المقالات

مظاهرات البصرة ما لها وما عليها؟!


عبد الكاظم حسن الجابري
التظاهر حق لكل العراقيين, كفله الدستور الدائم للبلاد, بموجب المادة الثامنة والثلاثين الفقرة ثالثا.
هذا الحق المذكور بالدستور, للعراقيين أن يمارسوه متى ما شاءوا, وأين ما أرادوا؟ ولكن ما يجب الالتفات إليه, هو أن هذا الحق المكفول, مشروط بان يكون سلميا, وأن لا يخل بالنظام العام والآداب.
خرجت مع مطلع شهر تموز 2018 تظاهرات عارمة, انطلقت شرارتها في البصرة, وقد قُتِلَ بسببها مواطن بسيط من أهل البصرة, وكانت التظاهرات عبارة عن تجمع مطلبي, يريد توفير فرص العمل في الحقول النفطية أو بقية القطاع الحكومي.
هذه التظاهرات -وبعد مقتل الشاب سعد المنصوري- تحولت إلى شعارات ومطالب مختلفة, منها توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب, وبقية الخدمات, ثم توسعت الاحتجاج لتأخذ منحنى جديد, وتبدأ الدعوة إلى الثورة وإسقاط النظام, ثم الصدام المباشر مع أجهزة الدولة, واختراق مقرات حكومية ومقرات الشركات الأجنبية العاملة في حقول البصرة, وكذلك قطع منذ الشلامجة الحدودي مع إيران وترك منفذ سفوان مع الكويت دون مساس.
لا أحد ينكر ما يعيشه العراق عموما والبصرة خصوصا من إهمال خدمي واضح, وتردي للخدمات الموجودة, كما لا ينكر احد حجم الفساد الذي ينخر جسد الدولة, مع سكوت تام للأجهزة الرقابية عن هذه الفساد, وأسباب السكوت كثيرة, فهي أما بسبب المحسوبية أو بسبب الابتزاز والتهديد.
لم تستطع الحكومات بعد 2003 من تلبية أدنى حقوق المواطنين, وانشغلت الأحزاب المتنافسة سياسيا, والممثلة في الحكومة, بالتخاصم والتهاتر وعقد الصفقات, واعتبار العراق غنيمة بأخذ العمولات والكومشنات – وهذا ما أكدته النائبة السيدة حنان الفتلاوي والسيدة ميسون الدملوجي في احد لقاءاتهن التلفزيونية-.
الفشل الحكومي ولد سخط مجتمعي كبير لدى العامة, وهذا الفشل إن لم تتم معالجته, وترك الأمور على عواهنها, والتسويف والمماطلة سيفضي إلى منزلقات لا تحمد عقباها.
لكن السؤال الأهم هل إن توقيت التظاهرات في محله؟ وهل إن الحكومة المنتهية الولاية قادرة على توفير ما عجزت عن تقديمه خلال خمسة عشر؟!
من ناحية التوقيت فاعتقد إن البلد كان يمر بأزمة حقيقية تهدد وجوده, وقد دخل العراق حرب استنزاف كبيرة مع داعش ومموليها الدوليين, وإلى الآن لم يأخذ البلد نفسه لتخطي الآثار المترتبة على تلك الأزمة.
كما إن المشهد الدولي, وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط, يشهد غليانا وتصارعا كبيرا بين اللاعبين الدوليين, (أمريكا والغرب وحلفاءهم من جهة, وروسيا وإيران وحلفاءهم من جهة أخرى) وحمى التنافس الدولي لابد وان تلقي بظلالها على العراق, الذي يعتبر البلد الأكثر هشاشة سياسيا وامنيا في المنطقة.
هذه المشاكل وفي هذا الوقت بالذات, ستجعل من المتربصين بالعراق وبمناطق المجاهدين أبطال الفتوى بالأخص, ستجعلهم يحركوا أصابعهم الخفية لتفجير الوضع في مناطق الجنوب والوسط الآمنة كليا, وسيبدءون بتحريك خلاياهم من تيارات دينية فكرية منحرفة, ومن فلول البعث, ومن إرهابيين, لتنقض على الوضع الآمن في الجنوب, وسيقابله هدوء وخدمات في غرب وشمال العراق.
أيضا سيدخل على الخط أولئك المنافسين السياسيين, الذين فقدوا الحكم في الدورات السابقة, ليحركوا جيوشهم الالكترونية, وأصابعهم الخفية لتحريف التظاهرات عن مساراها, وأيضا للتشويش على الوضع العام للبلد لغايات شخصية وحزبية ضيقة,
أما من ناحية عمر الحكومة, وقابليتها على تنفيذ المطالب, فهل ستكون حقا قادرة على تحسين الوضع خلال أيام؟!
ثم إن الجمهور الذي خرج للتظاهرة, أليس هو نفسه الذي أعطى أصواته للكتل الفائزة بالانتخابات التي جرت في الشهر الخامس من هذا العام ولم نرَ أي كتلة جديدة تفوز في البصرة؟! فكيف لهذا الجمهور أن يطالب بالتغيير بعد أن فوت الفرصة على نفسه للتغيير في الانتخابات؟!
أعتقد أن لا حلول سحرية ستكون في قادم الأيام, وما ستقوم به الحكومة سيكون كأبر التخدير, التي سرعان ما تزول, لتعود نفس المشكلة, ولن يكون هناك تفكيرا جديا إلا بعد أن يلتئم شمل البرلمان الجديد, وتنبثق عنه حكومة جديدة, لتضع خطتها في تغيير الواقع, أو تستمر بنفس النهج الذي سارت عليه الحكومات السابقة.
لن أشكك بنوايا المتظاهرين, لكن أدعوهم ليكونوا يقظين في الفتنة, وأن ينتبهوا لمن يريد من خلالهم أن يمرر أجنداته الخاصة, ويزجهم في صراع ليسوا هم طرفا فيه مستغلا حاجتهم الحقيقة, وأن يكون في الفتنة "كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب".

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك