بقلم: حسن الهاشمي
ونحن نعيش ذكرى ولادة سيدنا الإمام السجاد في الخامس من شعبان عام 38 للهجرة، نستلهم من هذا الإمام العظيم معاني العلم والمعرفة والإستبصار، حيث أن العالم بزمانه لا تهجم عليه لوابس الفتن، وما أعظم الفتن التي يبثها رواد الفكر الوهابي في أوساط المسلمين في هذا العصر الذي استفحلت من خلال افكارهم المسمومة البدع والأضاليل والأهواء التي ما أنزل الله بها من سلطان، فهم يتقولون على أتباع أهل البيت أمورا هم براء منها براءة يوسف من دم الذئب، وإنما يلتجأ أتباع أهل البيت إلى هذه المراقد الشريفة لأولياء الله وعباده المخلصين لتكريس روح التوحيد والعبودية لله تبارك وتعالى، حيث أن ذواتهم المقدسة وكل ما يمت بهم من صلة إنما هي وسائل التقرب إلى الله، ونحن أمرنا في الكتاب والسنة بالإلتجاء إليها طمعا في القبول، وطالما تألقت مراقدهم وأضحت بمثابة فلاتر تصفية لإبتغاء مرضاة الله تعالى، وأن فخر الأنبياء والأوصياء والأولياء يكمن في عبوديتهم المطلقة لله وذوبانهم في الحالة الرسالية التي بذلوا الغالي والنفيس من أجل تحقيقها وإيصالها إلى البشرية إنقاذا لهم من الجهالة وحيرة الضلالة.
وفي الإتجاه المعاكس شهدت مدن المملكة السعودية حملة مسعورة لتكثيف نسخ فتاوى علماء الوهابية وتوزيعها والتي تدعو الى هدم الاضرحة والقبور لانها رمز للشرك وعبدة الاصنام !!، وخاصة بعدما ادت حالة الفرح والسرور بتفجير المرقدين في سامراء للمرة الثانية وتبادل التهاني والتبريك والدعاء للمجرمين الذين نفذوا هذه العملية الارهابية ، الى تزايد الشعور بالقدرة على " ازالة معالم الشرك من بلاد المسلمين " على حد زعمهم . الجديد في تحرك علماء الوهابية ، هو في تشجيعهم على هدم بقية الاضرحة في العراق وخاصة ضريح سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام ، لانهم حسب رايهم هو راس اضرحة الشرك في العراق وفي العالم ، والحسين عليه السلام برئ من شرك الرافضة !! كما تنقل الاخبار المنتشرة في المنطقة الشرقية في السعودية . ونقل طلاب في هذه الجامعة عن عدد من علماء الوهابية لديهم الحث على هدم بقية الاضرحة في العراق ، وخاصة في كربلاء واكدوا بان مجموعة من العلماء باركوا كل جهد يؤدي الى محو اثار الشرك من بلاد المسلمين وخاصة في العراق . ومن هؤلاء فتاوى لشيوخ الظلال عبد الرحمن البراك والشيخ ممدوح الحربي والدكتور ناصر العمر،وابن جبرين ،والدكتور سفر الحوالي والعالم الوهابي الكويتي حامد العلي .
ولا يمكن الوقوف أمام هذه الحملات التكفيرية إلا بالعلم والمعرفة والحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، فهذه الأمور أمضى من السيف وهي وسائل حضارية ينبغي التوجه إليها من قبل الجميع، وهي الحصن الحصين الذي يلجأ إليها أصحاب النهى والعقول لمجابهة البدع والضلالات بالدليل والحجة والبرهان بعيدا عن التعصب والتكفير والإلغاء.
والتاريخ ينقل لنا إنّ حالة الجمود الفكريّ والركود العلميّ التي أصابت الاُمّة الإسلامية بسبب سيطرة بني أميّة على الحكم كانت تستدعي حركة فكرية اجتهادية تفتح الآفاق الذهنية للمسلمين كي يستطيعوا أن يحملوا مشعل الكتاب والسنّة بروح المجتهد البصير، وهذا ما قام به الإمام زين العابدين (عليه السلام) فانبرى إلى تأسيس مدرسة علمية وإيجاد حركة فكرية بما بدأه من حلقات البحث والدرس في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وبما كان يثيره في خطبه في صلوات الجُمَع اُسبوعيّاً.
ونلمس من خلال ما ورد عن الإمام (عليه السلام) من أحاديث ترتبط بالعلم والعلماء أنّه قد خطّط لهذه الحركة العلمية تخطيطاً بارعاً ، فهو بالإضافة إلى تفرّغه للتعليم ـ بالرغم من جميع الهموم والآلام التي تركتها له واقعة الطفّ الأليمة وما تلاها من حوادث مؤلمة في العالم الإسلامي ـ نجده يشيد بفضل العلم ويحثّ المستعدّين للتعلّم حثّاً أكيداً قولاً وعملاً، وتكريماً من جهة، كما نجده يرسم للمتعلّمين آداب التعلّم، ويبيّن حقوق المعلّم والمتعلّم.وقد لاحظنا ما جاء في رسالة الحقوق من الإشادة بفضل العالم وحقوقه على المتعلّمين من التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الإستماع إليه والإقبال عليه وعدم رفع الصوت عليه والدفاع عنه وستر عيوبه وإظهار مناقبه وعدم مجالسة أعدائه وعدم معاداة أوليائه.
كما نلاحظ تأكيده على عدم كتمان العلم للعالم لدحض كل الشوائب العالقة بالدين، وعدم التكبّر بالنسبة للمتعلّمين لآتباع الحق وأهله والإبتعاد عن الباطل وجنوده، وحسن الإتقان في فنّ التعليم وعدم ابتغاء الأجر المادّي على نشر التعاليم الإسلامية الأصيلة، مثلما يفعله علماء الجور والسوء وعاظ السلاطين وعبدة الأهواء والشيطان.كلّ هذا يشير إلى تخطيط واضح في سلوك الإمام (عليه السلام) لايجاد حركة ثقافية واسعة وتأسيس تيّار ثقافي يتسنّى له أن يقف أمام التيّارات المنحرفة والتخطيط التكفيري الذي لم يرق له تفتّح الوعي الإسلامي عند أبناء المسلمين.
https://telegram.me/buratha