( بقلم : المهندس محمد علي الاعرجي )
نهر البارد، هذا الاسم الذي قفز إلى السطح واحتل حيزا لا باس به بين أحداث المنطقة الساخنة عموما والساحة اللبنانية خصوصا، ولا اعتقد أن هذا النهر بقيت مياهه باردة على ضوء تلك الحمم النارية التي أطاحت بالبنية التحتية للمخيم الفلسطيني المقام على إحدى جانبي نهر البارد .
وبالرغم من هول الأحداث التي صبت علينا نحن العراقيين، فقد كان لنا متسعا من الوقت وفسحة ضيقة من التيار الكهربائي لمتابعة ما يجري من حولنا وهو بالتأكيد له علاقة بنا شئنا أم أبينا، فالمنطقة مقبلة على أحداث جمة مادامت أرضها تختزن النفط الذي يديم الحياة على كرتنا الأرضية، وعدم اكتمال ألمشروع اليهودي في السيطرة والتحكم على مقدرات المنطقة بعد .
ورغم إن اسم نهر البارد لم يكن مشهورا كبقية المسميات اللبنانية مثل صبرا وشاتيلا وبنت جبيل ومزارع شبعا وغيرها إلا أن البارد فرض نفسه بقوة على يافطات الأخبار وتصدر العناوين لا لكونه مخيما للاجئين الفلسطينيين بل كون الأحداث التي جرت وتجري فيه حملت من الأسرار والألغاز الكثير الذي حير المراقبين والمحللين السياسيين .
فكيف تمكنت هذه المجموعة الصغيرة من المسلحين أن تصمد كل هذه المدة أمام قوات الجيش اللبناني، ومن أين لها كل تلك المعدات والأسلحة والصواريخ التي جعلتها تفتك بقوات الجيش . ولماذا كل ذلك التعتيم على عمليات الجيش داخل المخيم وأين حضور كاميرا قنوات فك الأسرار كقناة (الجزيرة) في مثل تلك الأحداث وهل يستحق القضاء على مجموعة فتح الإسلام كل ذلك القصف الذي أحال مساكن ومباني المخيم ركاما لا تصلح للعيش مستقبلا ؟
ثم السؤال الذي بقي ويبقى دون إجابة، هو لماذا قامت أمريكا بإرسال مساعدات عسكرية عاجلة للجيش اللبناني لمقاتلة عناصر فتح الإسلام في سابقة لم تحصل من قبل، وليس بعيدا عنا حرب تموز 2006 التي شنتها إسرائيل ضد المقاومة الإسلامية اللبنانية ولم تستثني مقرات الجيش اللبناني وقتها من القصف، ولم نرى حينها صانعي القرار الأمريكي يقدمون الدعم لشعب لبنان أو جيشه ! ولعل البعض يسال لماذا نهر البارد الآن، وأين تم تدريب تلك المجموعة ومن قدم لها الدعم العسكري والمالي وكيف تمكنت من التمترس في المخيم .
ونسأل أيضا لماذا قرار إبادة عناصر المجموعة عن بكرة أبيهم، ألا يوجد بينهم أسرى يمكن أن يعرضوا على القضاء وأمام الإعلام لتنكشف الحقيقة، أم إن الحقيقة يراد لها أن تطمس خوفا على الرؤوس التي أرادت أن تعبث بلبنان آو تعرقن لبنان كما يحلوا للبعض أن يقول بعد آن أصبح العراق أمثولة للقاصي والداني وكنا نخشى على العراق من اللبننة !!!
ونعود لجدلية البيضة والدجاجة أيهما من الأخرى، وهكذا العرقنة واللبننة أيهما صار مثالا للآخر، في حين إن الأمر مرتبط ببعضه ولا يمكن أن ينفصل فما دار بلبنان وقع في العراق وأريد له أن يعود إلى لبنان مرة أخرى بالاغتيالات والتفجيرات ومجاميع فتح الإسلام التي لم تتبناها حتى الفصائل الفلسطينية المعروفة وبالتالي بقيت مجهولة النسب مما حدا بالجهات التي أوجدتها لأن تستنجد بالأمريكان للقضاء على المجموعة المتمردة وقتلها في مهدها والحيلولة دون خروجها للشارع اللبناني وبالتالي افتضاح المستور وسقوط أهرامات السياسة اللبنانية الجدد المتكأين على العصا الأمريكية حاليا .
ومع استمرار القصف والدمار في المخيم وسقوط أعداد كبيرة من أفراد الجيش اللبناني دون إكمال الحسم العسكري بات الأمر مقلقا وينذر بعواقب وخيمة خصوصا ولبنان يعيش أزمة سياسية خطيرة قد تدفع الناس إلى الشارع وقول كلمتها التي لم تسمع رغم الاحتجاجات السلمية التي لم تعد تنفع مع السنيورة المغرورة، وبالتالي سيكون صوت السلاح هو المسموع وهو ما يراد للبنان حاليا، فالأزمة التي ستظهر بعد انتهاء الأعمال العسكرية داخل المخيم (إذا انتهت)، في عدم استطاعة النازحين من العودة لمساكنهم كونها أصبحت أثرا بعد عين، ستدفع بهؤلاء وهم جلهم من الفلسطينيين إلى المطالبة بتوفير سكن جديد أو إعادة اعمار المخيم، وبكل الأحوال تكون النتيجة في غير صالح لبنان المتعب أصلا والذي أتعبه أكثر هو البحث عن حقيقة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري التي لايراد لها أن تظهر وان ظهرت فسوف يكون وقعها على لبنان اشد من يوم الاغتيال وقد تعصف بما تبقى من هدوء حذر، خصوصا إذا كانت نتائج التحقيق نزيهة وبعيدة عن المؤثر الإقليمي والأمريكي (ونحن نشك في ذلك )، حيث سيظهر الجناة الذين كان هدفهم من اغتيال الحريري هو اغتيال التوافق الهش بين الكتل السياسية المتصارعة على ساحة الحكم اللبنانية وإفساح المجال أمام التدخل الامريكي والفرنسي وإخراج لبنان من المواجهة مع العدو الإسرائيلي، وكانت إحدى صفحات التدخل هذه هي ماحصل على ضفة نهر البارد الساخنة والحبل على الجرار .
https://telegram.me/buratha