المقالات

حكايتي مع الهجرة .

2529 2015-09-24

سأهاجر ولن أعــــــود.. كلمات قلتها، بعد أن أتصل بي أخي المغترب، وشجعني على الهجرة، للبحث عن مستقبل أفضل لعائلتي، وبعد أن أقفلت أبواب بلــــدي بوجهي، ولـــــم أستطع كسب حريتـــي، وتعرضـــت للاضطهاد السياســـي بسبب آرائــي ؛ والأجتماعـــــي؛ وحتى المبني على الــــجنس .
أقنعت زوجي بضرورة الــهجرة، وبناء حـياة جـديدة، مـا كـــــــان منـه إلا إن أتصل بأحــــد أصدقائــــه، الــــذي يملك علاقــــــات واسعــــــة، بحكم سفـــره إلى تــــــركيا كــــثيراً، وتعاملـــــه مــــع (القجقجية)، فــرتب لنـــــا الأمـــر، بــــعد أن قـــمنا بكل ترتيباتنــــــــا من الـــداخل، وتهيئــــة وضعنــــا، والـــــتجهيز للــــهجرة.

ودعنا أهلـــــــنا وأصدقـــــائنـــــا على أمــــل لقاءهــــم في ظروف أفضل، تألمنا لتركنا جذور صنعناها بدموعنا على مــــر سنــــوات طــــويلة، لــــــكن أنتهـى بنـــا المطـــــاف أن تــــركنا كـــل ما دأبنـــــا بالعمل عليه، لأننا ضعنا في بلد بلا هوية، إقتسم هويته بين جيرانه، وباع آخر أنفاسها، خرجنا ومشاعرنا تتخبط، بين فرح وأمل بحياة جديدة، وحزن ويأس على حياة غرسنا فيها قلوبنا وأوجعتنا مراراً وتكراراً .

وصلنا تركيا بخير وسلامة؛ بقينا عدة أيام ننتظر خبراً من (القجقجي) الذي سيقوم بإخراجنا، مع أتصالاتنا المتكررة عليه، وأيام تمضي، ونقودنا تقل يومــــاً بعد يــــوم، لإننا عائلة مكونة من خمسة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال، فما كان إلا أن جاءنا المهرب، وأبلغنا بإكتمال العدد والإتفاق مع طاقمه، أتفق معنا على اليوم والساعة والمكان الذي يجب التواجد فيه.

حزمنا أغراضنا التي حزمنا قبلها أمرنا وتوجهنا إلـى الموعد، فوجودنا العوائل والشباب، كــــما وجـدنا المهربين الذين تعطيك وجوههم، إنطباع بالريبة والشك في إنهم سيبيعونك في أقـرب موجة، صعدنا على متن قارب الصيد الذي لا يتسع إذا ما أكتظ به الراكبون إلى خمسون شخصاً، وأعدادنا فاقت السبعون بين رجل وإمرأة ومراهقين وأطفال.

أولادنا خائفون، أكثر مما كانوا يخافون عندما تحدث إشتباكات قرب بيتنا في العراق، لإنهم بوقتها كانوا تحت سقف، مع أم وأب واثقين من حماية أولادهم، لكنهم اليوم لا يرون السقف، ولا يشمون رائحة حماية آباءهم، فالآباء أنفسهم خائفون، ووجوههم تخبرهم بأنهم غير متأكدون من قرارهم، وما كانت إلا ساعة حتى أنطلق المركب، والكل سبح بأسم الله، حتى الذين لا يؤمنوا بوجوده.

ساعات من البرد؛ والخوف؛ والهلع، وأبني يسئلني (ماما حبيبتي آني خايف) وأنا أدلعه (حـبيب مـامـا لا تخاف شوية ونوصل، تخيل إنك صاعد بسكة الموت)، (ماما بس آني ما أصعد بسكة الموت، مو كنتي ما تخليني أصعدها، وتكولين أخاف عليك، لا يوكف كلبك)، وقـلت في نفسي:( شلون لعد جبتكم بهل الــخطر، وما أعرف راح نوصل لو نغرك) فبكيت كثيراً بوقتها.

نزف قلبي وأنا في أشــد وأحلك الساعــات التي تمر علـي، وبين الـرعب؛ والإستغفار؛ والدعاء؛ وصراخ الأطفال من هنا وهناك بسبب تعالي الأمواج؛ والقلق الذي يعيشه جميع من في المركب؛ صاح (القجقجي: وصلنا)، آه وصـلنا واخيراً، قبلت أولادي وزوجي وأحـتضنا بـعضنا، وحـمدنا الله وشكرناه على وصــولنا للجانب الآخر المجهول، على أمل إيجاد وطن طال بحثنا عنه، خلف أسوار وطن بلا أسوار .


أنتظروني.. سأكمل معكم رحلة الهجرة عندما أصل..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك