( بقلم : ابو مرتضى العسكري )
لا أتذكر تماما من قال ان الغريق لا يحتاج من يخبره انه غريق ساعة الغرق ،إذ انه بمسيس الحاجة الى من يمد له طوق نجاة ينتشله فيه من الغرق، وكذا الأمر فان المريض لا يحتاج من يذكره بمرضه بل يحتاج من يوفر له العلاج و الدواء للشفاء من مرضه، وهكذا فان المخطيْ أو الضال لا يحتاج من يذكره بضلاله بقدر حاجته الى من يعينه على تجاوز خطأه ويهديه الى جادة الصواب مخرجا إياه من الضلالة الى الهدى، والوصف الآ نف ينطبق انطباقا تاما على معظم القوى والأحزاب السياسية الشيعية المتصدية للعمل في الظرف الراهن ، فمع أنها تدرك انه من المحتم عليها التصدي بكل شجاعة وبروح المسؤولية للنهوض بواجب قيادة البلاد وعدم تضييع اللحظة التاريخية التي انتظرها شعبنا سنين طوال ، وربما بأطول انتظار عرفه التاريخ، وان أي تفريط بهذه اللحظة سيحيلها الى المسائلة التاريخية من شعب يوصف بأنه الشعب الأكثر وعيا بالسياسة بين شعوب الأرض قاطبة بسبب كونه هو الذي علم باقي شعوب الأرض أول أبجديات السياسة لأن على أرضنا تشكلت أول أشكال المدنية والسلطة والحكومات والدول التي عرفتها البشرية، وأنها ـ أي قوانا السياسية الشيعية ـ تدرك منذ البداية إدراكا تاما الحدود الممكنة للعملية السياسية الحالية وأنها تصدت ووجدت نفسها في حومة المشاركة وفقا لاعتبارات معلومة للجميع ، وأول هذه الاعتبارات وقوع البلاد تحت الاحتلال الأجنبي وما يقتضيه هذا الوجود من معايير أولا ، فالاحتلال واقع والأمريكان لم يأتوا الى أرضنا لسواد عيوننا بل ان مصالحهم وقيمهم التي هددها النظام الصدامي هي التي جلبتهم الى العراق ليوظفوا فيه دمائهم وأموالهم وآلتهم الحربية بتوظيف كان نتاجه هذا الذي أوصل العراق الى ما وصل إليه، وثاني الاعتبارات ان البلاد فد خرجت للتو من اعتى نظام شمولي عرفته المنطقة والعالم ربما ،وان هذا النظام على الرغم من سقوطه الرسمي الا ان احد مكونات الشعب العراقي ، أو على الأقل الفئات التي تدعي قيادتها لهذا المكون مازالت غير راغبة في مغادرة المساحة التي كانت تشغلها في ظل ذلك النظام ، أو لنقل أيضا إنها لم تفق بعد من الحالة الشمولية ، لأنها أصبحت لديها شيئا أوحدا أحاطته بقدسية ناجمة عن امتيازات الحق الإلهي للسلطة والذي تحول الى فكر وعقيدة ومنهج للسلوك وطريق للحياة لذلك المكون الذي يجد نفسه مجبرا على سلوك هذا المسلك بتأثير التمثل الجمعي وسطوة اقسار فكري عمره أربعة عشر قرنا على الأقل، و تحتاج تلك الفئات بل المكون باجمعها الى إعادة تأهيل للخروج منها، ويقينا ان إعادة التأهيل لا يمكن إنجازها كمهمة وطنية بين ليلة وضحاها،وثالث الاعتبارات ان الحكومة الحالية ليست حكومة الأكثرية البرلمانية حتى تتعامل القوى السياسية الشيعية وفقا لمقاساتها واطروحاتها، فالحكومة تشكلت بعد مخاض عسير الى ان خرجت بهذا الشكل ، ومن يستعيد الذاكرة بإنصاف سيخرج بنتيجة مؤداها : ان ليس في الإمكان أحسن مما كان ، وكان من المتوقع من جميع القوى السياسية المشاركة بالعملية السياسية دعم الحكومة وفقا لهذه المعطيات ، وكان من المتعين على القوى السياسية الشيعية على الأخص، ان تسارع لإمداد الحكومة بأسباب القوة والتوجيه والنصح والتقويم والإرشاد والتصدي بشجاعة لمهمة قيادة البلاد ، وإذا كان من الممكن ان تجد القوى السياسية غير الشيعية ما يسوغ لها الوقوف مواقف مناقضة اومخالفة اومعارضة ، بل حتى رفعها السلاح في وجه الحكومة يمكنها ان تبرره على الأقل أمام جماهيرها ، إلا ان البحث عن إيجاد مسوغات للقوى السياسية الشيعية يدخل في مستوى التبرير للهدم ليس الا، والرأي العام الشيعي يشعر بالمرارة لما آلت إليه الأمور ، ومترع بالخيبة من مواقف القوى السياسية الشيعية من أول حكومة منذ (1396 ) عاما على الأقل يمكن القول أننا قد مثلنا فيها تمثيلا يقترب من حقنا بنسبة مهمة ، فبعض هذه القوى تتصرف بروح اللا مسؤولية تماما ومنذ الخطوات الأولى لتشكيل الحكومة كانت عينها على المراكز الحكومية التي جرى سباق محموم للفوز و الظفر بها ، وكانت ومازالت روحية المغانم هي السائدة لدى معظمها ، وانتهى الحال الى انه يمكن وصف الوزارة الفلانية بأنها وزارة الحزب الفلاني، وعمليا فان قوانا قد وفرت فرصة ذهبية ( للآخر ) لا لأن يتصرف نفس التصرف حسب، بل يتخطاه بمراحل بحيث تتحول الوزارة (س) مثلا الى ملكا عضوضا، فوزاراته حرم على الشيعة العمل بالمفاصل القيادية فيها ، وعلى الأقل وفرت أجهزة حمايات تلك الوزارات غطاءا ذهبيا للإرهاب، فيما قوى سياسية شيعية أخرى انتبذت مكانا قصيا تهز جذع النخلة عله يساقط رطبا جنيا ، وأخرى أخذت موقفا مضادا من الحكومة منذ الساعات الأولى لتشكيلها ، ولم تكتف بالموقف المعارض بل فاقت حتى القوى المعادية للعملية السياسية برمتها في مواقفها التي تراوحت بين الحملات الإعلامية التسقيطية والتشكيك بالأداء الحكومي حتى قبل ان تتضح معالم الحكومة ذاتها منذ أيامها الأولى ، حتى ليبدو من هذه المواقف أنها شاركت بالعملية السياسية لإسقاط الحكومة ليس إلا ، ولم يسجل لها موقفا واحدا مساندا للحكومة على الإطلاق، ومع ذلك فإنها ما انفكت تتمتع بكل امتيازات المشاركة الحكومية ، وحتى على صعيد الحزب الذي جاء منه السيد المالكي ، فقد تناسى ان السيد المالكي لم يكن المرشح الأوفر حظا وكفاءة ، بل ان السيد المالكي مع عدم الانتقاص من شخصه الكريم ومن روحه الوثابة وتاريخه الوطني، الا انه لا ينبغي القفز على الحقيقة التي مؤداها انه كان مرشح تسوية، وان الذين قدموا تضحية سياسية كبرى من اجل القبول به رئيسا للوزراء عندهم من هو أفضل منه بالتأكيد وبكل المعايير ، ان أكاديميا أو جهاديا أو سياسيا ، ومع ذلك فان هذا الحزب استأثر بالكثير من المواقع المتقدمة بالدولة والحكومة ، فلا نعلم ماذا يصنع السيد المالكي بالـ(105) مستشارا جلهم من حزبه.
والحالة مقلقة جدا بالصف الشيعي في ناحية القوميات غير العربية التي تشكل على اقل تقدير ربع الشيعة وبما يعادل المكون السني العربي وما يفوق على المكون الكردي التقليدي ،فالتركمان الشيعة و الفيليين والشبك والكاكايين يعانون من ذات انعكاسات الحالة الشيعية التي تسعى إطرافا عدة على توهينها، وفوق تلك الانعكاسات انعكاسات التأثير الإقليمي والعامل القومي الكردي الذي يراد سيادته وتغليبه على العامل الشيعي في صفوف الفيليين وكذا بالنسبة للتركما ن الذين تضغط تركيا بنفس الاتجاه ،والشبك الذين يجبرون أو (يغرون ) على التنازل عن قوميتهم الخاصة لصالح اعتبارهم كوردا، كل هذا يلقي بضلاله على الحالة الشيعية برمتها، فيما يتعين تدارك الوضع في الوسط والجنوب بحكمة ، وكبح جماح الجماعات الشيعية المتطرفة أو ذات الارتباطات المشبوهة والتي تعبث بالوضع العام هناك مستغلة ميل العامة والبسطاء الى الرغبة بالأمان والدعة ، فتستقوي تلك الجماعات كما يرى الرأي العام لتفرض واقعا جديدا لا يخدم بالتأكيد تطلعات الشيعة وآمالهم ، وأصبح واضحا ان تلك الجماعات بارتباطاتها المشبوهة مصدر قلق ومثار مشاكل ،سيما أنها لجأت مؤخرا لذات الأساليب التضليلية التي كان يستخدمها نظام صدام للنيل من وحدة الصف الشيعي، وآخر ما تفتق عنه منهجها هو أسلوب الإشاعة ، ومنها ما يشاع بان الإيرانيين هم من يعملون على زعزعة الأمن في كربلاء المقدسة خصوصا لغرض دفع سكانها لتركها ليحلوا محلهم ، وهم كما تقول تلك الإشاعة التي تنتشر انتشار النار بالهشيم يقومون بشراء العقارات في كربلاء المقدسة لغرض تغيير واقعها السكاني والسيطرة عليها ديموغرافيا.
https://telegram.me/buratha