( بقلم : طالب الوحيلي )
حين سقط النظام البائد شعر جميع فقراء العراق وهم الاغلبية المطلقة في بلاد الرافدين ،شعر هؤلاء بتحررهم من الفقر والموت البطيء ،وان حقوقهم المهضومة لابد ان تعود اليهم مضاعفة او لنقول مضروبة بكل سنوات الحرمان وسنوات الظلم التي عاشها الشعب العراقي ،وقد عصم الكثير من ابناء شعبنا نفسه من التجاوز على المال العام حين اشيعت ظاهرة الانفلات الامني في الايام الاولى لسقوط النظام ،لاعتقادهم بحرمة اغتصاب هذا المال برغم شيوعه يحكمهم في ذلك التكليف الشرعي الذي هو اقوى من كل القوانين ،والايمان بعودة ذلك المال وأيلولته لهم بمجرد استتباب الامن واستقرار النظام السياسي الجديد الذي لابد ان يستمد شرعيته وأسسه وفلسفته من تاريخ هذا الشعب وتضحياته ،ورب معترض يحتج على هذا الرأي بادعاء اشتراك الجميع بذلك الخراب والسلب والنهب ،لكن الحقيقة هي اشتراك عوامل اخرى أهمها بقايا النظام البائد التي اعتبرت تخريب البلاد صفحتها الاخيرة في معاركها الخاسرة ،ومن باب (يا مغرب خرّب) ناهيك عن استراتيجية الخراب التي وضعها ذلك النظام اذا ما انهزم في معركته الاخيرة ،عدى ذلك تدخل اطراف دولية في تهديم البنى التحتية للبلاد ،وقد كان تصور القوى الدولية للاقتصاد العراقي الجديد ان يعتمد على العولمة وعلى الاقتصاد الحر دون ان تعي خصائص الاقتصاد العراقي واعتماده الأساسي على نظام التدخل الحكومي المباشر، حيث يتضاءل حجم القطاع الخاص كثيرا ،فيما تشكل نسبة القطاع العام اكثر من 70% ويستتبع ذلك حجم القوى العاملة فيه ،إضافة الى البطالة التي احدثها حل عدد من الوزارات المهمة ،كل ذلك يمكن ان يضع الشعب العراقي امام شبح الفقر العام ما لم توضع الحلول الإستراتيجية لمعالجة الحالة المعاشية قبل التفكير باستراتيجيات العولمة والاقتصاد الحر ..المواطن العراقي وجد في المنحى الوطني الديمقراطي لكتابة الدستور الدائم هدفه الذي سوف يضع في صفحاته كل أحلامه ومستقبل عياله وأجياله القادمة ،فالتحم مع رأي المرجعية الدينية والقوى المتصدية عبر تجارب الانتخابات وخرج بكل جدية لمنح صوته لمن يجد فيه الثقة والجدارة لتمثيله حكوميا وتشريعيا ،وتلك الثقة لم تكن اعتباطية بل نتيجة اعتقاد راسخ بان الذين سوف يفوزون هم من أبناء جلدته ومن ورثة دماء شهدائه ومن الذين اكتووا بعذاب جلاديه ،وذلك يعني تحديا كبيرا لاعدائه الطبقيين او العقائديين او السياسيين ،وتحديا لذاته التي يرعبها الخوف من انهيار تلك الثقة حينما يجد الناخب نفسه مجرد رقم على قائمة الانتخاب ،وان الصبغة التي التصقت بسبابته ستكون سببا لشتيمة نفسه كلما شعر بمرارة العيش وحرمانه حتى من أمانه المستفز أصلا ..
الظروف الموضوعية اليوم اكثر استقرارا وتهيئة من السابق في تقديم كل ما يرومه المواطن العراقي من استحقاقات ،لكن لا احد يتفق بان الدولة قادرة على منح ابسط احتياجات هذا المواطن لأسباب كثيرة ، أهمها الفساد الإداري والعجز عن تنفيذ المشاريع الضرورية ،خصوصا في محافظات الجنوب والوسط التي تسير من سيء الى أسوء ،والمشكلة ليست بعدم وجود المال او نقص الإنفاق حيث يشار الى مستوى الموازنة العامة كأكبر موازنة في تاريخ العراق ،لكن المشكلة في عدم القدرة على تنفيذ المشاريع او توجيه الإنفاق بصورة تدر بالنفع على المجتمع وتعكس المستوى المتحضر للشعب ،لذا ومن هذا المنطلق كان هاجس السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وزعيم الائتلاف العراقي الموحد ،وقد صاغ ذلك عبر خطاباته المتكررة ولاسيما خطبته الأخيرة التي القاها في الملتقى الحادي عشر للمبلغين والمبلغات في النجف الاشرف ،حيث دعا لأجل ان تتواصل مسيرة المنجزات ينبغي الالتفات إلى (الاهتمام بقضايا الناس عموماً ومعالجة مشكلاتهم اليومية بروح الاخوّة والمسؤولية، وانطلاقاً من الإيمان بالشراكة الإنسانية والوطنية، وإنني من هنا ادعوكم وأدعو كل مسؤول في الحكومة الى ايلاء هذه المسألة أولوية خاصة، وجعل هذا الموضوع من الهموم اليومية لكل واحد منّا ليشعر الجميع بالتضامن مع بعضهم، وقد نفى الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم صفة الانتساب لجماعة المسلمين عن اولئك الذين لا يهتمون بأمور المسلمين، فقد روي عنه أنه قال: (من اصبح ولم يهتم بامور المسلمين فليس منهم) او (فليس بمسلم) ..إننا نسمع من هنا وهناك عن بعض المسؤولين في الحكومة المركزية او الحكومات المحلية في المحافظات ما يندى له الجبين من بعض الممارسات التي تدل على استخفافهم بمعاناة الناس وآلامهم، وهذا امرٌ لا يمكن السكوت عليه)..
لقد اوجب سماحته على كل مبلغ او مبلغة ،والحديث يتسع أكثر ليشمل كل مواطن شريف وملتزم بالتكليف الوطني او الشرعي (الى ارشاد الناس نحو الطريقة الصحيحة للمطالبة بحقوقهم)وبذلك نكون أمام ثورة ثقافية ترسخ قدرة الفرد على معرفة حقه دون تاثير من الاعلام المغرض او تشويه من قبل زمر البعث الصدامي او الطائفي ،( وكشف كل مسيء يستهين بكرامتهم ويصادر حقوقهم)وهذا المسيء معروف الهوية والعنوان ان اريد العمل على كشفه واجتثاثه وذلك يتطلب اسناد قضائي يستطيع ملاحقة كل القوى التي اعلنت عدائها للتجربة السياسية الدستورية وتلطخت ايديها بدماء الابرياء او استمرأت أموالهم وثرواتهم دون وجه حق ،وعند ذاك يمكن ان ((نخلق رقابة شعبية حقيقية على اداء المسؤولين للمسؤوليات التي حملّهم إياها الشعب عبر انتخابه المباشر او غير المباشر وهو من أهم مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ورد في الآية الشريفة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطعيون الله ورسوله أولئك الذين سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)/ التوبة سورة ))71.
https://telegram.me/buratha