( بقلم : كريم النوري )
ثمة مفاهيم لا تتحدد بمقاسات معينة او معايير محددة حتى يمكن اطلاقها بلا قيود او حدود وهي مفاهيم انتزاعية او نسبية لا تتبادر الى الاذهان دون ان تلامس الواقع. هذه المفاهيم ليست معادلات رياضية يمكن فهمها بطريقة حسابية معينة او تلاصق الاسماع والاذهان بوتيرة واحدة فقد ما يتبادر الى ذهن بعض المتلقين يختلف عما يتبادر الى اذهان غيرهم وقد يقرأ كل طرف المفهوم بفهمه وادراكه. ومن هنا فقد تتفاوت الافهام بحسب ما يتبادر الى الاذهان فتختلف القراءة وتتعدد الرؤية وتتباعد الفكرة عن المفهوم الواحد.
فعلى سبيل المثال لا الحصر او الاستقصاء فان مفهوم الصبر باطلاقه العام قد يتعدد او يتعقد فهمه وتحديد مصداقه فقد يتعاطى معه بعض بانه الخنوع والاستكانة والخضوع بينا يفهمه اخرون بانه التحمل والصمود والسعي.وهذا الفهم المتعدد قد نطلق عليه الصبر السلبي والصبر الايجابي والاول مخطوء والثاني مقبول.والكثير من المفاهيم المطروحة في الفكر الاسلامي قد تحتاج الى بيان وتوضيح وتحديد وهذا البيان يتوقف فهمه على المتخصصين من ذوي الخبرة والدراية.
هذا الاختلاف في التفسير والتعدد في الفهم يؤكد اهمية الرجوع الى اهل البيت(عليهم السلام) وامتداداتهم المتمثلة بالمرجعية الدينية عبر فهم الكثير من المفاهيم والوظائف الشرعية لقصور العقل وتفاوتها في الفهم والادراك لكل التكاليف والمفاهيم. ليس من الصحيح اعتماد العقل وحده وما يمكن ان يصححه لنا من مفاهيم وآيات قرانية واحاديث نبوية وروايات اهل البيت والعصمة لاحتمال ان تكون عقولنا قاصرة او متفاوتة في الادراك والصواب.
ان اطلاق المفاهيم جزافاً دون فهم معمق يؤدي الى نتائج عسكية ومردودات خاطئة وخصوصاً تلك المفاهيم المعقد فهمها والمتعسر هضمها كمفهوم الفتنة الذي هو عنوان مقالنا هذا. وفهم مفهوم الفتنة وتحديد مصاديقه هو فتنة ايضاً ويحتاج الى المزيد من الوعي والادراك حتى لا تحتجب الرؤية وتضطرب الافهام وتضيع الحقيقة.
لابد من معايير ووضوابط معرفية لتحديد هذا المفهوم وفك طلاسمه وحل الغازه وتفكيك تداخلاته وتعقيداته.فقد ما نراه فتنة هو ليس كذلك وما نراه غير ذلك هو الفتنة. اذن لابد من الرجوع الى قاعدة كلية ترشدنا ولو بطريق الاجمال عن تحديد هذا المفهوم. وقد يمكن من الناحية النظرية تعريف مفهوم الفتنة لعة واصطلاحاً ولكن المشكلة تكمن في تحديدها في المصاديق الخارجية وتعريف الاشياء بتجيسداتها في الواقع.
ولا نحتاج الى التنظير اليها كثيراً والبحث في معاجم اللغات لمعرفة المقصود الحقيقي المراد منها بل نحتاج الى التعامل معها في الواقع العملي. والمفارقة ان الكثير من ازماتنا يتعاطى معها الكثيرون بطريقة ارتجالية ويحددون عبارات غير دقيقة ففي كل التحقيقات المكلفة بالشكف عن ملابسات الاحداث والفواجع يفاجئنا المحققون او المعنيون بالكشف عن النتائج بانه ليس من المصلحة الكشف في هذه الظروف عن النتائج واذا اضطروا الى كشفها تحت وطأة الضغوط الشعبية فانهم سرعان ما يحرفون الحقيقة ويظهرون خلافها بذريعة المصلحة او الخوف من الفتنة؟
ولا ندري ما هو معيار الفتنة والمصلحة ومن يحددهما ويشخص مصداقهما فهل اخفاء النتائج وتغييبها عن الشعب صاحب القرار الاول والاخير في العهد الديمقراطي الجديد هي خلاف الحكمة والمصلحة وهل اظهار النتائج ومعرفة الفاعلين والمتسببين هو فتنة؟
وفي حال الاضطرار الى كشف ملابسات وتعقيدات الازمة كما حصل في زرية كربلاء فهل اظهار نتائج ذوقية توافقية هو من المصلحة وهل تحديد ثلاث عصابات غير مرتبطة باية اجندة سياسية او جهات دينية او سياسية هو تبرير مقبول ومعقول وان كربلاء حشدت اكثر من احد عشر الفاً من المقاتلين الحكومين المدافعين عن الزوار والمناسبة فهل تسقط كل هذه الاستعدادت والقدرات الامنية بمجرد تخطيط ثلاث عصابات لاحتلال الحرمين واجهاض الاحتفالات بالمناسبة الشعيانية الكبرى؟
هل النتائج تجري بهذه الطريقة الهزيلة ونحن على اعتاب بناء دولة المؤسسات والقانون؟وربما يدعي الاخوة في وزارة الداخلية انه من الفتنة اظهار النتائج للشعب او ان التردد في ردع الخارجين عن القانون قد يؤدي الى الفتنة؟ بينما ضرب الحرمين في كربلاء وترويع زوار ابي عبد الله الحسين لم يكن مدعاة للفتنة والفوضى والانفلات؟ نامل ان لا تكون امزجة القيمين على الاجهزة الامنية ومصالحهم فوق مصالح الشعب ويحددون المصطلحات بمسؤوليتهم او يتعرضون لابتزازات او اوهام الرعب فيلجأون الى هذه الاساليب من التهدئة الخاطئة ومجاملة المتسبيين لفتنة كربلاء.
https://telegram.me/buratha