بقلم السيد عبداللطيف العميدي
قال تعالى ] يا أيها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس [(سورة المائدة :67).
قد لا أبالغ لو قلت أن حادثة الغدير هي ابرز حدث بعد البعثة النبوية من حيث الأهمية والخطورة والشهود الذين بلغ عددهم مئة وعشرون ألف , ثم ما ترتب عليه من آثار وأحداث كان لها الأثر الكبير في مسيرة الإسلام , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى حجم الظلم و الحيف الذي وقع على المعني بهذا التبليغ وهو علي بن أبي طالب (ع) حيث ذهبت الواقعة بتفاصيلها وشهودها أدراج الريـاح ولم يُمتثل أمرُ الله ورسوله, والحادثة اشهر من أن تُذكر وملخصها .خرج النبي (ص) للحج في السنة العاشرة للهجرة وقد إئتم به جمعٌ كثير من المسلمين وقد سُميت بحجة الوداع ولم يحج النبي (ص) بعدها إلى حين وفاته , وذلك يوم السبت 25 ذي القعدة , وقد أ خرج معه نسائه باجمعهن في الهوادج وتبعه أصحابه وقد اختلفت الرواة في عدد من خرجـوا معه , فقـيل تسعون ألف وقيل مئة وعشرون ألف وقيل أكثر من ذلك , فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا ًإلى المدينة فوصل منطقة غدير خم من الجحفة وهي منطقة تفترق فيها طرق المدينة ومصر والعراق وذلك يوم الخميس 18 ذي الحجة عندها نزل جبرائيل الأمين حاملا الوحي والتبليغ الإلهي ( ياايها الرسول بلغ....) وأمره أن يقيم عليا ًعلما ًللناس ويبلغهم ما نزل بحقه من الولاية وفرض الطاعة عليهم , فصلى بالنــاس وكــان يوما ًشديد الحــر فوضعوا لـه منبراً من حدوج الإبل, فارتقى النبي (ص) رافعا ًصوته قائلا ( الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى , واشهد أن لا الله إلا الله و أن محمد عبده ورسوله . أيها الناس فقد أنباني اللطيف الخبير انه لم يُعمّر نبي إلا مثل نصف عمر الذي سبقه واني أوشك أن اُدعى فأجيب واني مسؤول وانتم مسؤولون فماذا انتم قائلون ؟ قالوا : نشهد انك قد بلّغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيرا .فقال: فاني فرط على الحوض(أي المتقدم) , وانتم واردون علي فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين ,(فنادى مناد) وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال الثقل الأكبر كتـاب الله فتمسكوا به لاتضلوا , والآخـر الأصغر عترتي , وان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ثم اخذ بيد علي (ع) فرفعها حتى رؤي بياض اباطهما وعرفه القوم أجمعون فقال : أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا الله ورسوله . قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ( يقولهـا ثلاثـا ) ثم قال :اللهم والِ من والاه , وعادِ من عاداه , وأحب من أحبـه , وابغض من أبغــضه , وانصــر من نصره , واخذل من خذله وادر الحق معه حيث ما دار, ألا فليبلغ الشاهد الغائب )(ذكر الحديث السيوطي في الدر المنثور , والحاكم في مستدرك الصحيحين , وأحمد في مسنده) . ومن ثم افرد له خيمة للمبايعة بإمرة المؤمنين وللتهنئة , ثم تفرقوا فنزل أمين الوحـــي بقولـــه عز وجـل ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكــــم نعمتي ). فقال رسول الله : الله اكبر وله الحمد على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي .
ثم اقبل القوم يهنئون أمير المؤمنين , وممن هنأهُ من الصحابه أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وكل يقول : بخ ٍبخ ٍ لك بابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه .فقال ابن عباس ( والله قد وجبت في أعناق القوم ) ولمن أراد التوسع والغوص في تفاصيل الحادثة ورواتها وأسانيدها فليراجع ما حققه العلامة الاميني في موسوعته الخالدة (الغدير) فلقد ذكر الحادثة ومؤرخيها منذ الصدر الأول للرسالة وحتى القرن التاسع وقد أحصى (26) من رموز وأئمة المؤرخين, و(25) ترجمة لائمة الحديث والصحاح مع تواريخهم , ومن المفسرين (8) وأما رواة الحديث من الصحابة فلقد حقق (110) منهم مع ذكر ترجمة (84) منهم , وأما طبقات الرواة فأورد منهم (360) راوي مع تراجمهم. ولكن شريحة من رموز الصحابة لم يرق لهم الإعلان والنص الإلهي ولم يستسيغوه ويمكن أن يكون لسببين :
الأول : رغبتهم وطمعهم فيه وعدم رضاهم أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم .الثاني : إن المنصوص عليه بالولاية والإمامة هذا كان قد وتر صناديدهم وقتل اشياخهم في معارك الحق , فأودع قلوبهم أحقاداً جاهلية تأصّلت في أفئدتهم نحوه فيستحيل أن يتماشا هذا التنصيب مع رغباتهم وميولهم .وذهبت تلك الحادثة بما فيها أدراج الرياح وكأن شيئا لم يكن وقُبرت في وقت ٍ قبر فيه الرسول (ص) فليت شعري أي تحدٍ واضح للسماء هذا والى أي مدى ذهبت مذاهب القوم ؟ ! وفي الكلام الفاطمي غنية عن الإطنــاب في التعلــيق على دوافــع إنكـــار هذا الحــق إذ قالت سلام الله عليها : ( ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة , ومهبط الروح الأمين والطبين بأمور الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين , وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا والله منه نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله تعالى )ثم قالت : (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون)).
واستطيع آن اجزم بالقول آن نكران وضياع هذا الحق العلوي هو الذي فتح الباب لغصب حقوق اخرى من آل محمد عموما ومن الأئمة المعصومين على وجه الخصوص.
حديث الغدير تعيين أم إعلان ؟ربما تدور في خلد البعض أن تعيين الإمام علي (ع) قد تم في واقعة الغدير ذلك لما أولاه العلماء من أهمية, ولكن لو تتبعنا الأحاديث الواردة في حق أمير المؤمنين (ع) لوجدنا أن التعيين والنّص على إمامته تمت منذ ولادة الدعوة المحمدية وهبوط الوحي بالتنزيل , وذلك لأن النبوة لا تنفك عن الإمامة . وأن التعيين قد تم للإمام علي(ع) في حادثة الدار أو ما يسمى بيوم الإنذار حينما نزلت آية (وأنذر عشيرتك الاقربين) فقام النبي (ص) بهذا الأمر والدعوة ما تزال سرية وعيّن يومها عليا (ع) وصيا ًوخليفة وهو بعد لم يبلغ الحلم لأنه ليس شرطا ًفي شخص الإمام أو الوصي كما أنه ليس شرطا ًفي النبوة بدليل نبوة عيسى ويحيى (ع) إلى غير ذلك من الإعلانات الأخرى في أكثر من مناسبة , وعلى ذلك يكون حديث الغدير ونزول القرآن فيه هو آخر إعلان للإمامة وهو بمثابة الإعلان العام لجميع المسلمين لأن بقية الأحاديث كانت على مسمع من فئة معينة من المسلمين وهذا مـا جعل إعلان الغدير أعظمها وأشهرها وذلك لاتصافه بميزتين :
الأولى : هو عدم تطرّق أدنى شـك للحادثة والحديث من ناحية الورود وذلك لتواتر نقله في كافة كتب الحديث.الثانية : لدلالته الواضحة على تعيين الإمام (ع) للخلافة العامة كما هو موضح من لفظ الحديث بما لا يتطرق إليه الشك عند كل من له ذوق ومعرفة بلغة العرب والتي كانت نص الحديث بها , وأما قضية التشكيك في دلالته على الإمامة والولاية العامة فقد جاء متأخرا عن عصر الحديث بعدة قرون وبالتحديد في عصــر إمــام المشكـكين الرازي والذي ذكـر فـي وصيته أنــــه قد ذكر ما ذكــر لأجل البحث فقط ليس إلا , فدلالة الحديث على إمامة علي بن أبي طالب (ع) تتركز في البحث على أن لفظ (مولى ) نص على الإمامة بالوضع اللغوي وبالقرائن المقترنة به فيكون الحديث دليلا على الإمامة ..
وخلاصة ما تقدم إن من الخطأ الاعتقاد بأن تعيين الإمام (ع) للإمامة العظمى والولاية قد تم بحديث الغدير ولا يكون حديث الغدير إلا إعلانا ًعاما ًعن شيءٍ وقع منذ زمان بداية الدعوة ولدنو موعد رحيل المنذر (ص) إلى الرفيق الأعلى , فلابد من أخـذ العهد على الناس بإتباع الهادي المُعيّن من قبل الله عز وجل وتأكيد ولايته كي لا تبقى لهم حجة بعد النذر .
https://telegram.me/buratha
