المقالات

الهجرة إلى تكريت..!‏


محمد الحسن

أصمت وإلا كسرت أنفك, أما تعلمت الإحترام بعد؟.. قل "تكريت المقدسة"..!‏

‏     قد يحصل من دخلها على حصانة, وليس إلا خارج أسوار تلك الأكواخ الطينية.. آه.. لم تعد أكواخاً, ‏فمصائب الشعب عند الطغاة فوائد.. هي الأيادي السمراء تتبع أموال مدنها المنتهبة لتبني مركزاً  لتربية ‏الجلادين!..‏

طيلة الطريق, وهو يفكر في تلك الكلمات, فمن يطالب بتقديس تكريت لهجته جنوبية, ولم يشفع له إعوجاج ‏لسانه المفتعل بتغيير محل الولادة.. هل ثمة شعور بنقص؟!‏

لا بأس, سوف تكون أياماً متعبة, ولكنها أفضل من هوان "الساحة الهاشمية", فأرباب العمل شربوا من ‏دجلة. ‏

كانت تنير المدينة في ليل عجاف أيامنا, مصابيح تعلن عن إختلاف غير مألوف, وأصوات شخير المتعبين ‏تثقل الجفون بنعاس سرعان ما يتوارى خلف حيرة البحث عن مأوٍ تسترخي به عضلات جسد يستعد لإنهاك ‏أيامٍ يبدو أنها ستكون مذلّة. سوى سطح ذلك الفندق القذر, لا يوجد للجنوبيين ما يحق لهم إستئجاره. وذوى ‏بين أكداس الجياع الذين بدا نومهم كهروب قطٍ أجبرته وحوش مبهورة على اللجوء بشقٍ ضيّق حشر به ‏جسده, فلا سبيل إلى الخروج أو الصراخ, فقط عليه مواصلة المأساة والتعايش معها بأنتظار الموت ‏المريح..‏

يبدو إنّهم يكذبون, هكذا رآهم, فصورتهم نياماً تختلف عن إفراطهم في الدخان وصرامة ملاحمهم القوية.. ‏حثّ الخطى معهم إلى موقف العمال فجراً, وسرعان ما وصلوا هناك.‏

بدأ خيط من أشعة الفجر يتسرّب من بين هياكل الأبنية الجديدة, فكشف عن وجوهٍ كانت محترمة في ديارها, ‏هذا المعلم, وذاك المهندس, وضابط السابق, ومزارع جدبت أرضه؛ كلهم يبحثون عن الخلاص من الهلاك ‏بالموت!.. هو يعرفهم, فأزداد عزيمة على المواصلة. ‏

جائت عجلة مسرعة, فتشابكت الأذرع وتطاولت الرؤوس لتثبت قدرتها على إنجاز العمل, أي عمل, وقد ‏يكون بلا أجر.. الآن فقط عرف سر إشتياقهم للظلام, ولماذا يستعجلون السير نحو الموقف: هو الشعور ‏بالحاجة إلى الموت, أو الحاجة لمزيدٍ من تمرينات الإذلال. ‏

يا لحسن حظّه, فقد وقع عليه الإختيار, بنيته قوية.. حتماً لم يكن الوحيد, فمعه آخرون.. لا يدرون وجهتهم ‏إلى أين. وبعد مسير أقل من ساعة في سيارة حمل كبيرة, وصلوا إلى زريبة كبيرة, لم يحدّثهم رب العمل, ‏سوى كلمات تنّم عن إحتقار فج: ‏

أيها الشروك, هذا الجمل مكسور الأقدام وعليكم أن تحملوه إلى السيارة, وبعدها توجد بقرة في مكان آخر ‏ستضعونها بجانب هذا الجمل. ‏

حاولوا جميعهم, دون فائدة, ولكنّه هددهم بالقتل في حال فشلهم, وللخوف شحنة دفاع عن النفس قد تتمظهر ‏بقوة خارقة, فكان أن رفعوا الجمل المكسور. ومثله فعلوا مع البقرة, وهم صامتون. ‏

أوصلهم ناصية الشارع, وأمرهم بالسير دون توقّف أو إلتفات,بعد أن إنهال عليهم بالشتائم, مذكّراً إياهم ‏بكونهم "شروك" لا يستحقون سوى الموت, ولم يعطهم أجرة ذلك اليوم الثقيل, مصعّراً وجّهه صوب المدينة ‏المتبهرجة بالظفر على الرافدين!..‏

ذلك الإنسان المخدوع لا يعرف معنى "شروق". غير أنّ هذا العامل يدركها جيداً. كان مجبوراً على تحمّل ‏المواصلة, فمن ذلك الذل يمكنه فقط سدّ رمقه.. عليهم عدم الإكتراث, فالموت دون مقاومة أبشع من ‏الإستسلام على أية حال. ‏

وهو يجر أذيال الخسران والخيبة, وقع بصره على صبية يجوسون متمنطقين على أسلحتهم بخيلاء ونزق, ‏وفجأة أوقفوا الجمع المضحك, وهمّ كبيرهم يلوّح بسلاحه متوعداً بعذاب أشر إذا رفض أحدهم العمل مجاناً ‏في "مزارع سيادة حرس الفخامة".. فأذعن الجمع وأستكان تحت سياط تمسخ الروح وتزيدها خمولاً. ‏

آب ليلاً, تحثّه خطا الحقد في دروبٍ مكتظة بأمثاله المفجوعين بالسبيّ الطوعي, ولاح أمامه طيف مدينة ‏كانت تسمى عروس الخليج, فمُحقت آثارها الغابرة, ومزّق البغاة مظاهر عرسها. لا نخلة ولا حنّاء, إذ ‏تعاون شطّها الذي صار يجري سموماً, مع خبث الدهر. ‏

تحجّر الدمع في مآقيه, وأزمع أن يهجر تكريت وإلى الأبد, لم يفكر بطيش العودة دون حذاء, بعد أن تمزّق ‏حذاءه المدرسي في مزراعهم وزرائبهم المبنيّة من نفط أرضه وميناءها العتيق.. ما ذكرهم بسوءٍ قط, مبرراً ‏لهم حقدهم بعد أن شاهد أشلاء أبناء جلدته تتناثر بأستمرار..!‏

ولكنّه عاد إليها مجدّداً.. عودته هذه المرة مختلفة, فبعد سنوات سقطت تكريت في غزوٍ بربري أذل أهلها ‏وإستهتر بحرماتهم, فهبّ مدافعاً عنهم.. رغم هجرته لتكريت ملفوفاً بعلم مصبوغٍ بدمه؛ تلقّى أهله البلاغ ‏التالي: أبنكم سرق (ثلاجة) سعرها بضعة آلاف من الدنيانير!..‏

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك