المقالات

هَل سَيكون حيدر العبادي ونِظامُه العِراقيّ أوّل ضحايا العُقوبات الأمريكيّة على إيران؟


*هَل سَيكون حيدر العبادي ونِظامُه العِراقيّ أوّل ضحايا العُقوبات الأمريكيّة على إيران؟ ولماذا نَتوقّع أن تأتي النَّتائِج سَلبيّةً على حُلَفاء ترامب في الخَليج أيضًا؟ وإلى متى سَتَطول الانحناءَة الإيرانيّة أمام هَذهِ العاصِفَة*؟

عبد الباري عطوان

ربّما يكون السيد حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، أبرَز ضحايا العُقوبات التي بَدأت حُكومَة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تَطبيقَها ضِد إيران، تمهيدًا لتَغيير النِّظام فيها، بسبب إعلانِه رَسميًّا الالتزامَ بِها ومُتطلّباتِها فَورًا، وإصدار قَرارٍ بوَقف استيراد السَّيّارات من المَصانِع الإيرانيّة.

الغالبيّة العُظمَى من الأحزاب العِراقيّة الشيعيّة، بِما في ذلك حِزب الدعوة، الذي أوصَل السيد العبادي إلى الحُكم، يُدين هَذهِ العُقوبات ويُعارِض الالتزام ببُنودِها، ولذلك سَيكون استمراره، أي السيد العبادي، في الحُكم صَعبًا للغاية، إن لم يَكُن مُستحيلاً، لأنّه في نَظَر مُعارِضيه فَرّط في السِّيادة الوطنيّة العراقيّة، وأظهر أبشَع أنواع التبعيّة للوِلايات المتحدة التي غَزَت العِراق، واحتلّته، وفَرضَت عليه حِصارًا خانِقًا استمرّ أكثر من 12 عامًا.

فآمال السيد العبادي وكُتلَته (النصر) في تشكيل الحُكومة العِراقيّة الجديدة بالتَّحالُف مع بعض التَّكتُّلات الأُخرى، تَقِف على حافّة الانهيار، إن لم تَكُن انهارَت فِعلاً، لأنّ مُعظَم هَذهِ التَّكتُّلات، ولا نَقول كُلّها، تتَّخِذ مَواقِف قويّةً ضِد العُقوبات تَجنُّبًا لغَضَب قَواعِدها الشَّعبيّة، وتَعاطُفًا مع الجارِ الإيرانيّ.

وما يَزيد من حَرَج السيد العبادي وحُكومَتِه أمرَين أساسيين: الأوّل أنّ دول الجِوار العِراقي مِثل تركيا وسورية أعلَنت الوقوف في الخَندق الإيراني، ومُعارَضة العُقوبات بِقُوّة، وكذلك دول أُخرى مِثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، ولن تَجِد من يَقِف في الخندق الأمريكي غير المملكة العربيّة السعوديّة والدول الأُخرى الخليجيّة المُرشَّحة للانضمام إلى حلف “الناتو العربي” الذي طالَبها الرئيس الأمريكي بتأسيسِه لمُواجَهة إيران عَسكريًّا واقتصاديًّا وسِياسيًّا، جَنبًا إلى جَنب مع إسرائيل، العُضو السِّرّي.

***

الاقتصاد العِراقيّ “المُضَعضَع” سيكون من أبرز المُتضرِّرين أيضًا، فحَجم التبادل التجاري بين العراق وإيران يَصِل إلى سِتّة مِليارات دولار شَهريًا، مُعظَمها وارِدات إيرانيّة رَخيصَة الثَّمن، ويزور العراق حواليّ أربعة ملايين زائِر إيراني وِجهَتهُم الأماكن الشيعيّة المُقدَّسة في النجف وكربلاء، ويَدفع هؤلاء 40 دولارًا مُقابَل تصريح الزيارة فقط، ويَدفع كل زائر ألف دولار في المتوسط حسب التقديرات التقريبيّة، ممّا يُشَكِّل ثُقبًا كبيرًا في المِيزانيّة العِراقيّة، والأخطَر من هذا وذاك أنّ البِدء في تطبيق هذا الحِصار جاء في وقت تتعاظَم فيه انتفاضَة الغضب في الجنوب العِراقي نتيجة تدهور الخَدمات الأساسيّة من ماءٍ وكهرباء، وارتفاع مُعدَّلات البِطالة والفَقر.

الإيرانيّون قرّروا الانحناء أمام عاصِفَة العُقوبات، ومُحاولة امتصاص أضرارها الأوّليّة، ويشعرون أنّ دُوَلاً كُبرى وصُغرى في العالم تتعاطَف معهم، وكُرهًا للإدارة الأمريكيّة الحاليّة التي أبدعت في استفزاز العالم بأسْرِه، بسبب عنجهيّتها وغطرسة رئيسها والفَريق المُساعِد له، ولكن هذا الانحناء ربّما يكون مُؤقَّتًا، لأنّ الدُّفعَة الأصعَب من العُقوبات التي تشمل وقف جميع الصادرات النفطيّة، تبدأ في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبِل، الأمر الذي يُذكِّر بمثيلاتها في العِراق بعد غزو الكويت مُباشَرة، وما يُمكِن أن يَترتَّب عليها من آثارٍ مُدَمِّرة.

صحيح أنّ الإيرانيين يَملِكون خِبرةً عميقة اكتَسبوها من مُواجِهة الحِصار لأكثر من ثلاثين عامًا، مثلما يملكون قوّات أمنيّة قويّة جدًّا،

ومُدرّبة ومُوالية للنِّظام، مثلها مِثل القُوّات المسلحة، ويُمكِن أن تتصدّى لأيِّ اضطراباتٍ داخليّة أو غَزوٍ خارجيّ، ولكن الصَّحيح أيضًا أنّهم لا يُريدون الحَرب، ولا الاضطرابات الداخليّة، ولن يترَدَّدوا في الدُّخول في مُفاوضاتٍ إذا سنحت الفُرصة كَسْبًا للوَقت وتمرير العامَين الباقِيين من عُمُر إدارَة ترامب.

**

قد يُسَجِّل للسيد العبادي أنّه أظهَر مُواقِفه التَّابِعة لأمريكا وإملاءاتها دُون أيِّ مُوارَبةٍ، وبِدء تطبيق العُقوبات فَورًا، ولكن هُناك دُولاً عربيّةً أُخرى ما زالت تَلتزِم الصَّمت، وخاصَّةً في الخليج مِثل دولة قطر التي تتشارك مع إيران في حَقل “بارس” الغازيّ العِملاق، وتعتمد عليها لكَسر الحِصار الذي فرضته عليها الدُّوَل الأربَع (السعوديٍة والإمارات والبحرين ومِصر)، وكذلك دولة الإمارات العربيّة المتحدة التي يَبلُغ حجم تبادلها التجاري ثمانية مِليارات تَستأثِر إمارة دبي بمُعظَمِها.

احتمالات نجاح العُقوبات الأمريكيّة في تغيير النظام الإيراني تبدو مَحدودةً في المُستقبل المَنظور في مَرحلتها الأُولى على الأقل لأنّ إيران ستحتذي بالنَّموذج السوري الذي استَعصى الحُكم فيه على التَّغيير، وصمد لأكثَر من سبع سنوات في وجه المُخطَّط الأمريكي، ولكنّنا لا نستبعد أن تُعطِي هذه العُقوبات نتائج عكسيّة، وتُؤدِّي إلى تغيير أنظمةٍ حليفةٍ لأمريكا، وعلى رأسِها النظام العراقي كخُطوَةٍ أولى، وربّما أنظِمَةٍ أُخرى في منطقة الخليج العربي، لأسبابٍ داخليّة أو خارجيّة نتيجة الانخراط في المُخطَّط الأمريكيّ.

الرئيس ترامب بفَرض هَذهِ العُقوبات ربّما يكون أطلق النَّار على قَدمِه، وإقدام حُلفائِه في المِنطَقة، وأشعل فتيل الفَوضى الاقتصاديّة والسياسيّة في المِنطَقة تَمهيدًا للفَوضى العَسكريّة، ولا أحد يَتوقَّع متى وأين سَتكون شَرارَتها الأُولى.. واللهُ أعْلَم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك