( بقلم : امجد الحسيني - اعلامي عراقي )
ان الاعلام العراقي وخلال تاريخه الطويل لم يطور من نوعه وشكله الابداعي فلم نر لحد الان اعلاما ابداعيا سواء على مستوى الموضوع او الشكل الا القليل . ولعلنا نجد العذر للاعلام والعاملين في حقل الاعلام خلال فترة الثلاثين عاما الماضية باعتبار الظرف التولتاري الشوفيني لنظام الحكم خلال الفترة انفة الذكر جعلت الاعلامي يتقوقع ضمن قوالب التمجيد والتجميد شاء ام ابى بقوة سلطة السوط الذي يصل حد المقاصل في كثير من الاحيان التي كانت تحاصر الانسان حتى في احلامه ما دامت تحت طائلة النظم الامنية البوليسية وهنا اقول ان الاعلامي طور نفسه بقدرات ذاتية وكان قلمه اما متملقا فانشأ نخبة من الكتاب الحرفين من حيث رصانة الكتابة لكنهم مأسورين من جهة الموضوع فالموضوع تختاره السلطة وللكاتب ان يبدع حتى صار التاريخ الاعلامي لكثير من الكتاب الذين يحرصون على سمعتهم مخجل ، اما القسم لثاني من اصحاب الاقلام من الاعلاميين فالكثير منهم ربما كانت المنية قد ساقته الى قبره قبل ان تنشر افكاره وكتاباته وابداعاته الاعلامية اما من طال به العمر فقد نشر كتابته في خريف عمره وحسبت كتاباته وحسب قانون نظرية المؤامرة التي يضفيها الاعلام الجديد طائفية او قومية .
الاعلام العراقي الذي انطلق في الاعوام الاربعة الماضية انقسم على قسمين رئيسيين :الاول : اعلام ورث عن الحقبة التولتارية الشيفونية اخطائها لانه كان جزءا من مآسيها وسوطا من اسواطها وقطع طرق العودة ايام زهوه فصار اليوم يدافع ليس فقط عن اخطائه السابقة بل راح يبجل الحقبة التي ولد فيها وترعرع من ثمارها الصحراوية القاحلة فلجأ اما للكذب ليخرج عن حياديته الاعلامية فصار عبئا ثقيل على ثقافة فضلا عن اعلام المجتمع العراقي حتى لجأ لتلوين الشكل على حساب المضمون والثقافة العراقية .الثاني : اعلام دخل بافكار جديدة افكار تحاول ان تكون حيادية الا ان ولادته الجديدة وخبرته الوليدة جعلته قاصرا لحد الان طبعا على ان يقدم اعلاما ثقافيا بالاضافة الى تبعية بعض اجزاء هذا الاعلام الجديد الى حزبية الممول ليظهر متقوقعا مرة ومنفتحا اخرى دون منهج واضح ، ورغم افكاره الجديدة التي تحاول ان تغيير صورة الثقافة الاحادية الا انه لم يطور من شكل شاشته التي ينقل من خلالها فكرته بالنسبة للتلفاز وشكل كتابته وصوته مما جعل المتلقي يلجأ الى اعلام ينتمي للمنظومة العربية الاكثر حرفية في الشكل والمضمون رغم عدائيته ومحاولاته طمس الثقافة الجمالية الحياتية في الحياة العراقية فصار المتلقي مقسم بين ان يتابع مضمونا يوائم ثقافته العراقية من دون ادنى اشكال الجمال الشكلي او يلجأ الى جمال شكلي وثقافة عدائية .
وهناك تقسم اخر للاعلام العراقي من حيث الثقافة التي يقدمها واعني بالثقافة ( السياسية والاجتماعية والدينية والاخلاقية والنفسية ) ففي العراق ثقافات ثلاث يقدمها الاعلام سواء على شاشاته او صحفه او اذاعاته :اولا : اعلام يقدم ثقافة التهذيب السياسي والاجتماعي والديني والاخلاقي والنفسي من اجل تحرير المجتمع كليا مما لحق فيه من ادران ثقافة ( الفوضى ) التي لم تتبنى فكرة معينة سوى فكرة التهديم وعسكرة المجتمعات والتي قتلت تاريخ وتراث العراق على مختلف المستويات ويريد الانقلاب على ثقافة الفوضى والكذب الى ثقافة التعايش والتواصل بين الماضي والحاضر ضمن مباديء الحقيقة والاعتدال ومن الحقيقي ان نشهد ان هذا الاعلام بدأ ينجح وينمو في طريقه رغم ضعف امكاناته وقلة موارده لانه بالضرورة يتبع الى فلسفة دينية عربية اصيلة وهذه الفلسفة تمنعه من ان يمول نفسه عن الطريق المعتاد ( قبول الاعلانات الدعائية ) التي في الغالب تعرضه الى الوقوع في اشكالية اخلاقية لان الكثير من المؤسسات التي تعرض منتوجها تعرضه بصورة لا اخلاقية كأن تجعل من المرأة اصل الدعاية او تجعل من الكذب او التزويق الكاذب مروجا لمنتوجاته لذا ترفض اكثر القنوات التي تتبع فلسفة الاخلاق التربوي للمجتمع قبول هكذا اعلانات مما يقلل من مواردها المادية التي تؤثر بالضرورة على الشكل وربما في المضمون فقناة لاتقبل الاعلان الا اخلاقي يعني ان تجعل مواردها مقتصرة على ممول قليل الموارد لكن فلسفته الاخلاقية عالية او تعتمد على الاعانات التي توائم فلسفة الاخلاق واعتقد ان هكذا قنوات بدأت تأخذ المشاهد شيئا فشيئا لانه وبعد ثلاث او اربع سنوات طورت من كوادرها ومن شكلها وان المستقبل القريب سيجعلها اكثر شعبية ليس في العراق وحده بل ستمتد الى المجتمعات الاسلامية والعربية وستأخذ حيزها .
ثانيا : اعلام اعتمد ثقافة التغريب وأدرانها ونما سريعا لكنه بدأ يسقط رغم قصر عمره لان الانسان في طبعه تسرقه اضواء والوان الجذب من حيث الشكل ولكنه بعد الشكل يحتاج الى مضمون وفكرة تثقفه وتطوره يتذوقها عقله فأن وجد المضمون الرسالة تغريبيا مخالفا لثقافته ومتعاليا عليها سيمجه قريبا فكل جديد قديم بعد حين ونظرية الشكلانية دائما سريعة البروز سريعة الذبول والاندثار فكل القنوات والصحف التي تجعل من الابتذال طريقا اليها ستجعل من شكل شاشاتها واوراقها مزركشة جميلة ورقيقة لكنها فارغة المضمون وان عدم التوازن بين الشكل والمضمون سببا من اسباب فشل الاعلام وسقوطه القريب .
ثالثا : ثقافة معادية مرتبطة باجندات مختلفة اقليمية ودولية تروج للموروث العراقي من حيث الشكل المضموني لكنها تروج لفكر ومضمون قد لا يكتشفه المجتمع المتلقي في العراق قريبا لكنه بدأ شيئا فشيئا يكتشف حقيقة وجه هذا الاعلام القبيح وبدأ ينفر منه و يتلقاه بحذر وريبة وهذه الريبة كافية لان ترفض هكذا اعلام لان تشكيك المتلقي الخطوة الاولى من قنوات الرفض لان العقل الانساني وحسب قول المتخصصين بعلم النفس اول رفضه للايدلوجيات التشكيك بعدها يبدأ المشاهد مع نفسه ينتقد ويعترض والمرحلة الاخيرها مسحها من لاقط البث ( الستلايت ) .بقي ان نتحدث عن اعلام الدولة الذي تثار حوله الشكوك بالفساد المادي والاداري الذي يسود الكثير من المؤسسة العراقية اليوم ورغم انه يمتد في بعض آلياته الى تاريخ اعتذر من اخطائه ليواكب السياسة الجيدة والبعض الاخر جديد تنقصه الخبرة الا انه بدأ يعي رسالته وبدأ يطور من نفسه فهو فوضوي مرة يختبر وينجح واخرى يختبر ويخطأ ولعل نظرية الخطأ والصواب قد تصنع كادرا في المستقبل الا انها تحتاج الى غربلة سنوية من قبل المؤسسة الحكومية لتقويمها بالاضافة الى ألية غائبة لحد الان تقوم العمل الاعلامي في العراق وهي الية استطلاع الرأي على اساس علمي موضوعي وشفاف اما اذا سرى عنصر الفساد الى المؤسسة التقومية مؤسسة استطلاع الرأي ستؤدي بالضرورة الى تراجع الاعلام وانهياره لان الفسادي يهدم البنى التحتية لكل مؤسسة ولعل فلسفة استطلاعات الرأي بدأت تاخذ طريقها كثقافة في المؤسسات الاعلامية الخاصة الا انها لحد الان وكجزء من الفساد لم تأخذ طريقها للاعلام الحكومي وكل اعلام حكومي او كل مؤسسة حكومية لا تخضع للتفتيش والمراجعة فانها ستؤول الى الانهيار مع ملاحظة ان اخطاء الاعلام يلمسها المجتمع المتلقي بسرعة وينتقدها مباشرة لان اداءها مباشر للجمهور يراه ويسمعه ويتلمسه وينتقده من خلال المشاهدة .
https://telegram.me/buratha