( بقلم : بشرى الخزرجي )
سألت نفسها يوماً ما هي الغربة! بحثت عن معنى لها بين طيات الأيام والليالي يروي فضولها الدائم منذ أن وطئت أقدامها أرضها الجرداء .. الغربة أرض بعيدة وسماء أبعد.. مطحنة السنين الضائعة بين الحنين والأنين .. زمن تساقط دون أمان .. وجع يغلي كالبركان .. سفينة تبحر في الخلجان بلا شراع أو ربان تلك هي غربة الأوطان .. أبدان تهاجر للنسيان .. برد إعصار كالطوفان يعصف ببقايا إنسان.. يا رب ما هذا الهذيان ..أنام وأصحو وأنا في لجة التيهان.. العيد يا غربة على الأبواب قولي لي أين الأحباب؟!
لم أخترك يا غربة، أنتِ التي اخترتني مذ كنت تلميذة صغيرة ألعب في باحة المدرسة جئت تخبريني بأني لست عراقية ولا عربية .. اذهبي لأبيك هو يخبرك عن أصل القضية!! قلت وأين هو أبي؟ وأي قضيه! قلت سبقك منذ شهور وودع البصرة الحزينة المنسية! لماذا رحل ولأي سبب؟ هل ذنبه أنه موال لأهل البيت محب؟ أأترك مدينتي ومحلتي ومدرستي "مدرسة التميمية"! لماذا كتب عليّ الرحيل أنا فتاة جنوبية! الناس غير الناس أركبوني عنوةً وأخواتي وأمي وجدتي في سيارة عسكرية! ورمونا ليلاً على الحدود الإيرانية بلا طعام أو شراب ولا حتى كسوة شتائية. بقينا في العراء حتى الصباح نرجو رحمة رب السماء نلوذ بذيل أمنا المسكينة التي خُيرت بين أن تبقى في وطنها شريطة تركنا نحن البنات نذهب الى المصير المجهول مع جدتنا أو أن تكفر بعراقيتها وترمي بوريقات جنسيتها كما فعلوا من قبل مع زوجها المبعد قسرا الى الدولة الحدودية والتي قالوا إنها مجوسية!
ومن بلد لآخر حطت بي الأقدار حيث العاصمة الأوربية لندن الضبابية .. وبقيت سجينتك يا غربة! ولم أنس يوماً أني عراقية من أرض أبي تراب المرتضى داحي الباب.. بلد الرافدين وشط العرب والسياب .. وطن سكن أضلعي رغم ذكرياتي البسيطة عنه وعن مدينتي التي كانوا يسمونها يوماً بندقية الشرق (نسبة لمدينة البندقية الإيطالية)، لسحرها وكثرة الأنهر والروافد فيها التي كانت تخترق بيوتها الشناشيلية.. فسلام لك يا واحة النخيل العطرة يا بصرة الحب والنور من بُنيتك البعيدة وكل عيد وأنت متألقة سعيدة ..فآنهضي فديتك روحي يا درة العراق وثغره الباسم العذب الرقراق .. قومي من سباتك و آحضني قلبي المتلهف المشتاق فقد أعياه طول الطريق ولوعة الفراق.
بشرى الخزرجي_لندن
https://telegram.me/buratha