المهندس محمد علي الاعرجي
تنظيم القاعدة (الإسلامي) إن كان فعلا إسلامي ... فعلى ما اعتقد هو خلاصة عمل مخابراتي يضم قيادات أجهزة أمنية على مستوى عالي جدا من دول عظمى تساندها مخابرات أنظمة عربية وإسلامية، هذا التنظيم هو غريب عن المجتمع العربي والإسلامي المعتدل بانتمائه الديني واخص هنا الإسلام على اعتبار أن المنطقة تظم إخوان لنا من بقية الأديان السماوية ... وقد يسال سائل عن علاقة هذا التنظيم بعلماء الإفتاء السعودي خاصة والعربي بشكل عام ... ونقول إن السبب في ذلك هو لأن الذين أرادوا إنشاء هذا التنظيم كان هدفهم ضرب الإسلام في الصميم وفي عقر داره ومن أهل الدار أيضا حتى تتوجه أنظار الناس للداخل فقط دون الالتفات إلى الأيدي التي تدير هذا التنظيم وبالتالي تصديق الخدعة بان القاعدة هي نتاج الجوامع والمدارس الفكرية الإسلامية المتطرفة فقـط ....وهنا نجد ذكاء من أنتج وقدم هذا التنظيم إلى حيز الوجود .... فلو كانت مجاميع القاعدة انطلقت من دول الغرب أولا، لكانت الصورة عبارة عن حرب صليبية أو مؤامرة يهودية ... إلا أن اختيار قيادات هذا التنظيم من (العرب والمسلمين) وكذلك المتاسلمين يعطي انطباعا إن التنظيم هو من داخل البيت العربي والإسلامي جملة وتفصيلا وكذلك فان اختيار السعودية كمنطلق لأفكار وأعمال هذا التنظيم ليس مصادفة بل لوجود المذهب الوهابي المتشدد في هذه المنطقة والكل يعرف أن هذا المذهب لا يعتنقه سوى القلة القليلة ولعل الأموال الهائلة التي وظفتها العائلة الحاكمة السعودية لنشر الأفكار الوهابية كان لها الأثر الكبير في إعادة الحياة للمذهب الوهابي الذي كاد يختفي أو يضمحل .واستطاع القيمون على تنظيم القاعدة ومن خلال تسهيلات آل سعود المنقادين طوعا لأوامر دول الغرب الحاقدة على الإسلام، أن يتمكنوا من استغلال المدارس والجوامع والاقتصاد السعودي الضخم لنشر أفكار القاعدة في السعودية وخارجها ... ووجدوا الأرض الخصبة داخل المجتمعات الفقيرة المحرومة وخاصة فئة الشباب في مصر والمغرب والجزائر والصومال والسودان واليمن وغيرها من الدول التي تعتاش على الإعانة السعودية ... في حين نجد أن أفكار هذا التنظيم لم تجد لها آذان صاغية في الكثير من الدول العربية والإسلامية المستقلة عن النفوذ السعودي ... كالكويت والعراق وباقي إمارات الخليج الأخرى .... وسنعود لموضوع العراق والقاعدة لاحقا.إلا أننا هنا نريد أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى سكوت الدول الغربية عن ممارسات أئمة الكفر والضلالة المحسوبين على القاعدة في الكثير من عواصم الغرب إلى حد السماح لهم بالسيطرة على المساجد المهمة وبناء مايسمى بالجمعيات الخيرية لجمع الأموال بعد استغفال الناس ومن ثم تسخير هذه الأموال لدعم الأعمال الإرهابية والتي لا تستثني حتى دول الغرب وهذا أيضا من ضمن الخطة الجهنمية التي يتبناها المنظرون لهذا التنظيم، حتى يصدق الناس أن هذا الإرهاب مستورد من دول العرب والإسلام وبالنتيجة تكون هناك ردة فعل قوية معادية تجاه الإسلام والمسلمين ... وتكون إحدى نتائجها وقف المد الإسلامي والحد من انتشار ثقافة الإسلام السمحاء .كذلك فان تسخير شبكة الانترنيت وإباحتها بالكامل لمواقع القاعدة ومن يساندها، ساعد في المد السرطاني لخلايا القاعدة وكذلك أعطى صورة قاتمة عن الإسلام للمتصفح الأجنبي لصفحات الشبكة ألعنكبوتيه .... إذ كيف ستكون الفكرة التي يخرج بها المتلقي وهو يرى مناظر القتل والذبح والدمار باسم الجهاد والمقاومة واستباحة النفس المحترمة وانتهاك كل الحرمات التي نهى عنها الإسلام .... أليس في ذلك غرابة فأين التقنية المعلوماتية العالية لدول الغرب في إسكات تلك المواقع الإرهابية وكشفها !
ولو عدنا إلى موضوع العراق والقاعدة .... فالشعب العراقي بأغلبيته المسلمة، بعيد كل البعد عن التطرف في الأفكار الإسلامية، وحالة التعايش والتصاهر بين المسلمين واضحة وجلية عند كل المذاهب الإسلامية واقصد هنا الشيعة والسنة على وجه الخصوص ... . إلا انه بعد سقوط نظام صدام على يد (الأمريكان) عام 2003، أتيحت الفرصة لبعض القيادات المتطرفة للقاعدة والمعّدة مسبقا في دول الجوار العربي كالزرقاوي والمصري، أن تدخل إلى العراق بسهولة ويسر بعد إعداد أماكن الاحتضان والتفريخ بشكل جيد ومحكم !
والملاحظ انه وخلال عام تقريبا من تاريخ السقوط لم يشهد العراق ذلك النشاط الكثيف من إجرام وقتل وتدمير مثل ما شهدته الأعوام التالية ..... ورب سائل يسأل عن العلة أو السبب، وبرأينا فان الأرض والناس لم تكن مهيأة لتقبل فكرة تبني القاعدة إلا بعد افتعال الاقتتال الطائفي وإشاعة الخطاب المتطرف من جهة واحدة ضد الأخرى بحجج واهية كالعمالة للمحتل والصفوية وضياع العراق ونهب الثروات وتحريم الانضمام للشرطة والجيش وغيرها .... ولا ننسى أن الدعم العربي لقيادات التمرد والخارجين على العملية السياسية ساعد في إشاعة روح العداء بين بعض أبناء الأحياء والمدن العراقية المكونة من خليط طائفي .
كما إن بقايا النظام ألصدامي وبعد عام من هزيمتها كانت قد امتصت الضربة وأعادت تشكيل نفسها من جديد وتحت مسميات عدة كهيئة العلماء والمصالحة والحوار والتوافق بعد خداعها للكثير من أبناء تلك المدن التي كانت تسمى ساخنة بحجة المقاومة والجهاد .
وقد عرف الناس اجمعهم حجم التآمر الذي قادته هيئة العلماء ضد مسار العملية السياسية وكيف كان مقر الهيئة مكانا للمساومات ودفع الفدية للمخطوفين ... وكم هو عدد أعضاء جبهة التوافق الذين ثبت تورطهم بدعم وممارسة الإرهاب وأخرهم شيخ التوافق ... وأين أمسى رئيس جبهة المصالحة بعد اختلاسه أموال العراق وما الدور الذي يؤديه رئيس جبهة الحوار الوطني وكيف أصبح محاميا يدافع عن المرتزقة والإرهابيين واقصد (مجاهدي خلق) !واستطاع أزلام البعث من تسخير مطايا القاعدة لتنفيذ غايات في أنفسهم المريضة وهي الوصول إلى السلطة تحت مختلف الأقنعة والوسائل وتخليص رأس الأفعى (صدام ) من حبل المشنقة .... فكانت مشاركتهم بالعملية السياسية مقترنة بشروط مجحفة ومماطلات طويلة وعسيرة أنتجت لنا حكومة مكبلة بقيود وصلاحيات متناقضة للرئاسات الثلاث، عطلت صدور القوانين وجعلت من الحكومة تبدو عاجزة أمام الجماهير التي ساهمت في إيصالها إلى السلطة وهو أمر يسعى له أعداء العراق في الداخل والخارج .
كان الحلف الشيطاني بين القاعدة وبقايا نظام صدام قد امسك بزمام الأمور في المناطق الساخنة وأدى إلى مصادرة كل صوت وطني معتدل في هذه الأماكن ... بل وصل إلى حد التصفية الجسدية للكثير من الشخصيات العشائرية والدينية في تلك المناطق وهكذا أصبحت القاعدة غولا يخيف الناس وغطاء يتستر به أدعياء المقاومة غير الشريفة فراحوا يذبحون الأبرياء ويهجرون العوائل ويخطفون عابري السبيل ويدمرون المساجد والجسور ومحطات الكهرباء والماء وكل ما له علاقة بإدامة الحياة .... تاركين المحتل يصول ويجول !!!!!!!!
كان مشروع القاعدة في العراق يختلف عن مشروع أزلام البعث فالقاعدة كانت تهدف إلى إحراق العراق بأكمله وتبرير بقاء القوات الأجنبية وتمركزها في منطقة الشرق الأوسط، بينما يهدف أزلام البعث إلى السيطرة على كرسي السلطة مرة أخرى ... والمشروعين كان يجمعهما هدف واحد وهو مناهضة العراق الجديد والاقتصاص من الشعب الذي انطلق فرحا بيوم الخلاص من الطاغية .
وبعد أحداث سامراء الأليمة وازدياد العنف والإرهاب الذي وصل درجات مخيفة في العراق وطال المناطق الساخنة وأهلها، ظهرت أصوات ودعوات تطالب بوقف العنف وتخليص الناس من هذا الداء ... وخوفا من افتضاح الأمر بادر أزلام صدام إلى سحب أيديهم من القاعدة كعادتهم فهم انتهازيون ووصوليون، وعندها انكشف ظهر القاعدة وطلعت الشمس على حواضنها فأخذت الناس تطاردهم وتقتص منهم ولم تستطع قياداتهم والأجهزة الموجهة لنشاطاتهم أن تفعل شيئا سوى مراقبة الوضع من بعيد والاكتفاء بالحد من قوة وحركة الأجهزة الأمنية والشعبية لإفساح المجال لتلك القيادات أو الأمراء كما يسمون للفرار والعودة إلى دول الجوار!وحتى توهم أجهزة المخابرات العالمية الناس أنها تطارد الإرهاب فقد أقدمت على قتل ألزرقاوي بطريقة ممسرحة بائسة فكان هذا الملعون كبش الفداء .فشلت القاعدة في العراق وكانت ستفشل منذ البداية لولا أزلام صدام والسذج من مواطني المناطق الساخنة ... العراقيين اليوم لا تنطلي عليهم شعارات ابن لادن وأيمن الظواهري ورسائلهم المصورة في احدث استوديوهات قناة الجزيرة القريبة من اكبر قاعدة أمريكية في المنطقة !فهل بقي هناك اخرق أو معتوه لا زال يصدق بجهاد بن لادن وانه عدو أمريكا الأول؟
https://telegram.me/buratha