المقالات

عاشوراء (9) السنة الثانية

1684 14:10:50 2014-11-02

{فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ اَوْلِيائِكُمْ وَرَزَقَنِى الْبَراءَةَ مِنْ اَعْدائِكُمْ}.

أنْ تعرفَ أهل الحق فتلكَ كرامةٌ من الله تعالى، ونعمةٌ عظيمةٌ، لا تعادلها في القيمة الا البراءة من العدو، اذ لا يكفي ان تعرف الحق للتولاّه، فلابدّ من تشخيص الباطل لتتجنبه وتتبرأ منه.

إنّ اتّباع الحق يصون كرامة الانسان، والعكس هو الصحيح، فاذا تبنّى المرء الباطل فانه يطعن بكرامته، كيف؟.
أولاً: ان اتّباع الحق يعني انك ملكتَ حرّيّتكَ، والا ما اخترته أبداً اذا كنت عبداً سواء لهواك او للدنيا او لحاكمٍ او لسلطانٍ او لجاهٍ او لمال، فعندما نُطالع سِيَر من قاتل الى جانب الحزب الأموي في كربلاء فسنُلاحظ انّهم عبيدٌ كما هو حال عمر بن سعد قائد الجيش الأموي، والذي ظلّ يُصارع هواه بين ان يقتلَ الحسين (ع) فيظفر بمُلك الرّي وبين ان يمتنع عن ذلك فيخسر المُلك الذي وعدهُ به الدعيّ بن الدعيّ عُبيد الله بن زياد، ولأنّه كان عبداً، لذلك آثر الباطل على الحق، ولكنه في نهاية المطاف لم يظفر بشيء فخسر الدنيا والآخرة.
لقد ظلّ يعيش الصراع العنيف داخلياً بين الحريّة والعبوديّة، حتى غلبت عبوديّته حرّيته فقتل سبط رسول الله (ص) بثمنٍ بخسٍ وُعد به ولكنّه لم يظفر به، فظلّ يُردد مع نفسه:
فـوالله لا أدري وإنّـي لحائرٌ 
أُفـكّر في أمري على خطرين
أأترك ملكَ الريِّ والريُّ مُنيتي 
أم ارجـعُ مأثوماً بقتل حسينِ
حسينُ ابنُ عمّي والحوادثُ جمّةٌ 
لَعَمري ولي في الريّ قرّةُ عينِ
وإنّ إلـهَ الـعرشِ يغفر زلّتي 
ولـو كـنتُ فيها أظلمَ الثقلينِ
ألا إنّـما الـدنيا لَـخيرُ مُعجَّلٍ 
ومـا عـاقلٌ باع الوجودَ بدَينِ
يـقولون إنّ اللهَ خـالقُ جنّةٍ 
ونـارٍ وتـعذيبٍ وغلِّ يدينِ
فإنْ صدقوا فيما يقولون إنّني 
أتوب إلى الرحمن من سنتينِ
وإنْ كذبوا فُزنا بدنيا عظيمةٍ 
ومـلكٍ عـقيمٍ دائمِ الحجلين 

على العكس من هذه السيرة نطالع سيرة احد أحرار التاريخ الذي ظّل هو الاخر يصارع هواه الا انه لم يمنحْه فرصة التغلّب على حريّته فاختار الحق على الباطل، ذلك هو الحر بن يزيد الرياحي، فعلى الرغم من انّه كان قائداً عسكرياً ذا مكانة ووجاهةٍ الا انّه تغلّب على كلِّ ما يشدُّه الى دنيا الأمويين ليختارَ الآخرة التي وعده بها سيد الشهداء عليه السلام.

انّ الحريّة هي مصدر المعرفة، معرفة الحق، ولهذا السبب خاطب الامام الحسين (ع) معسكر الباطل بقوله {ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم} فالحرية تُغلب العقل على الهوى وهي تصفّي الرؤية ليرى بها المرء الامور بوضوح بلا تضليلٍ او تشبيه.
وفي قصة الامام الكاظم (ع) مع أَمَة بِشْر الحافي إشارة عظيمة بهذا الصّدد، تقول القصة:

انّ الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) مرّ يوماً على قصر لشخص يعرف بـ (بِشْر) وكانت اصوات الطبول والغناء عالياً فنظرَ الى القصر واذا بجارية تخرج منه لتلقي بالقُمامة فسألها لمن يكون القصر؟ قالت: لسيّدي بشر قال: وهل سيدك حرّ ام عبد؟ فتعجّبت من سؤال الامام لانها قالت له ان القصر لسيدي فما معنى انه حرٌ أَمْ عبد؟ لكنها مع ذلك اجابته بانه حر، فقال (ع): صدقتِ لو كان سيدك عبداً لله لاستحى من الله.

وعندما رجعت الى القصرِ سألها سيدها بِشر عن سبب تأخّرها فقالت: سالني شخصٌ عن القصر فاجبته فقال وهل سيّدكِ حرٌ ام عبد؟ فقلت بل هو حرٌّ، فقال؛ صدقت لو كان عبداً لله لاستحى من الله، فقال لها بِشر؛ صفيه لي، قالت رجلٌ نحيفٌ تكادُ الرّيحُ تهزّه اذا اهتزّت، فركضَ بِشر الى الامام ووقع على قدميه وقال: انّي تائبٌ الى الله، ومنذ ذلك الحين تركَ قصرَهُ وظلّ يمشي حافياً فعُرف ببِشر الحافي.
ثانياً: كما ان اتباعك للحق ولأهله يعني انك ملكت إرادتك، إرادة الاختيار، والتي تعتقلها عادة المصالح الخاصة والضيقة.

لقد خلق الله تعالى عبادَه ومنحهم حرّية الاختيار، ليحاسبهم، فقال عز وجل {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} و {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} بعد أن حرّرهم برسله وانبيائه من كل ما يحول بينهم وبين الإرادة، فقال تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

ولذلك، فنحن ضد نظرية (القدر) الأمويّة التي تذهب الى ان اعمال العباد مفروضة عليهم بشرّها وخيرها، في مسعى منهم لتبرير سلطتهم الظالمة، واسكات المعارضة. انها نظرية تعود بجذورها الى فكرة (التقميص) التي أشاعها الخليفة الثالث، عندما رفض التنازل عن الخلافة امام ثورة المسلمين بحجّة ان الخلافة (قميص الهي) لا يجوز له خلعه!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك