عبدالله الجيزاني
كل الشعوب لديها مناسبات وطقوس، تقوم بالاحتفال بها سنويا على الاغلب، تختصر هذه المناسبة على فعالية او نشاط يتعلق بتلك المناسبة او الطقس، كذلك تختلف الغاية من احياء اي مناسبة او طقس، تارة تكون ذكرى لشخصية او حدث مر به شعب او امة، او طقس تعبدي، يضاف لذلك فأن المناسبة او الطقس يخص فئة اجتماعية معينة، ذات انتماء اثني او قومي واحد.
زيارة الاربعين تلك المسيرة الخالدة التي يحييها المسلمون وبالاخص الشيعة منهم، تزامنا مع عودة سبايا ال الرسول من الشام الى كربلاء في العشرين من صفر،بعد واقعة الطف في العاشر من محرم الحرام، ممارسة عقائدية تتضمن مفردات حياتية وانسانية لاتوجد في اي ممارسة على وجه الارض وعلى مر التاريخ.
الاعداد التي تشارك فيها، لاتوجد في اي مهرجان عالمي مهما حشد واعد له، والممارسات التي تحصل فيها، لاتوجد الا في بطون الكتب التي تتحدث عن المدينة الفاضلة.
الاعداد التي فاقت العشرين مليون، تدخل الى مكان مساحته اقل من " 52.856 كم2"، كل هؤلاء يأكلون ويشربون حد الكفاية، وينامون بأفضل الاماكن، لاتخسر الدولة على اي فرد من هؤلاء دينار واحد، ولاتتدخل بالتنظيم او الادارة، هذا يعطي درس على الادارة الذاتية، التي يقوم بها الزوار لانفسهم، لايمكن في كل الحسابات ان يتمكن اي اطار تنظيمي تحقيق النجاح الذي تحققه الاربعينية في كل عام، مع تطور في الاداء والاليات.
الاعداد التي تشارك في هذه الزيارة، لا يحصل بينها اي احتكاك او خلاف الافي حالة واحدة، هي اجبار الزائر من قبل خدام الزوار على تناول الطعام او المبيت او تقديم اي خدمة، التي تصل الى غسل الملابس وصبغ الاخذية او تدليك الرجلين، فقط في الاربعينية ينسى المتخاصمين خصامهم مهما كانت اسبابه.
الاعداد هذه تختلف تختلف باللغة والانتماء القومي والبيئي، حيث توجد جنسيات مختلفة من دول العالم كافة تقريبا، التعامل بينهم يفوق تعامل ابناء الاسرة الواحدة، الحب والوئام وطمع بعضهم بخدمة البعض الاخر، لتمتد هذه العلاقات وتتجذر الى ان تصبح علاقات عائلية وتزاور ودعوات، كذلك تجد اتباع ديانات ومذاهب مختلفة تشارك في هذه المناسبة، سواء بالمشي او الخدمة.
هذا السيل البشري يحرص بعضه على الاخر بشكل عجيب، حيث يجسد على ارض الواقع الحديث النبوي " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الاعضاء بالسهر والحمى"، اذا شكى احد الزوار من اي حالة، يتنافس الجميع لتقديم المساعدة، بل يتوسل احدهم الاخر ليسمح له بتقديم الخدمة، ليحظى بشرفها ورفعتها، كما يؤمن.
الاربعينية امة ليس لها مثيل على وجه او تاريخ الارض، تختلف في قيمها وانظمتها وقوانينها، التضحية والتخادم والتعاون والشهامة والرجولة، وكل الاخلاق الفاضلة موجودة في امة الاربعينية، ايضا من يشارك في الاربعينية يتعلم دروس وقيم ويضيف لمعلوماته اشياء يجهلها، سواء في الفقه الذي ينتشر مدرسوه على طول الطرق التي يسلكها الزائر، او في العقائد التي تتجسدعمليا، عندما تتمكن عقيدة من دفع الشيخ والطفل والمرأة لقطع الاف الاميال لغرض زيارة الضريح المقدس للامام، وتدفع التاجر والفقير والموظف الى البذل والعطاء ولو بالاقتراض، لتقديم الخدمة والطعام والمنام، لناس لم تكن بينهم سابق معرفة او علاقة، فضلا عن دروس الايثار والتواضع والكرم.
الاربعينية مدرسة انسانية متكاملة، تضم مفردات لقيم انقرضت او كادت، بعضها لم يبقى منه الا اسمه او معناه في باطن الكتب، حتى اعادتها الاربعينية للحياة، واصبحت ممارسة على ارض الواقع، تتسابق الملايين لتجسيدها كل عام.