المقالات

أسحار رمضانيّة ()

1257 05:39:59 2014-07-07

نزار حيدر

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
هذه الآية تقرر معادلة في غاية الأهمية، وهي: انّ فعل السوء بجهالة فقط والتوبة منه بلا إصرار، والمشفوع بالإصلاح والوعد بعدم تكراره والعودة اليه مرة اخرى، تكون نتيجته المغفرة، ما يحثُّ على عدم اليأس، والاّ فالعكس هو الصحيح.
انّ اليأس من رحمة الله تعالى هو السهم القاتل الذي يصيب الأمل، واذا مات الأمل في حياة الانسان تحوّل الى ميّت الأحياء، كما يقولون، فاليأس هو السبب الحقيقي لانزلاق الانسان في المهاوي السحيقة، فعندما يخطئ المرء ثم يتصور ان لا مجال أمامه للتوبة، فسيكرر الخطا تلو الخطا حتى يصل الى مرحلة الياس الذي يدفعه لارتكاب الجريمة ولسان حاله قول الله عز وجل {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} لان اليأس يدفع بالإنسان الى ان يستمرئ الخطا الذي يتضخّم ليتحوّل الى جريمة، فيكون مصداقا لقول الله عز وجل {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}.
ان اليأس يسبب الفشل، لان النجاح يحتاج الى مثابرة والى استقامة وإصرار وعزيمة حتى تحقيق الهدف، وان مع الياس تختفي كل هذه المفاهيم في حياة الانسان، ولذلك لم نجد ناجحا في العالم وفي التاريخ أصابه الياس في اية مرحلة من مراحل حياته، والا لما كان يصرّ ويصبر ويواصل حتى تحقيق ما كان يصبو اليه، فهذا رسول الله (ص) صبر على مضض الطريق بالرغم من كل التحديات والمواجهات بشتى اشكالها، حتى انزل الله تعالى عليه النصر فقال تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} بل نجد ان القران الكريم يتحدث عن لحظة ما قبل الياس كموعد لتحقيق النصر، فيقول تعالى {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} ليظلّ المرء صابرا ومستقيما ويقِضاً ليواصل طريقه بكل إصرار ومثابرة، فلا ينقلب على عقبيه في لحظة من اللحظات الحاسمة، كما لا يغيّر او يبدل بمجرد ان تتصدى لمشروعه الأمّعات والمطبّلين والمزمّرين والنفعيّين.
ولخطورة الياس فقد حذر منه القران الكريم ومدرسة اهل البيت (ع) كثيرا جدا، فقال تعالى {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} اما أمير المؤمنين (ع) فيقول {قتل القنوطُ صاحِبهُ}.
ان الياس يكون في احيان كثيرة ذريعة للهرب من المسؤولية او لتبرير الفشل، ولذلك فان الآيس إما انه لا ينوي النجاح او انه أعجز من ان يحققه فتراه يرمي بنفسه على اليأس عند اول مواجهة.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عدم يأس المرء وهو يواصل مشواره لتحقيق الهدف، دليل واضح على صدقه وإيمانه ويقينه بقضيته وهدفه، ولذلك تراه يتحمل كل شيء من اجل تحقيق الهدف، ولو كان كاذبا او مترددًا او خائفا او آيسا لما تحمل كل شيء من اجل ما يصبو اليه، فهذا الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي ضرب اروع الأمثلة في الصمود فتحمّل السجن اكثر من ربع قرن على ان ينطق كلمة واحدة يعبّر فيها عن تنازله عن حق شعبه وقبوله بالعبودية، فما الذي دفعه الى كل هذا الصبر والصمود اذا كان آيسا من قضيته؟ وما الذي دفعه لطرد الياس اذا لم يكن صادقا مع نفسه ومع قضيته ومع شعبه؟.

ان الصبر نتاج عدم الياس، والأخير نتاج الصدق، ولذلك قال أمير المؤمنين (ع) {فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاِْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ} فمصداق الصدق لا يتحقق مع الياس ابدا.
وكل رمضان وانتم بخير.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك