( يقلم : احمد كماش الناصري )
من المعلوم لدى الجميع أن الأخلاق الإسلامية أخلاق سمحة تتسم بالتسامح ولكننـــــا نلاحظ اليوم أن الكثير من الناس قد أصبح لايفرق أو يخلط بين التسامح والتساهــــل فأدى ذلك إلى التهاون في أمور لاتحتمل التهاون.خاصة أن عملية الانزلاق من التسامح إلى التساهل تتم فــــــــي سهولة ويسر كما أن التساهل كثيرا ما يقترن بمظاهر اللامبالاة أو عدم الاكتراث ومن هنا فأننا قد نستخف بأمور خطيرة لايجوز فيها الاستخفاف كما أننا قد نتسامح دون أن نفطن إلـــــــى أننا بذلك نقوض أركان الحياة الخلقية لمجتمعنا.
لذلك كانت الصرامة ( Rigorisme ) مطلب أخلاقي أساسي لان كل مجتمع يتساهل مع المجرمين والعابثين والخارجين على الشرع والعرف والقانون أنما هــــو مجتمع منحل متفكك يهدم نفسه بنفسه . وأما حين يقف المجتمع بالمرصاد لكل من تحدثه نفسه بالخروج علـــــــــــى المعايير الجمعية أوالاستهتار بقيم الجماعة فهنالك يكون للأخلاق سند اجتماعي وقانوني قوي يضمن للجميع ردع المخالفين وقمع المارقين .
ولا يعني ذلك أن مجتمعنا قد أصبح يفتقر تماما إلى كل وعي أخلاقي بل كل ما نعنيه إن هذا الوعي الأخلاقي قد أصبح لايفرق ويخلط كما ذكرنا التسامح بالتساهل وهـــذا هو السبب في إننا صرنا نختلق المعاذير للمارقين والمتمردين كما أصبحنا نجد دائما من الظروف المخففة مايبرر استعمال الرأفة مـــــع المجرمين والمنحرفين وفاة حماة القانون ودعاة الأخلاق إن أي استثناء يتعرض له القانون أو أي شذوذ يخرق القاعدة الأخلاقية يكون هو الكفيل وحده بهدم هذا القانون أو تحطيم تلك القاعدة الأخلاقية .
وهناك الكثير من الأمثلة التي تشهد على إن التسامح عندنا قد تحول إلى تساهل فأننــا إذا نظرنا بأبصارنا إلى الموظف أو الطالب أو العامل أو رجل السياســـــة وكذلك إذا نظرنا إلى محطات النفط والبنزين وكيف يتم التصرف بهاتين المادتين أما إذا توجهنا في نظرنا إلى الشارع نلاحظ قيام العديد من المواطنين بإطلاق العيارات الناريــــــة بدون مبرر أو بخروجهم المتكرر وهم يحملون السلاح ويوجهونه إلى إخوانهم مــــن رجال الشرطة الذين هم يمثلون القانون وهيبة الدولة بالإضافة إلى إرهابهم الناس بين حين وآخر بالإضافة إلى قيام قسم منهم بالطعن على العلماء ورجال العراق الجديد في كل زمان ومكان وبصورة يقشعر منها الجبين .....
أقول : إذا نظرنا إلى هؤلاء وغيرهم فإننا سوف نجد نماذج مختلفة لهذا التهاون الذي تمليه على الناس روح الاستخفاف بالمسؤولية والتساهل مع الذات وعــــدم الاكتراث بمصالح الآخرين . وان تعجب فالعجب إن تجد كل هؤلاء يروحون ويغدون بكل امن واطمئنان دون أن يلقوا أي عقوبة أو جزاء والسر في هذا التسامح الذي تلقاهم به الجماعة هو أن الوعي الأخلاقي عندنا أصبح وعيا زئبقيا سهلا لايتسم بأي صورة من الصرامة. وهذه السهولة أو التساهل إنما هو الدليل الأكبر على إننا لم نعد نقف بالمرصاد لأهل الفساد الخلقي وصرنا نتهاون في ابسط واخطر واجباتنا الخلقية إلا وهـــــي واجبات رعاية الأخلاق.
إننا مدعوين أكثر من أي وقت مضى للوقوف بصرامة وحزم أمام كل من تسول له نفسه العبث بحياة المجتمع وعدم السكوت عن كل التصرفات التي لاتتناسب وأخلاق مجتمعنا الإسلامي . والصرامة التي ندعو لها لا تعني الخشونة والتقاطع بل هــــي آلية للحل الصائب فمن السهل أن تخلق الخصوم ومن السهل جدا أن تطلق عليهم السهام لكن ما هـــي الفائدة من ذلك ؟؟؟ نريد الحلول التي يضمنها الشرع والقانون لا التصادم الأعمى حتى يمكن أن نجعل من يسيء إلى يفكر بالمصلحة العامة بدل من أن ينساقوا وراء هواجس ورغبات لا تخدم أحدا .
وأخيرا :قد يأخذ علينا أحدهم إننا شخصنا الداء ( وهو معلوم ) دون أن نصف الدواء ( وهو الأهم ) ولكننا تقول :أن تشخيص الداء هو الخطوة الأولى على درب الشفاء
(( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا أن الله شديد العقاب ))
حامد كماش الناصري
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)