( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين )
المتتبع لمسيرة التيار الحكيمي منذ أواخر اربعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة سيخرج بنتائج عديدة اهمها سمة الوسطية التي طبعت حركة وفلسفة وآليات هذا التيار وعلاقاته وافكاره ومناهجه السياسية والشرعية والاجتماعية ويأتي في مقدمة العناوين التي تتشكل منها مفردات الوسطية الحكيمية، المدرسة الاصلاحية التي انقطعت عنها الامة منذ عصر الأفغاني والكواكبي اللذين قادا بامتياز هذه الحركة خلال التاريخ المعاصر.فالحكيم الأب والمرجع والإمام (قدس) كان قد برع في ترسيخ دعائم هذه المدرسة التي تلاشت أمامها المعادلات العرقية والمذهبية والطائفية، وقد استطاعت ان تدخل هذه المدرسة في الحيز السني العربي المحلي مع توافد زعماء القبائل وأساطين العلماء السنة العراقيين في الحقب السياسية العراقية المضطربة خصوصاً تلك التي شهدها العقد الخمسيني من القرن الماضي، وكانت الملكات السحرية التي تمتعت بها شخصية الإمام الراحل قد جذبت بقوة المشتركات التي تلتقي في نواتها كل المذاهب والطوائف الإسلامية بل والسياسية ايضاً، وقد أرست تلك المحورية ركائز وحدة وطنية حقيقية عندما أفتت بحرمة إراقة الدم الكردي من قبل أي سلطة كانت والى أي مذهب او عرق تنتمي، بل وانها هددت بالإفتاء ضد اية سلطة تحاول استضعاف أبناء شعبنا الكردي لتلحق بهم القهر والحرمان والموت الجماعي، ولعل هنالك جوانب أخرى لم يعلن عنها حتى الآن منها خطاب الإمام الراحل للسلطات آنذاك والذي حذرهم فيه من مغبة انزال عقوبة الإعدام بكبار ضباط الجيش العراقي كالزعيم رفعت الحاج سري والشواف حيث جاء في رسالة الإمام:"ان هؤلاء الضباط يعتبرون ثروة وطنية اولاً، وينحدرون من اسر اجتماعية عريقة، وان إعدامهم ليست فيه أية مصلحة للبلاد"، هذا فضلا عن الموقف التأريخي الشهير لهذه الزعامة الدينية التي ابطلت مفعول قرار حكومة قاسم عندما اراد احتلال دولة الكويت مع بداية عقد الستينيات، وهذا ما يعرفه الكويتيون اكثر من غيرهم، وهذه وثائق مدونة في العديد من مراكز الارشفة، وجاء بعض منها في الكتاب الذي ألفه الدكتور عدنان السراج حول تأريخ مرجعية الإمام الحكيم.
واختزالاً لحركة التأريخ نعتقد ان من الضرورة ان نعرج على امتدادات هذه المدرسة او هذه الظاهرة الوسطية والتي بلغت ذروتها مع تصدي شهيد المحراب للحراك التبليغي والسياسي خصوصاً منذ منتصف عقد السبعينيات وحتى استشهاده، وما يراد التذكير به هنا هو ان هذه الشخصية تكاد تكون الوحيدة التي استطاعت ان تجمع اقصى اليمين من القوى السياسية العراقية التي اختارت الوقوف بوجه الديكتاتورية بأقصى اليسار، وهذه معادلة لم تتحقق عبر التأريخ العراقي بقديمه وجديده، وقد كانت لمساعيه ومشاريعه الميدانية التغييرية ما يكفي ان يجعل منها نقاط ارتكاز محورية ضمت التيارات القومية والليبرالية والديمقراطية والكردية والإسلامية واليسارية، وهذا ما عبَّرت عنه أُطر لجنة العمل المشترك ومؤتمرات صلاح الدين ولندن ودمشق وطهران وغيرها من الأنشطة التي سجلت في حينها حضوراً إقليمياً ودولياً لافتاً بعد ان ظلت تلك القوى تراوح مكانها أكثر من عقد من الزمان دون منهاج او برنامج حركي سياسي ميداني تغييري معروف.
بالتأكيد ليس هذا كله ما نستطيع ان نتحدث عنه عن هذه الشخصية في اتجاهاتها السياسية، بل هنالك الكثير الكثير، ولعل الأبرز منها هو ان شخصية شهيد المحراب (قدس) تكاد تكون هي الوحيدة التي استقبلها الملوك والرؤساء والأمراء والقادة بنفس السياقات والبروتوكولات التي يستقبلون بها أقرانهم، اما ما لم يأخذ حقه في الإعلام من بعض ميزات هذه الشخصية فانه كان رئيس الهيئة العالمية للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وهذا المؤشر هو الأهم للتدليل الواقعي على تلك الوسطية التي اتسمت بها هذه الشخصية والتي اثبتت بأنها الوريث الشرعي لتلك المدرسة الإصلاحية، وبما ان المجال لا يسعنا للخوض أكثر في تفاصيل هذه المدرسة لكن الاتجاهات العامة التي تحددت بموجبها قياسات شخصية سماحة السيد عبد العزيز الحكيم ونجله السيد عمار الحكيم هي نفسها قياسات واتجاهات الإمام الراحل والمرجع الشهيد، ولهذا حديث آخر سنأتيه في حينه ان شاء الله تعالى.
https://telegram.me/buratha
