضياء المحسن

منذ مدة ونحن نشاهد سعر صرف الدينار العراقي، وهو يتراجع بعد أن كان يحافظ على سعر صرف مستقر نوعا ما، الأمر الذي يتبادر معه سؤال كبير، ما هو السبب في تراجع قيمة الدينار؟ هل أن السبب في ذلك يرجع الى ضعف السياسات الإقتصادية التي يتبعها البنك المركزي؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟!!

القاصي والداني يعرف تركيبة الإقتصاد العراقي، فهو إقتصاد ريعي يعمل على محورين متناقضين؛ المحور الأول: أن إقتصاد الدولة يهيمن على 80% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يسمى توليد الدخل الوطني؛ بالإضافة الى مسؤوليته مسؤولية مباشرة عن توفير 99% من التدفقات النقدية الداخلة من النقد الأجنبي؛ وما يتبعه من إرتباط مباشر للإصدار النقدي للبنك المركزي بحركة تلك التدفقات. المحور الثاني: إقتصاد السوق الذي يمتلك الفاعلية الأكبر في الإدارة غير المباشرة لنتائج إقتصاد الدولة، وهو ما تعكسه الموازنة العامة في النفقات الحكومية والتي تمثل 60% من مجمل الإنفاق الحكومي. وما يؤشره من إنفراد لهذا السوق بالتدفقات الخارجة من البلاد من النقد الأجنبي، ورغبة السوق في الإستحواذ على العملة الأجنبية والمتراكمة من إحتياطيات البنك المركزي والتي تمثل غطاء لتلك الحقوق.

عندما يهيمن السوق الحر على مجريات الأمور في الإقتصاد، وإطلاق الحرية في عملية التحويل الخارجي بالإضافة لإستخدام سياسة الباب المفتوح في التجارة الخارجية للقطاع الخاص، ومع غياب الرؤية لإستراتيجية التطور والتنمية والنهوض بالواقع الإقتصادي، فإن الإقتصاد يتحول الى ثنائية شديدة من الريعية في توريد العملة الأجنبية الى التجارة الخارجية وتمويل تجارة الإستيراد ذات الطابع الإستهلاكي، الأمر الذي يجعل من العراق حاضنة للإستهلاك وتصديرها الى إقتصادات بلدان أخرى.

عمل البنك المركزي العراقي على مسك العصا من الوسط لتحقيق التوازن بين تناقضين هما: إقتصاد الدولة ومسايرة الإقتصاد الريعي، والأخر مجاراة السوق الحر؛ والتي تخدم النشاط التسويقي الداخلي وحركة الأموال نحو الخارج بغض النظر عن النتائج المتوخاة لبناء نموذج إقتصادي يولد حركة تدفقات داخلة وخارجة بالعملة الأجنبية بعيدا عن هذه الثنائية أو الإستقطاب الشديد بين إقتصادين مختلفين ( إقتصاد الدولة وإقتصاد السوق)، وبين تدفقات داخلة بالعملة الأجنبية يوفرها إقتصاد الدولة، وأخرى خارجة من العملة الأجنبية يلهث خلفها القطاع الخاص.

إزاء ذلك كله، ماذا كان رد فعل السلطة النقدية المتمثلة بالبنك المركزي العراقي؟ لقد مارس البنك المركزي العراقي سياسة تدخل في سوق الصرف ليصل الى مستوى مستقر لسعر الصرف" وهو ما لاحظه المواطن طيلة الفترة التي كان السيد الشبيبي محافظا للبنك المركزي" بحيث إستطاعت السلطة النقدية أن تحافظ على مستوى مستقر للأسعار، هبط التضخم من مستويات ذات المرتبتين العشريتين الى المرتبة العشرية الواحدة، أضف الى ذلك إرتفاع إحتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي الى المرتبتين العشريتين من حيث القيمة الدولارية " وهي الأعلى في تاريخ البلاد" ومع هذا فإن البنك المركزي لم يستطع حسم المعركة مابين إقتصاد السوق وتطلعه الى الربح، وما بين إقتصاد الدولة ونزوعه الى التفرد في محاولة منه للبحث عن الربح الإجتماعي؛ وهي نظرة تفتقر للرؤية الإقتصادية لحركة النظام الإقتصادي العراقي. الأمر الذي جعل من الإقتصاد العراقي ضائعا في محاولة منه للبحث عن حلول ناجعة، الأمر الذي نتج عنه تدهور في سعر صرف الدينار العراقي، إن التوجه نحو الحرية الإقتصادية، ومبادلة العملة الأجنبية بالحقوق الممسوكة بالدينار لغرض تحقيق الإستقرار الإقتصادي، فرض عبئا على السياسة النقدية للبنك المركزي للتدخل اليومي لبيع الدولار في محاولة للحفاظ على إستقرار سعر صرف الدينار العراقي أمام بقية العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي يحتاج الى قرار جريء يوضح الخطوط العامة للإقتصاد؛ فأما الإنتقال الى سياسة الباب المفتوح مع تحمل كافة التبعات من جراء الإستنزاف الحاصل في عوائد النفط لضمان رفاهية الفرد وإستقراره " مع غياب واضح لسياسة تنموية في بقية القطاعات الإنتاجية" الأمر الذي تقرره القيادات السياسية في البلد ولا دخل للبنك المركزي فيه بسبب عدم إكتمال معالم النظام الإقتصادي للبلد بعد أن كثر الحديث عن تحويل مبلغ 180 مليار دولار بين عامي 2003 و2012 ، ولدها إقتصاد الدولة بعد إنفاقه لنفس الفترة عبر الموازانت العامة مبلغ 450 مليار دولار، بقي فيها إقتصاد التنمية غائب لعدم وجود مناخ جاذبة للإستثمار وما لم تحسم الرؤية الاقتصادية لهذا التناقض، وتطلق آليات السوق الحر كما ترغب فيها القوى الاقتصادية الناشئة بعد العام 2003 ، فان نتائج الاستقرار الاقتصادي ستستمر مبهمة وستجعل البلاد تتعايش مع إضطراب أسواق صرف موازية الى أمدٍ غير معلوم في نتائجه وربما ستكون وخيمة في إستقرار الأسعار ومستوى المعيشة وتشكل هواجس يومية مؤلمة في الحياة الإقتصادية للأسر العراقية وعموم النشاط الإقتصادي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك