المقالات

سؤال مخيف: كم تبقى من عمر العراق الموحد؟!

2236 2018-03-01

قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com

  يبدو العنوان مستفزا الى حد ما؛ بل ربما سأرمى بتهمة التثقيف لتفكيك الوطن، تلك الثقافة التي يروج لها بكثافة هذه الأيام، بطريقة لا تخلو من ذكاء، إذ غالبا ما يدعي المروجون لها، أنهم حريصين كل الحرص؛ على وحدة العراق أرضا وسماءا وشعبا!

   ما دفعني لإختيار العنوان المستفز أعلاه، أن الأحداث تلاحقت في دول عدة، في محيطنا الأقليمي وفيما هو أبعد منه، فقد تهدمت دولا عديدة خلال الثلاثين سنة الأخيرة، وأختفت دولا أخرى من خارطة الوجود..أختفى الأتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، وتفككت وتكونت إتحادا دولا أخرى، وجرى ذلك بفعل عوامل عديدة، لكن يبقى عامل الهدم الذاتي، أهم عوامل تهدم الدول.

   يحصل ذلك؛ حينما تبنى الدولة على فلسفة خاطئة، فلقد أنشأت الدولة العراقية الحديثة، مطلع القرن الفائت، على إفتراض جغرافي غير دقيق، والجغرافية لا تعني الحدود والتضاريس فقط، بل تعني أيضا الجغرافية الإقتصادية والبشرية والسياسية، التي لم تكن منسجمة في حالتنا، مع مبادئ تشكل الدول.

   حوت دولتنا مشاكل ديموغرافية وسكانية كثيرة وثقيلة، ولم تتعامل الدولة مع تلك المشاكل بانفتاح، يمهد لحلول عملية سليمة، تذوبنا جميعا في وطن واحد، بل لجأت الى حلول خلفت مشاكل أعقد، ولجأت الدولة قبل عام 2003؛ الى عمليات التهجير والتطهير العرقي، والتسفير وحجب الجنسية وإسقاطها على نطاق واسع، وفقد مبدأ المساواة تماما..

  لقد بنيت الدولة على عقد اجتماعي مقلوب، فبدلا من أن تكون الدولة أداة بيد الشعب، لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتتصرف على أنها منفذة لآماله، فإنها تعاملت مع الشعب وفقا لثقافة القطيع، فالشعب وفقا لتلك الثقافة، أداة بيد الدولة وليس العكس، وتلك كانت هي نقطة التي آذنت بزوال الدولة وهدمها..

  صاغ المؤسسون للدولة العراقية الحديثة هذا السيناريو، اعتقادا منهم بأن ذلك أفضل طريق لحشدالشعب خلف الدولة، أي أن الدولة في الأمام والشعب ينبغي أن يسير خلفها، على قاعدة:" سيروا الى الأمام ونحن من ورائكم، جنود أمناء لحماية الدولة" وتلك كانت الغلطة التصميمية، وهي الغلطة القاتلة، لأنها غلطة هادمة!

  كانت فلسفة بناء الدولة العراقية، التي أنشأها مؤسسوها، تقوم على إفتراض تناقضها مع محيطنا الأقليمي، وعُبيْ مواطنونا بفكرة: أن لجيراننا أطماع في أرضنا، وهكذا تناقضت دولة العراق مع محيطه، وبقيت طيلة قرن بأكمله مصدر قلق للمحيط، وعمليا فإن دولتنا كانت على خلاف، مع كل دول الجوار، وأن اختلفت حدة تلك الخلافات من دولة لأخرى.

الصورة كما ترون  قاتمة بعض الشيء، واليوم وبعد تهدم الدولة العراقية، فإن محاولتنا نحن الوارثين لكل هذه العوامل، لبناء دولة على أسس جديدة، تصطدم وبقوة ببقايا فلسفة الدولة السابقة.

كلام قبل السلام: سيكون مشروعا أن نسأل السؤال المخيف، الذي أتخذناه عنوانا لهذه المقاربة!

سلام...

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك