المقالات

خرافة لعنة العراق

1379 22:19:00 2007-12-17

( بقلم : مهند السماوي )

بعد انتهاء الانتخابات العامة في استراليا،في أواخر نوفمبر(تشرين الثاني)2007 وهزيمة المحافظين اليمينيين الموالين بشدة لسياسة الولايات المتحدة برزت الى الوجود،خرافة لعنة العراق المزعومة،القائلة بأن كل من اشترك في غزو العراق،حلت عليه اللعنة الالهية،وانتهى به مطرودا خارج الحكم،وكأن حكم النظام البعثي الدموي السابق في العراق،حكم الهي ديني مقدس لاتجوز فقط معارضته بل سوف تحل عليه اللعنة العراقية !أذا حاربه ويدعم اصحاب هذه النظرية من الاتجاهات عدد كبير من مختلف الطبقات من القوميين المعادين بشدة لكل الاتجاهات الدينية،الى التيارات الدينية السلفية المتطرفة!بل وصل الامر الى الليبراليين والماركسيين ايضا!،ويستندون في ذلك الى سقوط غالبية المشاركين بقوة في الغزو في الانتخابات العامة في بلدانهم،وكأن تغيير شعوب تلك البلدان لحكامها كل فترة زمنية محددة سلفا،هو معناه حلول اللعنة المزعومة على هؤلاء الحكام،متناسين أو متجاهلين بدورهم سقوط آخرين معادين لفكرة الغزو أو تحرير العراق،والامثلة موجودة.

بداية نشوء تلك الخرافة:لم تكن تلك الفكرة السخيفة والتافهة،موجودة قبل عام 1990م خاصة وان النظام البعثي الارهابي في العراق،له تأريخ حافل ودموي بمعاداة جميع التيارات من أقصى اليمين الى أقصى اليسار،لم يستثني احدا الا الجاهلون الخائفون من اتباع البعث المجرم.وكان نصيب التيارات الدينية التي تنتشر في أدبياتها فكرة الانتقام الالهي واللعنة على الظالمين،كدليل على العدالة الالهية حصة الاسد من الاضطهاد الذي تجاوز كل الحدود ووصل الى حد منع ابسط العبادات المعروفة!.

تحول بقدرة قادر،ذلك النظام الدموي،الى داعية للجهاد وتأييد الممارسات والافكار الدينية،التي تصب في مصلحته طبعا!بعد غزوه للكويت عام 1990م محاولة منه لكسب تاييد الشارع العربي والاسلامي المدفوع بعاطفته المعروفة المعادية للغرب وحلفاءه،ونجح الى حد ما في ذلك،مدعوما بعدد كبير من الاعلاميين ورجال السياسة والدين،الذين اشتراهم بالاموال القذرة خلال عقود من الزمن،ولازال لحد الان نسبة كبير من الشارع مؤيدة لسياسات النظام البائد،متناسين الجرائم الكبرى بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة الاخرى،ومتأثرين بالشعارات الجوفاء لذلك النظام.

أول بروز لتلك الخرافة المزعومة،من خلال متابعتي لوسائل اعلام النظام البعثي بعد الغزو بشهرين،بعد ان أصبحت الحرب على الابواب،وذلك في صحف النظام الرئيسية الثلاث،وكانت البداية على شكل رسوم الكاريكاتير مختومة بعلامة xالشهيرة،وهي محاولة يائسة من نظام يفتقد الى الشرعية من جميع النواحي،حول لبس الثوب الديني لجلب مزيد من الانصار وتقوية معنويات اتباعه،المعروف عنهم معادات كل الافكار الدينية وخاصة الغيبية منها،ومنها تلك الفكرة،فكرة اللعنة العراقية.

اتذكر حينها كانت الرسوم قد أزدادت بمرور الايام حين تتغير الوجوه في السياسة،وكانت البداية مع مارغريت تاتشر ثم أدوارد شيفرنادزة وزير خارجية الاتحاد السوفيتي السابق،ثم حسين ارشاد ديكتاتور بنغلادش العسكري،بالاضافة الى امير الكويت السابق الشيخ جابر،وأخذت الصور تزداد بأضافة مسؤولي الدرجة الثانية!في الانظمة المعادية ،لمجرد معاداتهم لتوجهات الديكتاتور السابق التوسعية.

لم تتوقف تلك الخرافة المزعومة بعد انتهاء الحرب وهزيمة النظام البعثي العراقي النكراء،بل أزدادت تلك الظاهرة،وساعدت الماكنة الاعلامية لنظام بعث العراق،كتعويض رمزي عن الهزيمة في كل المجالات،على انتشار تلك الظاهرة في البلاد العربية واصبحت الكثير من الوسائل الاعلامية،تتداول تلك الخرافة،دون التأكد من مصدرها وصحتها وعقلانيتها.

وبعد عملية غزو العراق عام 2003م وتحريره،من العصابة اللاانسانية،واشتراك عدد كبير من الدول،في القوات المتعددة الجنسيات،وعملية أعادة البناء والاعمار،برزت تلك الخرافة مجددا،وساهم في اعتناقها والترويج لها،تحالف غير مقدس بين التيار القومي المهزوم،والتيارات الدينية التكفيرية المتشددة،التي برزت للوجود منذ عقد التسعينات من القرن الماضي،فجرى تسويقها على نطاق اعلامي واسع،وساهمت معظم وسائل الاعلام العربية،والخاضعة في غالبيتها للانظمة العربية،للترويج لها كوسيلة من وسائل اثارة الشعوب العربية للوقوف بوجه كل المخططات الغربية الهادفة الى نشر الديمقراطية والليبرالية في العالم العربي كستراتيجية للوقوف ضد التطرف بمختلف أشكاله،وبالتالي يجعل المطالب الغربية من الانظمة العربية،لتغيير سياساتها،صعبة التنفيذ،مما يروج لفكرة ان العالم العربي والاسلامي،لا ينفع معه سوى الديكتاتورية للوقوف ضد التطرف وحماية المصالح الغربية الاستراتيجية.

بعد عام 2003م،جرت أنتخابات ديمقراطية ونزيهة في عدد كبير من دول العالم،كشيء روتيني في العملية السياسية لتلك البلدان،وليس للتأثيرات الخارجية اي دور في ضرورة أجرائها،بل انها تتم منذ أمد بعيد في بعض البلدان،وعملية تغيير الوجوه والاحزاب السياسية،ينشأ من عدة اسباب اهمها: 1- تنشيط العملية السياسية من جراء تغيير الوجوه الموجودة في الساحة السياسية،حيث ان الشعوب تمل من رؤية الوجه السياسي الواحد لفترة طويلة،والذي يصبح بدوره بطيئا في أجراء الاصلاحات الضرورية للبلد في الغالب مع أستمراره بالسلطة.2- تغيير الاحزاب،ينشأ من خلال الاقتناع ببرنامج الحزب،والتي تكون في المعارضة،غالبا ما تكون برامجها جديدة.3- غالبية الشعوب،تصوت للاشخاص والاحزاب،من خلال رؤية الاقتصاد الداخلي،وطريقة عمله،بالدرجة الاولى،وليس للعامل الخارجي،دور رئيسي،نعم انه دور مهم ولكن ليس دوره بحجم دور الاقتصاد والقوانين الداخلية.

نعم أن الشعوب تكون حية الضمير دائما،وتتعاطف فيما بينها اكثر من الانظمة السياسية،لذلك فهي دائما ضد فكرة الحرب والعداء وحصار الشعوب الاخرى والاضطهاد وخرق حقوق الانسان،لكن بنفس الوقت أنها ضد الانظمة الاستبدادية والفساد الكبير الذي تمثله في المسيرة الانسانية،وليس مع تلك الانظمة أذا وقفت ضد توجهات حكوماتها الديمقراطية في حربها ضد الاستبداد،فهناك انظمة لا تتغير الا بالقوة والحرب،وما الحرب العالمية الثانية الا مثال على ذلك.

وبالتالي فأن تغيير وجوه قادة وأحزاب الانظمة المشاركة في عملية الغزو،مثل اسبانيا وأيطاليا واستراليا،صاحبه في نفس الوقت عملية تغيير في دول وقفت ضد الغزو،والان تؤيد أمريكا بقوة،مثل المانيا وفرنسا وغيرها لم تتوقف تلك الخرافة المزعومة بعد انتهاء الحرب وهزيمة النظام البعثي العراقي النكراء،بل أزدادت تلك الظاهرة،وساعدت الماكنة الاعلامية لنظام بعث العراق،كتعويض رمزي عن الهزيمة في كل المجالات،على انتشار تلك الظاهرة في البلاد العربية واصبحت الكثير من الوسائل الاعلامية،تتداول تلك الخرافة،دون التأكد من مصدرها وصحتها.عملية التغيير السياسي في الغالب لا تؤثر في السياسة الخارجية،الا قليلا لانها دول تقوم على نظام المؤسسات،وفصل السلطات الثلاثة فيها،وعملية أتخاذ القرار تتم وفق اساليب ديمقراطية معقدة،لذلك لاحظنا مدى جهل الديكتاتور صدام،عندما أنهزم الرئيس بوش الاب عام 1992م في الانتخابات،نتيجة للركود الاقتصادي الذي صاحب فترة رئاسته،وليس لسياسته الخارجية،شاهدناه يرمي الرصاص في الهواء أحتفالا بهزيمة بوش!واعتبر ذلك نصرا له ولنظامه الفاسد،وكأن الحرب كانت مع بوش وليس مع امريكا كدولة،يتصور أن أمريكا محكومة مثل العراق،وأن الحاكم يفعل ما يروق له دون أدنى معارضة، لا أدري كيف يحكم هؤلاء الطواغيت شعوبهم وتلك المسائل البسيطة في السياسة الدولية لا يعرفونها؟..بالتاكيد نلاحظ ذلك في التخلف العربي الشديد في كل المجالات كنتيجة لاستمرار الطغيان.بعد تلك الواقعة المهينة،لم تتغير كما هو معروف سياسة أمريكا الخارجية،بتغير الرئيس وحزبه،أكثر التغيير كان في الاقتصاد والسياسة الداخلية.أخيرا تلك الخرافة باقية،مادامت العقلية المتخلفة تتحكم بالاعلام ووسائله،كما في الحكم،ولا يحد منها سوى الوعي الحضاري المستنير وتمكينه من أخذ دوره في الريادة وخاصة في مجال الاعلام.

مهند السماوي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك