المقالات

كلا للميليشيات.. نعم لسيادة القانون


( بقلم : علي حسين علي )

بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي عادت المعارضة العراقية الى الوطن، وكان قد عادت معها ميليشياتها، فقد كانت لبعض اطراف المعارضة قواتها الخاصة بكل منها، وكانت تلك القوات هي ذراعها العسكري في مقارعة الطغيان ونظامه.. واذا كان لبعض الجهات المعارضة ميليشيات كانت حتى وقت قريب من التاسع من نيسان عام 2003 تتدرب خارج العراق استعداداً لدخول البلد مع بدء سقوط النظام إلاّ ان هناك قوى من المعارضة كانت لها قواتها المجاهدة تعمل داخل العراق في الجنوب والوسط وفي الشمال ايضاً، ومن بين تلك القوات الضاربة كان فيلق بدر.. ولسنا الان بحاجة الى التذكير بالعمليات الجهادية التي خاضها فيلق ضد الاجهزة الامنية الصدامية، ويكفي ان نذكر بأن صدام كان قد فقد سلطته على اكثر من نصف مساحة البلاد في وسط وجنوبي العراق، فما بين الثانية ظهراً والثامنة صباحاً من كل يوم كانت اجهزة صدام الامنية وشرطته وجيشه تختفي خلف جدران المدن وتهرب من ريف وبوادي واهوار النصف الجنوبي من العراق خشية من فيلق بدر.. اما في الشمال فكانت هناك ميليشيات عراقية فضلاً عن البيشمركة الكردية التي اصبحت بعد عام 1991 قوة ضاربة حمت اخواننا الكرد من البطش الصدامي.. وأمنت حياة مستقرة للكرد هناك. وكانت للميليشيات العراقية الاخرى في كردستان دور كبير في محاربة جيش صدام واجهزته الامنية القمعية واشتبكت مع قواته المسلحة في اكثر من معركة والحقت بها هزائم فادحة. بعد سقوط صدام عادت المعارضة العراقية الى الوطن ومعها عادت اذراعها العسكرية.. ووجد زعماء العراق وعلى رأسهم شهيد المحراب سماحة آية الله محمد باقر الحكيم(قدس) بأن اقامة دولة حديثة وعصرية لا يستقيم مع وجود ميليشيات تابعة للاحزاب، وجاهر (رحمه الله) بهذا.. وأتم سماحة السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بعد ذلك ما سعى اليه شهيد المحراب (رضوان الله عليه).. وجرت مباحثات بين زعماء القوى السياسية الفاعلة على حل الميليشيات وكان المجلس الاعلى اول من وضع القول موضع الفعل، فحّل فيلق بدر وتم تحويله الى منظمة بدر، وهي منظمة عراقية سياسية حددت مهماتها بالخدمة الوطنية في مجال الاعمار والبناء ودفعت كادرها المتخصص في المجالات الفنية الى مجال الخدمة العامة..واستجابت بعد ذلك معظم القوى الوطنية الفاعلة الى حل كياناتها العسكرية، ولما كان افراد الاذرع العسكرية للاحزاب والقوى السياسية كانوا قد خبروا العمل العسكري ضد نظام الطاغية واشتبكوا مع قواته واجهزته الامنية في معارك لا حصر ولا عد لها فقد وجد زعماء العراق الجديد، وفي مقدمتهم سماحة السيد عبد العزيز الحكيم بأن حفظ أمن البلاد ينبغي ان يوضع بيد المخلصين من ابنائه من ذوي الخبرة والاخلاص.. ولما كان بول بريمر الحاكم الامريكي المدني للعراق من اواخر 2003 وحتى منتصف عام 2004 قد حل الجيش، فقد رأى قادة العراق الجديد ان ينضم جميع افراد الاذرع العسكرية لقوى المعارضة العراقية الى الجيش والشرطة الجديدين، وكان هذا الرأي سديداً من جانبين، الاول: هو ان العراق يحتاج الى جيش وشرطة وعلى وجه السرعة، وان افراد الاذرع العسكرية للمعارضة كانوا على مستوى عالٍ من التدريب والخبرة في الاعمال القتالية، فإن انضمامهم للجيش الفتي سيزيده قوة وسيؤهله للقيام بمهامه في الدفاع عن الوطن بوقت استثنائي، وبخلاف تشكيل جيش جديد يحتاج الى وقت طويل في التدريب واستعمال الاسلحة الحديثة.. اما الجانب الثاني: فكان ان مئات الآلاف من المجاهدين ضد النظام البائد يستحقون من بلدهم ان يوفر لهم الحياة الحرة الكريمة وان انضمامهم للجيش كلاً في مجال تخصصه سيوفر لهم ولعوائلهم مصدراً كريماً للعيش.. وعلى هذا انضم الآلاف من المجاهدين الى الجيش والشرطة ومن لم يرغب منهم بذلك وفرت لهم الدولة فرص عمل تليق بهم. وبقرار دمج الميليشيات في الجيش والشرطة وضع كل شيء في نصابه، خصوصاً وان الدولة الجديدة وتوجهات قادتها لم تكن بجانب الاحتفاظ بالميليشيات، بل كان الاتفاق قد تم والتزم به الجميع على ان تكون للدولة قوانين تتناسب ومرحلة التغيير وان لا سلطة غير سلطة الدولة تتولى تطبيق القوانين وحماية المجتمع. بعد أيام من انتقال السيادة الى العراقيين ورحيل الحاكم المدني الامريكي عن العراق بدأ يتردد على اسماع العراقيين اسماء عدد من الميليشيات وكانت شعاراتها آنذاك محاربة القوات الامريكية التي تحولت في ربيع عام 2006 الى قوات مخولة من قبل الامم المتحدة، وبذلك صار بقاؤها ورحيلها منوط بإرادة العراقيين.. صحيح ان تلك الميليشيات كانت في معظمها بعثية صدامية، واطلقت على نفسها مسميات(جهادية) إلاّ انها فاجأت العراقيين عندما قامت بذبح أتباع اهل البيت(ع) على طريق بغداد باتجاه الحلة، وتحديداً في مناطق اليوسيفة والمحمودية واللطيفية. ثم حدث تمرداً على السلطة الشرعية في الفلوجة تبنته ميليشيات زعمت انها (اسلامية)، وتزايد نشاط تلك الميليشيات باتجاه اخر، فقد اجبرت مئات ثم آلاف العوائل على الهجرة القسرية من بيوتها واملاكها لا لجريرة ارتكبوها الا لكونهم من الشيعة.. وتزايد نشاط الميليشيات ليتحول ضد الشرطة العراقية والجيش العراقي وكل موظف عراقي يعمل في دوائر الدولة.. ثم بدأت الميليشيات التكفيرية نشاطها الواسع في العراق قادمة من دول الجوار وتحمل شعارات ابادة الشيعة وتخوين الكرد واتهام السنة غير المناصرين لها بالردة.. ومع هذه الهجمة الميليشياوية التكفيرية تصاعدت الاعمال الانتحارية وتفخيخ السيارات بنطاق واسع ولم يكن الهدف في عشرات التفجيرات إلاّ حصاد ارواح العراقيين من دون تمييز او تحديد، فالشيعي والسني والكردي والعربي والمسيحي كل هذه الشرائح العراقية صارت هدفاً للميليشيات البعثية، والتكفيرية.. وكلما كانت دول الجوار(كريمة) في فتح حدودها مع العراق كان العراقيون هدفاً للاوباش القادمين من دول عربية واجنبية لـ(الجهاد) ضد ابناء الشعب العراقي. استغرب العراقيون هذه الهجمة الميليشياوية المتوحشة، ومحل الاستغراب هو ان شعاراتها تختلف بشكل فاضح عما تقوم به على الارض.. ثم تيقن العراقيون بأن كل الميليشيات التي تستر بعضها بستار الدين مثل القاعدة والجيوش(الاسلامية) البعثية لا هدف لها إلاّ العراق والعراقيين، وكل ما يقال خلاف ذلك إنما هو خديعة وتضليل.. ونزلت بعد ذلك بعض الدول وحركات طائفية في الداخل الى(نشاط) الميليشيات حيث بدأت (الريالات) و(الدراهم) الخليجية تنفق بدون حساب، وكذلك الاوباش والتائهين عن العقل والرأي يتدربون في بعض دول الجوار بدأوا يدخلون الى العراق.. والهدف من وراء هذه(الحمية) على العراق هو ان بعض دول الجوار اما ان تكون خائفة من نجاح التجربة الديمقراطية العراقية، او هي تعمل على تصفية حساباتها الاقليمية والدولية على ارض الرافدين. الى جانب تلك الميليشيات التكفيرية والصدامية برزت ميليشيات من نوع اخر، ومع انها تزعم رفض الاحتلال وتطالب برحيل الاجنبي، إلاّ انها لم تقم بعملية عسكرية واحدة ضد القوات الاجنبية خلال اربع سنوات وكان(نشاطها) محصوراً باستهداف الدولة العراقية الجديدة ومؤسساتها، وقتل شرطتها وجيشها، ثم اعلان (العصيانات المسلحة) في مدن لها قدسية لدى العراقيين وصد المؤمنين الزائرين من خارج العراق وداخله عن اداء مراسم الزيارات في المناسبات الدينية.. ثم اتجهت تلك الميليشيات الى عمليات اختطاف واسعة للمواطنين وتعطيل عمل الدوائر الحكومية، وتشكيل جماعات مسلحة وانشاء محاكم خارجة على القانون العراقية، وامتد نشاط هذا الصنف من الميليشيات الى تعطيل عمليات الاعمار والبناء وفرض الاتاوات على القائمين بالاعمار، ثم السيطرة على محطات الوقود في الاوقات التي تنشغل فيها القوات الحكومية في مواجهة الارهاب البعثي الصدامي وبيع المشتقات النفطية في السوق السوداء.. والاسوأ من هذا هو ان ميليشيات معينة قد تحالفت في وقت من الاوقات مع الميليشيات التكفيرية والصدامية واشتركت معها واستعانت بها لمقاتلة الجيش والشرطة العراقية، ثم توسع نشاط بعض الميليشيات في مجال النفط وفرخت عصابات لتهريب النفط العراقي وبيعه في الخارج.. هذا الصنف من الميليشيات مع كل ما يرتكب من جرائم بحق الشعب العراقي إلاّ انه لم يتوقف من ترديد شعاراته في(مقاومة) القوات الاجنبية ومطالبته برحيلها!! في حين أنها لم(تبرع) إلاّ في اعمال القتل والاختطاف وسرقة اموال الشعب العراقي وتحدي الرأي العام في صد المؤمنين من أتباع أهل البيت في اداء مراسم الزيارات للعتبات المقدسة. على هذه الخلفية من التجاوزات والانتهاكات وخروقات القانون ننظر الى الميليشيات التي نعتقد ان بقاءها غير صحيح ووجودها يتناقض مع قيام دولة لها اداتها الامنية المخولة بحفظ أمن البلاد والعباد.. ومن هنا يكون موقفنا حاسماً برفض أي وجود للميليشيات، لانها اولاً وقبل كل شيء خارجة على القانون ومنتهكة لحقوق المواطن العراقي.. وعلى هذا سنظل نرفض وجود (سلطة) تنازع السلطة الشرعية.. فوجود الميليشيات لا يصح ولا يجوز ان يستمر، ولا تختلف نظرتنا لكل الميليشيات سواء كانت صدامية او تكفيرية او غيرهما، فجميعها حالة مرفوضة لا يجوز السماح لها بالبقاء.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك