المقالات

النزعة الاستهلاكية خطرة دون النزعة الانتاجية

2251 2015-09-18

العراق ليس البلد الريعي الوحيد الذي يعتمد في موازنته وموارده على النفط.. فمعظم البلدان النفطية المحيطة بالعراق كالدول الخليجية وايران مشابهة من هذه الزاوية لاوضاع العراق.. الفارق هو ان النزعة الانتاجية تتراجع عندنا بينما تسعى تلك الدول لزيادتها في بلدانها.

فبات العراق مستورداً من الدول المجاورة الاقل مؤاتاة من ناحية الموارد الطبيعية لسلع كالحليب والماء والاجبان والتمور والفواكه والخضروات والحاجيات المنزلية كالاثاث والادوات المطبخية والشخصية كالاقمشة والملابس والاحذية، وبعض الاجهزة الصناعية، بل استطاعت ايران ان توجد لنفسها سوقاً مهمة في العراق لتصدير الماركات الايرانية من السيارات.

تعتمد نماذج الدول النفطية الخليجية على تشجيع الاستثمارات الوطنية والاجنبية وفتح كافة المجالات للاستثمار وجلب ارقى المعامل واكثرها تقدماً، واقامة افضل المزارع والمراعي، وجذب السواح والمحافل الدولية، واقامة المؤتمرات العالمية والاقليمية، وتنظيم اعلى اشكال الورش والدورات التدريبية، وارسال عشرات الاف الطلاب سنوياً للحصول على اعلى الشهادات والتقنيات، اضافة لاستثمار مئات مليارات الدولارات في مشاريع واستثمارات خارج البلاد.. صحيح ان نموذج الدول الخليجية خاص لاسباب عديدة منها طبيعة العمالة الاجنبية والطبيعة السكانية، لكنها تجربة يمكن التعلم منها كثيراً خصوصاً في اطار تحديث الادارات وترشيدها وفقاً للمعايير العالمية، وتقليل الاعتماد على القطاع العام لمصلحة الاستثمارات والقطاع الخاص.. ففي الامارات مثلاً خفض عدد الموظفين الى العُشر تقريباً، واخذت الدولة تتعاقد وتشتري الخدمات بدل ان تقوم هي بها، موفرة بذلك اموالاً عظيمة، وخدمات افضل، وفساداً اقل.. فدول الخليج النفطية هي من اكثر الدول استهلاكية ايضاً، لكنها باتت بالمقابل دولاً تتقدم في مجال الانتاج والاستثمار، واحدى الادلة لذلك، اننا بتنا دولة مستوردة من هذه الدول بعد ان كنا دولة مصدرة لها.

اما النموذج الايراني كبلد نفطي، والذي يشكل ناتجه الوطني الاجمالي 406 مليار دولار في 2014، وهو الثاني في المنطقة بعد السعودية، فان سيطرة الدولة ما زالت كبيرة لتصل الى 50-60% من الاقتصاد، لكن صلاحيات غير قليلة تعطى للمؤسسات الرسمية للمبادرة او لتشكيل الشركات المرتبطة بها والتي تستطيع التصرف بمرونة اعلى من البيروقراطيات عندما تسود، بشكل مطلق.. كما ان قوانين الملكية وتأسيس الشركات والمصارف والمصالح الخاصة والاستثمار في الخارج ونزعة العمل والانتاج تجد تشجيعاً كبيراً من قبل المجتمع والدولة على حد سواء. لذلك استطاعت ايران توفير الحاجيات الزراعية والصناعية والاستهلاكية والخدمية، بل تقوم بتصديرها في الاسواق الاقليمية والدولية، رغم انخفاض موارد النفط ليس فقط بسبب انخفاض الاسعار بل ايضاً بسبب الحصار والعقوبات.

ان استمر العراق بالتركيز على الانتاج النفطي على حساب انتاج القطاعات الحقيقية الزراعية والصناعية والخدمية، الخ.. وان استمر التركيز على الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك، فان الازمة الحالية لن تكون الازمة الاخيرة، بل سنواجه ازمات اخطر واشد لن تتحملها البلاد.  
عادل عبد المهدي
 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك