( بقلم : علاء الخطيب )
حقا ً لقد شٌرفت الثقافة بجعل النجف عاصمة لها وليس تشريفا ً ان تكون النجف عاصمة للثقافة الإسلامية و لا غرو في ذاك فالنجف أُسست لتكون مهدا ً للعلم والأدب والثقافة . هذه المدينة التي حظيت بمكانتها العريقة الضاربة في عمق التاريخ الإنساني بما لها من قيمة حضارية تجمع بين قدس العبادة وكرامة العلم وشرف الهجرة فكانت ولا زالت باب مدينة العلم وحاضرة المجد الثقافي والفكري , وهي مدينة العلم والعلماء والشعر والشعراء والحكمة والبلغاء, إحتضنت بين جوانحها جثمان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سيد البلغاء وأمير الفصحاء. ياصاحب القبة البيضاء فى النجف من زار قبرك واستشفى لديك شُفي زوروا ابا الحسن الهادي لعلكُمُ تحظون بالأجر والإقبال والزلفوقل سلامٌ من الله السلام على اهل السلام وأهل العلم والشرفهذه المدينة التي حفظت العربية على مدى الف عام وهي بذات الوقت المدينة المتعددة الثقافات , المدينة التي تنصهر فيها القوميات والأثنيات وإن غلبَ طابعها العربي على حياتها فهي تضم العربي والفارسي والتركي والأفغاني والهندي والصيني والأفريقي والروسي وكل هؤلاء يحملون هما ً واحدا ً هو العلم والثقافة ففي النجف تعلم رائد التجديد والأصلاح في العالم الأسلامي جمال الدين الأفغاني التي يقول عنها أنها أغنته طوال حياته, وفي النجف وجد الشيخ محمد بن الحسن الطوسي وهو يحط رحاله فيها ضالته المنشودة وأسس الجامعة النجفية الكبرى,وفي هذه المدينة إستعاد فن الموشحات على يد الشاعر الثائر والفقيه العالم والرقيق الحالم السيد محمد سعيد الحبوبي مجده وألقه وحين تقرأ شعره تكاد تنسى أن مثل هذا الشعر كتب في النجف أوائل القرن العشرين وهو يرحل بك الى ابن النديم وابن زيدون وغيرهم حيث يقول : يا غزال الكرخ وا وجدي عليك كاد سري فيك أن ينتهكاهــذه الصهباء والكأس لديـك وغرامي في هواك أحتنكا فاسقني كأسً وخذ كأس اليـك فلذيذ العيش أن نشتركاوفي النجف العربية تعالت أصوات العروبة على ألسنة شعراؤها فهذا الشاعر الحكيم أحمد الصافي النجفي الذي نقل لنا رباعيات الخيام بأبهى صورها الى العربية وكانت عضوا ً في مجمع اللغة الفارسية في طهران يقول وهو يرى المستعمر الغاشم قد دمر وسلب الثروات وأباح المحارم : أيها العرب للحفيظة هبوا قد تداعت من مجدكم أركان وأجعلوها شعاركم فوق جرد أيها العرب الطعان الطعان والنجف مدينة الزهد والعبادة فهي مدينة الشيخ الأنصاري العالم والفقيه الزاهد الذي عرضت عليه الدنيا فأباها حين جاء السفير البريطاني في العراق يبحث في أزقتها عنه ليسلمه ميراث مملكة ( أود ) الهندية والتي أوصى ملوكها بإرجاع الميراث الى النجف في حال موتهم فرفض الشيخ أن يستلم منه خوفا على النجف وسمعته ابعد أن جعله (أي السفير) في حيرة مما رأى من البساطة والزهد والعزوف عن زخارف الحياة . وهي مدينة الشاعر الوزير الشيخ على الشرقي الذي أصبح شعره على لسان الجميع فلا تكاد ترى أحدا من العالم العربي لا يحفظ البيت الذي أصبح مثلا ً عند العامة والخاصة ألا وهو : وأختلاف الرأي لا يفسد للود قضية قومي رؤوس كلهم أريت مزرعة البصلوهي نجف الجواهري شاعر العرب الأكبرآخر العمالقة وبقيةالشعر الجاهلي الذي تغنى في بغداد بقوله : حييت سفحك عن بعدٍ فحييني يادجلة الخير يا أم البساتين ِ
ومثلما كان الوطن هما ً لدى المثقف النجفي كانت القضايا العربية حاضرة في وجدانه فهذا مصطفى جمال الدين يتحرق على أمته بعد نكست حزيران فيقول : لملم جراحك وأعصف أيها الثار ما بعد عار حزيران ٍ لنا عار وهي نجف الوحدة الوطنية فهذا الامام الحكيم يفتي بحرمة قتال الأكراد أخوتنا بالوطن الواحد وموقف آخر مشابهلهذا الموقف وهو للعالم الجليل محمد الحسين آل كاشف الغطاء زيم حركة الأحتجاج على سياسة التمييز الطائفي عندما أثار حفيظته السفير البريطاني ( نحن من يحميكم من السنه ! أجابه ليس بيننا وبين أخوتنا السنه إلا الغسل والمسح) فنحن أخوة .ومن منا ينسى آل الصدر والأمام الصدر صاحب الأسهامات العظيمة في الفلسفة والأقتصاد والفقه والأصول وفي علوم ٍشتى. الذي جعل المثقف الفرنسي روجييه غارودي يتشوق للقاءه . ولا أريد أن أسهب في أدوار المثقفين النجفيين بقدر ما أريد أن أوضح مساهمات هذه المدينة على الصعيد الانساني فهي كبيرة تستحق التقدير والثناء من السادة وزراء الثقافة في الدول الاسلامية وهي خطوة مشكورة من لدن مثقفي وشعب هذه المدينة المعطاء عاصمة الثقافة والمثقفين مدينة الشبيبي والجزائري ومحمد مهدي البصير والنائيني والخوئي وشيخ الشريعة والميرزا الشيرازي والعلم الوائلي و السيستاني وتطول القائمة . ولكن أقول مبروك للثقافة بأختيار النجف ومبروك للمثقفين في النجف وهذه مسؤولية كبيرة تلقى على كاهل المثقف العراقي في زمن الجدب , وهنا لابد أن يسجل موقف لمن وقف وراء هذا العمل الكبير والمبارك وهو أبن بار للثقافة والأدب وللنجف الأستاذ والصديق السيد أبو مدين ( جابر الجابري ) وكيل وزارة الثقافة والى كل من ساهم في إبراز صورة العراق بوجهها الحقيقي .
علاءالخطيب/ الجامعة الحرة في هولندا
https://telegram.me/buratha