المقالات

أسحار رمضانيّة ()

1112 00:15:40 2014-07-11

نزار حيدر

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
هذا يعني ان في كل مجتمع من المجتمعات أمة من الناس لا شغل لها الا تثبيط المصلحين، فإذا كتب احدٌ ينبّه هاجموه، واذا خطب اخر محذّراً اتّهموه، واذا انتقد ثالث طعنوا في نواياه، وهكذا، فهم لا يحرّكون ساكنا، ولا يحاولون التغيير والإصلاح، الا ان ألسنتهم طويلة ضد كل من يحاول ذلك، وشعارهم دائماً (ميفيد) فلا الكلام ينفع، برأيهم، ولا النقد يفيد ولا النصيحة لها اثر، فما العمل اذن؟ هل نجلس في بيوتنا ونضع رجلا على رجل بانتظار المعجزة؟ هل نصمتْ بانتظار المخلّص الموعود؟ هل نتغافل عما يُراد بنا بانتظار ان تنزل على أعدائنا صاعقة من السماء فتقتلهم وتخلّصنا مما نحن فيه؟ الا ترون ان حالنا يزداد سوءا يوما بعد اخر؟ هل تريدون ان نكون {كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!} على حد قول أمير المؤمنين (ع)؟!.
ان كل عمليات التغيير التاريخية تبدأ بكلمة لتتبلور في فكرة لتتحول الى مشروع فيعمل من اجل تحقيقه رجال قليلون يؤمنون بالمشروع ويستعدّون من اجل تحقيقه للتضحية، فلمّا يشعر المجتمع بصدقية المشروع وإخلاص رجاله يلتحقون به ليتحقق التغيير التاريخي المرجو.
وهذه هي حقيقة ما جرى في كل الامم عبر التاريخ، ولم يشذ عنها الحدث التاريخي العظيم الذي شهدته الجزيرة العربية في البعثة النبويّة الشريفة، فالتغيير بدأ بثلاثة {رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا} على حد قول أمير المؤمنين عليه السلام، ليتحوّل التغيير الى سيل هادر غيّر مجرى التاريخ، ولو ان رسول الله (ص) كان قد أصغى للنفر الذين تحدثت عنهم الاية المباركة اعلاه، او كما يصفهم القران الكريم بقوله {الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} لما استقر للدين أمرٌ، ولما كنا اليوم مسلمين.
كذلك، فان التغيير التاريخي العظيم الذي شهدته أوربا قبل عدة قرون، ليستقر بعد الحرب العالمية الثانية، هو الاخر بدأ بكلمة قالها فيلسوف فتحولت الى فكرة تبناها مفكر لتتحول الى مشروع عمِلت على تحقيقه مجموعة صغيرة من العقلاء والحكماء الذين أبدوا استعدادا منقطع النظير في الدفاع عما آمنوا به وصل الى حد سوقِهم الى مقاصل الإعدام بعد محاكم تفتيش صورية حكمت عليهم بالإعدام بتهمة محاربة الله تعالى وأدواته في الارض، الكنيسة، على حد زعمهم، ولو انهم كانوا قد أصغوا الى كلام المثبّطين وصدّقوا ان لا شيء ينفع في تغيير الواقع، لما كانت أوربا اليوم على ما هي عليه، ولظلّت في ظلماتها الى الان.
لذلك: 
الف: يجب ان لا نصغِ ابدا الى الذين يقولون (ميفيد) فلقد اثبتت تجارب الانسانية بأنّ الكلام ينفع والفكرة تنفع والرأي ينفع والنقد ينفع والموعظة تنفع وكل شيء ينفع.
انهم ينفون التأثير من دون ان يقدموا اي بديل، وكأنهم يريدون نحرنا بسهام الياس والقنوط.
نعم، قد لا يترك الكلام اثره في اللحظة، فقد يستغرق بعض الوقت، ولكنه في النهاية سينفع بالتأكيد، فلماذا ينفع في كل مكان ولا ينفع في العراق مثلا؟ هل ان عقولنا تختلف عن عقول الآخرين؟ ام ان آذاننا لا تستوعب الحديث؟ ام ماذا؟.
باء: ينبغي ان لا نيأس اذا رأينا الناس لا تصغي إلينا، او ان المسؤول يستهزيء بما نقول ونكتب، فالامر يحتاج الى مثابرة ومواصلة واستمرارية حتى يؤتي الكلام ثماره، ولعل في قصة نبي الله نوح عليه السلام مع قومه خير درس وعبرة وانموذج يحتذى، فعلى الرغم من انهم واجهوه بالضد وبكل الطرق، الا انه ظل يواصل دعوتهم للحق، كذلك بكل الطرق، دون كلل او ملل، حتى قضى الله أمرا كان مفعولا.
يقول القران الكريم راسما تلك الصورة بقوله {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا* ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}.

علينا ان نغيّر الوسائل والأدوات بين الفينة والأخرى، وكذلك الأساليب وطريقة العرض. فالظروف تتغيّر، كما انّ الحاجات والأوليّات هي الاخرى تتغيّر.
جيم: نحن بحاجة الى ان نُحسِن الظن بالناس والمجتمع، فليس كلّهم لا يقرأون او لا يتأثرون او لا يهتمون، ولذلك يجب ان يكون عندنا أمل في التأثير، ثم نعمل على زيادة نسبته شيئا فشيئا.
دال: يجب ان نتعامل مع الكلمة كمسؤولية، فنعرف كيف نختارها؟ ولمن نقولها؟ وأين نقولها؟ وكيف نقولها؟ بمعنى اخر، فان علينا ان نجتهد في قول الكلمة، اي نبذل قصارى جهدنا ونحن نسعى لقولها من اجل ان تغيّر، فإذا أثّرت فبها، وان لم تؤثر فلقد فعلنا الذي علينا، واسقطنا الواجب الوطني والديني والأخلاقي الذي كان يجب علينا ان نتصدى له، وليس علينا بعد ذلك ان ننجح، وصدق الشاعر الذي قال:
على المرء ان يسعى بجُهده
وليس عليه ان يكون موفقا
وكل رمضان وانتم بخير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك