المقالات

الحزب الوهابي (7) سياحة وهـّابية في الديار الشيعية !


( بقلم : علاء الزيدي )

حكاية محمد المجموعي !

*****************

أعاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب الكرّة ، وحاول السفر مجدّدا ً إلى الشام ، لكنه أعرض عن السفر لأسباب غير معلومة . فرجع إلى الأحساء ، ومن هناك ذهب إلى " حريملة " . فلازم أباه . لكنه راح ، أيضا ً ، يستهزىء بعقائد المسلمين ومذاهبهم . فحصل جدال بينه وبين أبيه وأهل منطقته . ودام هذا الأمر سنين . حتى توفي أبوه العام 1153 الهجري .وأشار عبد اللطيف الشوشتري في ذيل " تحفة العالم " (1) إلى سفر ابن عبد الوهاب إلى إيران . وقال إنه جاء إلى أصفهان . وأكد عبد الرزاق الدنبلي في " المآثر السلطانية " (2) أنه توقف في أصفهان ، وتعلم الفقه والأصول والصرف والنحو في مدارسها (3) .وقال مؤلف كتاب " ناسخ التواريخ " في الجزء الخاص بالمرحلة القاجارية من حكم الشاهات الإيرانيين (4) أن محمد بن عبد الوهاب سافر إلى البصرة زمنا ً – كما مرّ آنفا ً – وتعلـّم لدى أحد علمائها واسمه " محمد المجموعي " (5) – نسبة إلى إحدى ضواحي البصرة – ثم توجه من هناك إلى إيران .وفي الواقع ، أن مسألة الشيخ محمد المجموعي هذا تبعث على التساؤل : لماذا لم يتوفر لدينا الكثير من المعلومات عنه ، رغم كونه من كبار علماء البصرة – كما تشير إلى ذلك ادّعاءات المتأخرين من الوهابيين – ولماذا ظلت العبارة التوصيفية التالية حوله متماثلة ، تقريبا ً، في كل كتابات الأجيال اللاحقة من الوهابيين ، بشأن السيرة الذاتية لشيخهم ؟ماوجدناه من توصيف للشيخ محمد المجموعي البصري لم يتعدَّ العبارة التالية :· " واشتهر من مشايخه ، هناك – أي في البصرة - شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى " ( من مقال للشيخ الوهابي الراحل عبد العزيز بن باز الرئيس السابق لهيئة الإفتاء في السعودية ) .· " وناظر هنالك - في البصرة - من العلماء ، واشتهر من مشايخه ، هناك شخص يقال له الشيخ محمد المجموعي ، وقد ثار عليه بعض علماء السوء بالبصرة وحصل عليه وعلى شيخه المذكور بعض الأذى " ( من مقال لأحد الوهابيين نشره تحت اسم ٍ مستعار هو أبو أيوب ) .· " ولقد كان لعدد من العلماء السلفيين دور في تشكيل وبناء فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ومنهم الشيخ محمد المجموعي ، وبعض علماء العراق الآخرين " ( من مقال لوهابي يدعى عبد المنعم الهاشمي ) .· " فأقام مدة بالبصرة ، ودرس العلم فيها على جماعة من العلماء . فمنهم الشيخ محمد المجموعي " ( من مقال للشيخ الوهابي أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي ) ." ثم شد الرحال لطلب العلم فرحل إلى العراق ، ، وكان غالب استفادته في البصرة حيث نزل عند الشيخ محمد المجموعي " ( من مقال للوهابي أسامة العتيبي ) .وهكذا ، نلاحظ أن التوصيف الوحيد لهذا الشيخ البصري أنه ( من علماء البصرة ) وأنه ( سلفي ) وأنه ( أوذي مع تلميذه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ) لاتفاقه معه في الرأي ، كما يبدو . لكن السؤال يعود إلى الإلحاح " كيف غابت التفاصيل الأخرى لهذا الشيخ ، في مدينة كبيرة ومنفتحة على الاتجاهات الأربعة كالبصرة . ولماذا لاتتوفر معلومات أخرى عنه وهو بهذه الأهمية .إننا نعتقد أن أهمية الشيخ محمد المجموعي لاتقل بحال عن أهمية جدّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، أي شولمان قربوزي الدونمي ، الذي ساقته الأقدار ( أقدار العرب والمسلمين وسكان جزيرة العرب ) من أسبانيا حينما طرد مسيحيوها اليهود " السفارديم " فاستوطنوا بورسا بتركيا في نهايات القرن الثالث عشر وبدايات القرن الرابع عشر ( بالضبط ؛ العام 1492 ) فالأول أستاذ الشيخ الذي علـّمه مختلف العلوم السلفية ( كما فهمنا من كتابات الوهابيين اللاحقين ) والثاني جدّه الذي صنع شخصيته وصاغ أهدافه في الحياة .نتوقف هنا ، مكتفين بهذا القدر من قصة الشيخ محمد المجموعي في البصرة . لكننا نحبـّذ على القاريء الحصيف أن يتأمـّل السطور الآتية بوعي وتجرّد . ولن يكون من العسير عليه أن يتعرف ، على الطبيعة ، على الشيخ السلفي الصالح محمد المجموعي ! ومهما يكمن من أمر ، فقد أقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أصفهان . ودرس عند علمائها الشيعة أصول الفقه . وحصل على ملكة الإجتهاد . وزعم أنه يجتهد من القرآن فقط ، شانـّا ً حملاته الدعائية وهجماته الكلامية على ما أسماها بدعة بناء القباب العالية على قبور الأئمة والأنبياء ، وتذهيب العتبات المقدسة والطواف (6) حول الأضرحة وتقبيل العتبات . وادعى أن كل مايفعله المسلمون شرك ، وساوى بينهم وبين عبدة الأصنام .والغريب ، أن ثمة اتجاها ً حاليا بين أوساط اليهود الأرثذوكس في نيويورك والقدس يعتبر المسلمين عموما وثنيين ، ويرمز لوثنيتهم بطوافهم حول مبنى ً أو حجارة تسمى الكعبة !وقد أكد الأميركي " لوتروب ستيفدارد " ذهاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى إيران (7) . كما ذكر ذلك أيضا ً أحمد أمين المصري (8) وقال إنه ساح في مختلف البلدان الإسلامية . حيث أمضى أربع سنوات في البصرة . وخمسا ً في بغداد . وسنة واحدة في كردستان . وسنتين في همدان . ثم ذهب إلى أصفهان ، ودرس فيها فلسفة الإشراق والتصوف . ثم تركها وذهب إلى قم . ومنها عاد إلى نجد . حيث اعتكف بعيدا ُ عن الناس مدة ثمانية أشهر ، قبل أن يعلن الدعوة الجديدة .

**********

معاينة ميدانية !

**********

إن وقفة متأنية عند المحطات التي تنـقــّل محمد بن عبد الوهاب فيما بينها ، تدفع إلى الاعتقاد بأنه يقوم بمهمة ذات حجم وأبعاد ليست عادية . فالظاهر أن الشيخ كان مكلفا بمعاينة تجمعات المسلمين الآخرين ميدانيا ، للتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم ، في عقر دورهم ، والبحث عن أية ثغرة – أو مايبدو كذلك – للنفاذ منها بغية التبشير بالدعوة الوهابية الجديدة . هذا فضلا ً عن انخراطه ، حسب الأصول والأوامر ، في حلقات الدرس التي تعتمد مذاهب إسلامية أخرى ، لإكمال إحاطته التامة بالعلوم الإسلامية ، على أساس المذاهب المختلفة ، تمهيدا ً للإنقضاض عليها جميعا ً ، في المرحلة التالية .إن سياحة ابن عبد الوهاب ، في العراق وإيران بالذات ، تشبه إلى حد ٍّ بعيد رحلات المستشرقين وزياراتهم للشرق العربي الإسلامي . فهي ذات طابع علمي بحت ظاهريا ً ، لكنها في العديد من الحالات تستهدف جمع البيانات والمعلومات والإحصاءات لصالح جهات أخرى ، تستخدمها في الصراعات اللاحقة مع بلدان هذا الشرق .وإذا كنا لاندري بالضبط ، لماذا كان الشيخ يهم ّ بزيارة الشام (9) لكن السطور التالية تكشف عن بعض جوانب وأسباب استقراره في البصرة .

__________________________________________

(1) علي أصغر فقيهي – وهابيان ( بالفارسية ) – ص 144 .(2) نفس المصدر .(3) هل يدرس الناقم على كل المذاهب الإسلامية باستثناء مذهبه الحنبلي ، مذهب الشيعة الروافض حسب تعبير الوهابيين ، الذي كانت أصفهان تتعبـّد به وتدرسه ، إلا لحاجة ؛ أي إعداد العدّة لمواجهته ومحاربته مستقبلا ً .(4) وهابيان – ص 145 .(5) قلنا فيما سبق أن المجموعي هذا مجهول الحال ، وربما تعرف عليه القارىء في تضاعيف البحث .(6) لايطوف المسلمون جميعا ً إلا حول الكعبة .(7) إمروز جهان إسلام ( بالفارسية ؛ حاضر العالم الإسلامي ) – ج1 – ص 261 .(8) زعماء الإصلاح في العصر الحديث – ص 10 .(9) مع أننا نميل إلى الاعتقاد بأنه كان يريد اللقاء بمن كان يلتقي بهم جدّه ليتسلـّم منهم الأوامر مباشرة ً .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك