المقالات

عندما يكون نقص الإدراك.. نعمة

1797 2017-05-26

هل تعرفون كم هو متعب, أن تكون ذكيا؟ وتكون واعيا ومدركا لما يجري من حولك؟ أليس كونك مع هذ الإدراك, بلا حول ولا قوة لتغييره, هو أشد أذى؟. 

في يوم من أيام, حكم نظام البعث, وكنا نؤدي الخدمة العسكرية, التي تفرض على كل العراقيين, وكنا للتو قد أكملنا دراستنا الجامعية, ويعرف من مر بتلك الفترة, كم هي قاسية ومؤلمة.. وخصوصا لمن يملك مؤهلا علميا أو ثقافا وأدبيا. 

إمتازت تلك الفترة, بوجود فارق فكري وثقافي وعقلي, بين الضباط والجنود, وبين الجنود أنفسهم, بين من يلتحقون بالخدمة لبلوغهم عمر الثامنة عشرة, ولم يكملوا دراستهم, ومن يلتحقون بعد إكمالهم دراستهم الجامعية. 

خلال فترة سابقة, جيء لنا بمجموعة من الجنود, وأذكر أنهم كانوا من صنف المدرعات, لحماية الموقع الذي كنت أخدم فيه, وتُركوا دون مسؤول عنهم.. ومنهم جندي صغير السن, مقارنة بأعمارنا نحن خريجي الكليات, يسكن ريف إحدى محافظاتنا الغربية, وكان ضحوكا بسيطا, يتميز بصوت جميل نسبيا, حين يرتل القرآن, فكنا نحن الكبار, وعند حلول المساء, نجلسه معنا, فيقول أنتم " كأعمامي" فنلاطفه, فنطلب منه أن يرتل لنا, ونستمتع بصوته وبسماع القران.. فكل شيء ممنوع, وضد النظام. 

في اليوم المشؤوم, حضر ضابطهم المسؤول لنقلهم إلى مكان أخر, ولسبب لم أعرفه حتى, قام بصفع هذا الصغير.. صفعة جعلته يسقط أرضا, لكن سرعان ما نهض.. لحظتها توقف الزمن عندي, وكأنما أنا من تلقى الصفعة.. إختنقت وأختفى الهواء, وكدت أموت, حاول أصدقائي التخفيف عني, فلم يفلحوا. 

حضر الصغير بعد قليل, وكان الغروب قد حل, وكنت أتلوى, وقال بلهجته الغربية البسيطة " أشبيك عمي, أنا ما ضجت وإذا ضربني ..عادي" , نظرت بوجه صامتا, ثم إنفجرت ببكاء هستيري, فاجأ الجميع.. بكاء لم أستيقن حتى أنا سببه.. هل هو بكاء من أهين, ولم يستطع أن يرد إهانته؟ أم هو بكاء لسوء حظي, كوني أفهم وأعرف حقي وإنسانيتي؟! 

هدأت بعدها , فقد فرغت كل إنفعالاتي بدموعي, ولكن.. حينها لعنت الشهادة العليا التي درست لأجلها, والثقافة التي تعبت لأجلها, فهما سبب تعاستي.. فما العيب في أن تعيش على هامش الحياة, لا تدري.. ولا تدري انك لا تدري؟! 

ألا نتمنى أحيانا, لو كنا جهلاء وبلا وعي ولا إدراك؟ 

ألن تكون في قمة الراحة والسعادة, ولن يضايقك أي حدث أو شيء؟! أليست نعمة؟ مالي وللشهادة والثقافة؟ 

سيقال عنك بليد وأبله وبلا إحساس.. أو ليست نعمة, في هذا الزمن الأغبر؟ 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك