بقلم: حسن الهاشمي
المعروف عن الإسلام أنه دين التسامح والتعايش والمحبة، يستحوذ على القلوب ويأسر الألباب لما يحمل في صفحاته من مثل قيمة وأخلاقيات عالية وتعاليم راقية ليس لها مثيل في بقية الأديان والشرائع سماوية كانت أم وضعية، ويمكن مشاهدة كل تلك الأمور من خلال الكتاب والسنة النبوية وعترة أهل البيت (عليهم السلام) التي أوصى بها الرسول لإكمال الرسالة واتمام النعمة وتركيز دعائم السعادة والرخاء في الدنيا والآخرة.
ولكيلا ندخل في سجالات نحن في غنى عنها نورد هنا خبرا يحز في قلوب المؤمنين لما يحمل بين طياته أجندات غريبة هي بعيدة في حقيقة الأمر عن أرض الكنانة وعلماءها المعروف عنهم انصياعهم للحق حتى في الماضي القريب من الأيام، ومفاده: أكد مفتي الديار المصرية علي جمعة أنه رفض اصدار فتوى تجيز للشيعة المقيمين في مصر - وغالبيتهم من العراق - اقامة حسينية خاصة بهم في مدينة 6 أكتوبر بالعاصمة المصرية القاهرة.وأكد جمعة: تمسك مصر بنهج وعقيدة أهل السنة والجماعة، منوها الى أن: المصريين بفطرتهم محبون لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويرفضون أي محاولة رخيصة تستهدف الاساءة اليهم.
وقال: ان انتقاد الصحابة الكرام، بما يستوجب انتقاصهم أو تفسيقهم هو فسق بيِّن، يُسقط عدالة صاحبه، ولا تُقبل شهادته عند القضاء، ويقدح في عقيدته، وينتقص ثوابه، ويدخله في أهل الأهواء والبدع، مشددا على أنه يجب على ولي الأمر حينئذ معاقبة من يفعل ذلك وتعزيره حتى يتوب الى رشده، ولا يكون سببا في فتنة الناس، واسماعهم ما يؤذيهم فيما يحلّونه ويحرمونه عن نقلة الدين الأوائل.
الموالون لاهل البيت عليهم السلام فوجئوا بفتوى مفتي الديار المصرية برفض بناء حسينية في مصر متوهما ومتهما الشيعة بانهم يسيئون إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع ان الحسينيات اماكن يعبد فيها الله سبحانه وتعالى وتربي الشباب والفتيات على حب الإسلام والوطن وتزرع فيهم الخير والمحبة واحترام الآخرين والتعايش السلمي والانفتاح على جميع شرائح المجتمع واحترام القوانين المعمولة في البلاد، نعم ينتقدون كل من وقف وحارب وقتل ابناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمثال معاوية وابنه يزيد وكل من عمل على تقويض وتشويه الإسلام باسم الإسلام.
قد يُقال إنَّه لا شك في وجود جماعة تلعن بعض الصحابة، فما هو السبب في كونهم من هذا الصنف، في حين أن السب لا تقرّه شريعة ولا يؤيده عقل ناضج ولا تستسيغه فطرة سليمة؟ وهل أن الصحابة كلهم عدول أم فيهم الغث والسمين والصالح والطالح؟
اللعن هو الطرد من رحمة الله والسب هو ذكر المثالب والإنتقاص من الآخرين، فالأول موجود في القرآن والسنة ولا ضير بتبنيه إزاء كل من ثبت مروقه وانحرافه عن تعاليم السماء، والثاني هو المستهجن الذي لا يقره دين ولا عقل. صحيح أننا أمرنا بأن لا نكون من السبابين، والذي يتسلح بالدليل والبرهان القاطع فهو في غنىً عن السب والشتم والوقيعة، التي طالما يلجأ إلى هذه المفردات من ليس له باع بالإقناع والحكمة والموعظة الحسنة، بيد أنّ موضع الخلاف في اللعن وهو يكمن في نقطة واحدة، وهي أنّ أهل السنّة يقولون بأنّ كلّ من رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعاشره ولو يوماً أو يومين فهو محكوم بالعدالة منذ اللقاء إلى يوم أُدرج في كفنه، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غير ذلك، محتجّين بما نسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أصحابي كالنجوم ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم.
والحقيقة أن الأصحاب لم يكونوا على نمط واحد، فالمتصفح للقرآن الكريم والسنة النبوية الأصيلة يقف على أنهم كانوا مختلفين من حيث قوّة الإيمان وضعفه، والقيام بالوظائف والتخلّي عنها، فيجب إخضاعهم لميزان العدالة الذي توزن به أفعال جميع الناس، وعندئذ يتحقّق أنّ الصحبة لا تعطي لصاحبها منقبة إلاّ إذا كان أهلا لها، وأنّ محاولة المساواة في الفضل بين جميع الصحابة أمر فيه مجافاة صريحة للحقّ وكلمة الصدق، وهذا ما ذهبت إليه الشيعة، وهو نفس النتيجة التي يخرج بها الإنسان المتدبّر للقرآن الكريم.
والمعروف عن جمهورية مصر العربية بلد الحضارات والتسامح والمحبة وحرية الاديان والمذاهب، فالمسلمون لهم جوامع وحسينيات في البلاد الغربية والمسيحيون وباقي الديانات لهم الكنائس والمعابد في الدول العربية، والاقباط لهم كنائس في مصر، فلماذا سوء الظن بالموالين لأهل البيت (عليهم السلام) ولماذا يعتقد الدكتور جمعة ان الموالين لأهل البيت يجب ان يكونوا في مرتبة اقل من الاقباط ويرفض بناء مكان باسم ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام) على أرض الكنانة؟!
الشعب المصري يحب اهل البيت عليهم السلام ويقدسهم ويزور الاماكن المنسوبة لاهل البيت في مصر فلماذا إحداث شرخ بين معتقدات المصريين ومعتقدات أتباع أهل البيت الذين يلتقون جميعا بأواصر عديدة وعلى رأسها محبة ومودة أهل بيت النبوة، لاسيما أن الموالين لاهل البيت يحترمون بقية المذاهب وخصوصا المذهب الرسمية أو حتى الأديان والمذاهب للبلدان التي يعيشون فيها، ومن الواضح أن في العالم توجد عشرات آلاف من الجوامع والحسينيات يحيون فيها المراسيم الدينية في الوقت نفسه يحترمون احتراما كبيرا المقدسات والمعتقدات للمذاهب والديانات الأخرى، وهذه الحسينيات تمارس نشاطاتها امام مرأى الجميع في نشر التوعية الدينية والأخلاقية والإجتماعية وتوطيد العلاقات فيما بين المجتمعات الإنسانية.
ولا ندري ما السبب في تحريم بناء مكان يذكر فيه اسم الله جل وعلا ورسوله الاكرم (صلى الله عليه وآله) وفضائل اهل البيت (عليهم السلام) ولا يسيئون إلى احد، بل أنهم يقابلون إساءة الآخرين بالإحسان وسعة الصدر والمجادلة بالتي هي أحسن بالدليل والبرهان وسديد العبارة والبيان، وأنهم سواء كانوا في أفغانستان أو باكستان أو لبنان أو دول الخليج العربي أو العراق يواجهون إساءة بعض المحسوبين على أمة الإسلام بالصبر والتحدي وطول الأناة والحلم، بالرغم مما يتعرضون فيه إلى إبادة وتهجير وتدمير لمئات المزارات التابعة لهم وإجحاف للتعامل وغمط للحقوق، بيد أنهم التزموا بفتاوى مراجعهم في عدم الإنجرار وراء كل ما يثير الفتنة والتفرقة وشق صفوف الأمة الواحدة، والدعوة إلى وحدة الصف والعدالة في كل مناحي الحياة وإقامة دولة القانون التي تحفظ حقوق الجميع من دون امتياز لجهة على حساب جهة أخرى.
فأيهما سماحة الشيخ الأجل أحق بالتعزير وإقامة الحد حتى يتوب إلى رشده ولا يكون سببا في فتنة الناس؟! الذي يدعو إلى التسامح والتعايش والمحبة أم الذي يحرض إلى التكفير والتهجير والإبادة واستباحة الدم والأموال والأنفس! سؤال يبحث عن إجابة مجردة عن دوافع طائفية ومصلحية ضيقة، وبعيدة عن أجندات خارجية تحمل طابعا تحريضيا سياسيا لخدمة شريحة معينة باتت مصالحها في مهب الريح في زمن العولمة الثقافية التي أظهرت الحقائق للعيان دون أن تحجبها الغربان.
https://telegram.me/buratha