المقالات

المليشيات العراقية بين البداوَّة والصدامية


( بقلم : علاء الخطيب )

لايمكن أن يعيش الإنسان في بيئة ٍ إجتماعيةٍ ما دون التأثر بها أوالإنفعال والتفاعل معها , ونتاج ذلك التفاعل والانفعال هو الفعل , وهذا ينطبق على جميع البشر أينما كانوا ولا يستثنى من هذا القول هذه المجاميع المنفلتة التي شاهدناها وهي تعيث في كربلاء فسادا ً وفي مناطق أخرى . فالظروف الإجتماعية للمرحلة الصدامية وما رافقها من تحطيم للشخصية العراقية من خلال الممارسات اللاإنسانية التي كان يتبعها جلاوزة النظام المقبور من سحق للكرامات وتهديم للبناء التحتي الإجتماعي والنفسي جعلت البعض يتأثرون بها سواء بشكل ٍ إرادي أو لا إرادي ويختزنون ذلك في ثنايا اللا شعور ( العقل الباطن) , فالممارسات التي قامت بها المجاميع( العصابات)هي إفراز طبيعي لمخزون اللاشعورعندهم فأن غالبية هؤلاء من الطبقات المقموعة و الفقيرة والمحرومة و المهمشة والمسحوقة إجتماعيا ً , والتي لم تأخذ فرصتها في الحياة , فبعد سقوط الصنم الصدامي تنفسوا الصعداء وسنحت لهم فرصة إفراغ عقدة النقص بالقفز الى الواجهة وتشكيل صورة مغايرة للصورة القديمة, إلا أن الفعل جاء من سنخ التفاعل والإنفعال بالأحداث المخزونة في العقل الباطن , فقد رفض هؤلاء عصابة المترفين والمتسلطين بقوة السلاح والمال من أصحاب النفوذ في النظام السابق إلا أن هذا الرفض لم يتخذ شكل المواجهة المسلحة أو العنف وذلك لفلسفة الرعب والخوف المنتشرة آنذاك بين الناس .

وما أن سقط القناع وأنكسر حاجز الخوف أستيقط المارد المتمرد المقموع وأستبشر هؤلاء بالعصر الجديد وتمنوا لو يحمل لهم شكلا ً مغايراً ومختلفا ً لما آلفوه, شكلا ً بمواصفات حلمهم إلا أن نفوسهم تعلقت بمخزونها النفسي وبيئتها الإجتماعية السالفة, فوصفوا القادمين الجدد بالمترفين الجدد , وتعمقت لديهم فكرة عراقيِّي الداخل وعراقيِّي الخارج , وفقدوا القدرة على التمييز وتصوروا أن التهميش والعزل يلاحقهم وأعتقدوا أن الشعارات التي خدعتهم بالامس جاءت لتخدعهم اليوم فسخطوا ونقموا على الواقع الجديد ورفضوه وهو في الحقيقة سخط على الذات التي تقاعست في الماضي ولم تنتصر للحرمان وكأنها( ثورة التوابين), ورفعوا شعاراتهم وخيل لهم أنها مقاومة أو ثورة تغييرية فما كانت في الواقع إلا حركة تمرد على الواقع فللمقاومة قواعدها وللثورة خصوصياتها فهذه المشاهد العبثية لا تمت الى الثورة والتتغيير ولا الى المقاومة بشئ , فحينما نرى البعض من هؤلاء متطرفين في حمل الفكرة العقائدية لا يمكننا ان نلومهم على ذلك لأنه رد فعل وإفراز طبيعي لتراكمات نفسية وإجتماعية فليسوا هؤلاء عقائديون بل يمكن أن نطلق عليهم بـ ( ثوار عبثيون)وليسوا هؤلاء بعثييون بل متأثرون بالفكر البعثي وإن وجد بين صفوفهم من البعثيين ويتضح ذلك من خلال ردود الأفعال المأزومة والمتأثرة بالممارسات وردود أفعال البعثيين على المتدينين ومعارضي النظام آنذاك, فما قامت به ثلة من هذه العصابات إتجاه بائعي الخمور في الناصرية كما شاهدت في فلم على الانترنيت يدل عن أنهم لا يريدون إصلاحا ً بل إنتقاما لكل من لا يوافق أهوائهم وهم يدعون الإسلام,متناسين في الوقت ذاته أن الإسلام جاء بالحنفية السمحاء ومتغافلين عن قول النبي الاكرم ( ص) (( بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ضاربين القرآن عرض الحائط وهو ينادي بين ظهرانينا ( وأدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) أقول لهؤلاء منْ يقبلْ الإسلام على هذه الشاكلة وبهذه الصورة وأظنكم كنتم ممن إنتقد طالبان في ممارساتها وعرضها للفكر الديني بهذه الصورة المقززة والمنفرة.لقد سعوا هؤلاء الى تحطيم الواقع وقلب المقدس فحمل السلاح بوجه الضد النوعي ومواجهة رجال الشرطة والقوى الأمنية وتحدي القانون وإشاعة الفوضى وثقافة القتل هو المقدس ولم يدروا أنه نوع من التمرد وإثبات الذات والأنتصار على الصورة المخزونة في ذواتهم , وأظنهم ببرروا ما حصل في كربلاء بتبرير ديني وأستلفوا صورا ً من التاريخ ليثتوا صحة إعتدائهم على الأبرياء إنتهاك حرمة الزمان والمكان وكأن هذه الأعمال جزء من الدفاع عن الدين وقمع للكفرة وقطع دابر المفسدين . أو أنهم تنصلوا من المسؤولية , لقد فكر هؤلاء بعقلية الحقبة السابقة ويخيل لي أنهم غير قادرين على تجاوز مخزون العقل الباطن فهم بين الفينة والفينة يجترون اللاشعور لأن ثمة فكر مأزوم ( وبدوي) يحمله هؤلاء والذي يبرهن على ذلك الهجمات الغير مبررة على مقرات فصيل يشترك معهم بنفس التوجهات العقائدية على الاقل وليست هذه هي المرة الأولى التي يقومون بها الفعل فقد سبقته مرات عديدة أو على مراكز الشرطة الوطنية ونهب ممتلكاتها بحجة أنها طرف في الاحداث الأخيرة , فما ذنب أؤلالئك الذين يقتلون وهم لا يمتون للأحداث بصلة مجرد أنهم يحسبون من الفصيل المعادي ( كما يظنون )فهؤلاء نتاج حقبة زمنية كانت تبحث بأستمرار على أعداء فأن لم تجد إصطنعت عدواً وهميا ً لتحاربه ولو كان ذلك العدو هم أخ وشقيق فتنهض النزعة البدوية في نفوسهم وكأن الشاعر الجاهلي يصدح في نواديهم :

وأحيانا ً على بكر ٍ أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا

وفي الختام أقول إذا كان من لوم أو عقوبة توجه لهؤلاء فيجب أن توجه بنفس القوة الى الحكومة والاحتلال لأنهما ساعدا على نمو هؤلاء وتبرعمهم وخلقوا لهم بيئة خصبة لترعرعهم , فضعف الدولة وتدهور الوضع الأمني وتردي حالة الخدمات والبطالة كلها اسباب أدت الى تكاثرهم ورجوعهم الى بدويتهم وعقولهم الباطنة , فالمفروض أن الواقع الجديد يبرهن أنه مختلف عما سبقه وأن المعادلة قد تغيرت والصفحة أنقلبت حتى نقطع أيادي المتلاعبين بهؤلاء ونفكر بعقلية الدولة الراعية لمواطنيها , فلابد في إصلاح قبل التفكيربالعقوبة فلا فائدة بإنزال العقوبة دون إصلاح وتغيير للواقع . وإذا أردت ان تطاع فطلب المستطاع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
مزاحم الحجاج
2007-09-06
بسمه تعالى شكرا لسماحه السيد علاء الخطيب على هذا الموضوع المهم الذي اتحفنا به ووضع يده على الجرح .. حيث عبثت العصابات المقنعه باقدس بقعه في اقدس يوم لا لشيء الا من اجل ان تفرغ مخزون الحقبه السابقه التي فرضها النظام المقبور بالاضافه الى الاموال التي تصرف من اجل اسقاط التجربه الديمقراطيه الوليده في العراق . فنقول لكل من افتعل هذه الماساه للنيل من اهل البيت (ع) واتباعهم لن تنالوا منا حيث سيصلب عودنا وتزداد قوتنا والمثل يقول (الضربه التي لا تالم الظهر تقويه ). وسحقا للظلاميين القتله والنصر لنا ...
المهندسة بغداد
2007-09-06
السلام عليكم قال امير المؤمنين ع ( الناس اعداء ما جهلوا ) تفسيركم لمعاناة الذات البشرية هي قلب الحقيقة المرة والمرآة التي يهرب منها كل شاب الا القليل ممن يعترف انه لابد من ان هذه الفترة قد اثرت عليه ويحاول مساعدة نفسه بالمستطاع ولقد عانينا كثيرا من هكذا شخوص لكثرتهم من جانب ولردود فعلهم التي لا تعتمد على منطق وبالتالي يصعب التعامل معهم ومن الملاحضات الملفتة للنظر انهم يصرخون باحقاق الحق وما ان تطبق عليهم ادنى قانون حتى يظهر المارد ( بحسب وصفكم ) شاخصاً أمامكم يجعلك في حيرة من امرك كيف ترضيهم وهناك امر اخر فلقد تفضلتم انه التوجه للقانون والخدمات ومحو البطالة ستساعد في التغلب على ماردهم اقول ومن واقع اعيشه ان الخطوات الاولى لهكذا مشاريع تدمر ومن قبلهم واقف مذهولة امام الامر فعندما نعمل بنسق عالي وتكون النتيجة جميلة يفرحوا بها ثم يخربونها ولا اجد تفسرا لذلك سوى صراع بينهم وبين ماردهم وعليه اجد ان مسالة الوقت هي الحد الفاصل للامر فالخطوات البسيطة لانشاء المشاريع تكون ثغرة جيدة ليستغلوها تخريبا مقصود وغير مقصود !!! غير انه لايمكن التنفيذ بسرعة لمجرد ملىء هذه الثغرة لانه ستظهر مشاكل اخرى ان القاعدة الاساسية لحل المشاكل والمفتاح الاكثر امانا هو وزارة التخطيط أو التخطيط الجيد لكل شيء ومن ثمة سرعة التنفيذ والله الموفق وشكرا جزيلا على هذا المقال القيم .
ابو سجاد المنصور
2007-09-06
الحقيقة ..عنوان الموضوع يكفي كفاية مستفيقة... للعاقل... ولكن لا حياة لمن تنادي ولكن يامولاي اريد ان اعلق على نقطةواحدة وهي القاء اللوم على الحكومة..من هي الحكومة ؟؟اليسوا هم الذين خانوا امانة المسؤلية..انهم نحن اناوانت..ماذا تفعل الحكومة؟؟ هل تستورد شعب من غير بلد؟؟الحكومة مكبلة بين الاعداء الجالسين معهم في البرلمان وبين مشعوذي الشارع..وبيني انا وانت المتفرجين و المنتقدين..و لاحول ولاقوة الا بالله وساعد الله الحكومة..حتى احزابها العريقة خانتها فأصبحت ملجأللبعثيين ليعيشوا عصرهم الذهبي..
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك