( بقلم : المحامي طالب الوحيلي )
لم تتوقف جرائم النظام البائد طيلة حكمه الاستبدادي على الإعدام الكيفي والتصفيات الجسدية الأخرى ،والتغييب الأبدي ،والسجن والاعتقال والحجز والمطاردات والمداهمات للبيوت الآمنة ،بل تعدى ذلك الى استخدام وسائل اهانة وإيذاء اشد قسوة من القتل او السجن وما يجري فيه ،ولعل أقسى هذه الوسائل عقوبات بتر الأعضاء الجسدية كبتر الايدي واتخاذه عقوبة لجرائم السرقة بدل السجن او الاعدام ،وعقوبة بتر صيوان الاذن ،وعقوبة وشم الجباه ،ناهيك عن العديد من انواع الايذاء الجسدي والنفسي التي أدت الى أيلولة الكثير من الرجال والنساء الى الجنون .
وأشدها على الإطلاق جرائم قطع الألسن أمام حشود من الناس وفي مناطق سكنى المجني عليهم وفي الهواء الطلق بتهم الحديث عن الطاغية او عائلته او الحزب الكافر او التذمر من ظرف ما .. عند عطف النظر على ما يمكن ان يقع تحت عنوان العقوبة بدلا للعقوبات التي اقرها قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 ،نجد ان ذلك يشكل مخالفة صريحة لأسس هذا القانون الذي نص على انواع العقوبات في مادته 85 (العقوبات الأصلية هي:1 – الاعدام.2 – السجن المؤبد.3 – السجن المؤقت.4 – الحبس الشديد.5 – الحبس البسيط.6 – الغرامة.7 – الحجز في مدرسة الفتيان الجانحين.8 – الحجز في مدرسة إصلاحية.) والمادة مادة 86 (عقوبة الإعدام هي شنق المحكوم عليه حتى الموت). فيما نجد ان عقوبة جريمة السرقة قد شددت لتصل الى الاعدام شنقا بدل السجن المؤبد ،مع ان المحاكم قد تاخذ بعين الاعتبار الظروف المخففة فتنزل بها الى السجن المؤبد او السجن مدة 15 سنة في اغلب الاحيان ..
بيد ان الظلم بعينه هو ان يوجد ذلك النظام عقوبة أقسى من الإعدام وهي بتر الأيدي ،فاذا كان الاحتجاج على ذلك بكون هذه العقوبة شرعية على وفق احكام الشريعة الاسلامية ،فان ذلك مردود على المحتج كون النظام البائد علمانيا ولا يعير للإسلام حرفا ولا حكما ولا أمرا ،كما ان أحكام الشرع تختلف في التطبيق باختلاف التفسير ،اذ لم يجري الاتفاق أصلا بين المذاهب الإسلامية على تحديد مقدار اليد ،لتصل الى مستوى أطراف الأصابع ،فضلا عن ذلك الأخذ بنظر الاعتبار فلسفة العقوبة ومفهومها التهذيبي بما يعني من إعادة تهذيب الفرد وتأهيله ليكون عضوا فاعلا وناجحا في الحياة متساميا على آثام الماضي وآثاره .
كل اثار العقوبات التي يتعرض لها المرء ،او الاعتداءات الجسدية او النفسية قد تنسى بمرور الوقت ،الا الاعتداءات التي تبقى شاخصة للعيان ،لا سيما اذا كانت ظاهرة للناس ،فإنها لا تبارح نفسية ومزاجية وقدرات المصاب بها مهما كانت مكانته الاجتماعية ،بل وينتقل وقعها الى عائلته واطفاله ،وفي ذلك حكايات كثيرة تصل حد الامثال الدارجة .
لو رجعنا الى التشريعات التي صدرت بعد سقوط النظام الصدامي ،نجدها لم تعالج هذه الناحية اصلا ،بالرغم من صدور العديد من القوانين التي اريد بها رد الاعتبار للسجناء السياسيين والمفصولين من دوائرهم او من حرم منهم بسبب معارضتهم لذلك النظام ،فيما كان ينبغي ان يلتفت اليها المشرع عند تشريعه لقانون السجناء السياسيين رقم 4 لسنة 2006 ليكون شاملا لكل الوان الاضطهاد السياسي ،من سجن وحبس او حجز واعتقال او اغتصاب واهانات جسدية ونفسية وهتك للعرض ،او بتر للاعضاء او تشويه للخلقة او أمراض سارية نتجت عن سياسات ذلك النظام القمعية واستهتاره بمصائر الناس وقيمهم الروحية والاجتماعية والعلمية .
لما تقدم ينبغي على مجلس النواب والحكومة إجراء تعديل على قانون مؤسسة السجناء السياسيين يتضمن الاتي :أ ـ تعديل اسم القانون الى (قانون مؤسسة السجناء والمضطهدين السياسيين ) على ان يشار في ذلك الى بقية المواد التي يرد فيها اسم القانون السابق .ب ـ تعديل المادة الخامسة من القانون المذكور بإضافة فقرة جديدة تحل (ثانيا) تعرف المضطهد السياسي بانه ( كل من تعرض الى بتر احد أعضاء جسده او احدث فيه علامة فارقة او أصيب بعوق نفسي او جسدي بسبب سياسيات ذلك النظام ).
https://telegram.me/buratha